من طلب هذا؟ اكتشاف جديد يغير من مسار فيزياء الجسيمات

دعاية_دعم

قام الفيزيائيون في مصادم الهادرونات الكبير – تلك التجربة العظيمة في الفيزياء الجسيمية – والذي يقع بالقرب من جينيف في سويسرا بالبحث عن العديد من الجسيمات تحت الذرية والعديد من الظواهر الجديدة. لقد حاولوا أن يعيدوا تخليق المادة المظلمة، أن يكشفوا عن أبعادٍ إضافية، وأن يحولوا المادة إلى ثقوبٍ سوداء ميكروسكوبية.
ولكن لم يخطر على بال أحد احتمالية وجود جسيم متعادل كهربيًا ويكون أثقل أربع مرّات من الكوارك –وهو الأثقل حتى الآن- ويمكنه الانحلال ليكون فوتونين. لم يتنبأ أي فيزيائي نظري بوجود مثل هذه الجسيمات ولم يتم تصميم أي تجربة للبحث عن مثل هذا الجسيم.
ولذا عندما أعلن فريقان مختلفان في مصادم الهادرونات الكبير وبشكلٍ منفصل عن وجود إشارات لوجود مثل هذا الجسيم كان رد فعل العديد من الخبراء تمامًا مثل رد فعل الفيزيائي الأمريكي (أسيدور أيزاك رابي- Isidor Isaac Rabi) عند اكتشاف (الميون-muon) (وهو شقيق أثقل للإلكترون) فقد قال: «من طلب هذا؟»
ستكون الآثار كبيرةً جدًا إذا كان لهذا الجسيم وجود بالفعل. لأنه غير متوقع على وجه التحديد، فإنه سيكون أهم اكتشاف في تاريخ فيزياء الجسيمات منذ تأكيد وجود الكوارك -المكون الأولي للبروتونات والنيوترونات- في السبعينات من القرن الماضي. من الممكن أن يكون هذا أكبر شيء حدث منذ اكتشاف الميون نفسه.
الدليل ضعيف جدًا حتى الآن، ولكنه يبلغ العديد من الأزواج من فوتونات أشعة جاما التي تم إنتاجها من طاقات مركبة تصل إلى 750 جيجا إلكترون فولت عندما يقوم مصادم الهارونات بتحطيم بعض البروتونات. وحقيقة أن كاشفين منفصلين تمامًا قاما برصده بنفس الطاقة تقريبًا تعطي بعضًا من الأمل، ولكن إشارات غريبة كهذه غالبًا ما تظهر في التجارب لتختفي لاحقًا في الخلفية الصاخبة.

ومنذ ذلك الحين لم يتحدث البشر الموجودون في (سيرن-CERN) -معمل فيزياء الجسيمات الأوروبي والذي يستضيف مصادم الهادرونات الكبير- عن أي شيء آخر بخلاف ذلك. ودخل الفيزيائيون النظريون في أنحاء العالم كله في حالة من النشاط المرتفع، فقد تم نشر أكثر من 200 ورقة بحثية على الإنترنت تحتوي على نظريات يمكن أن تفسر هذه الجسيمات. أحد الاحتمالات أن هذا الجسيم هو شقيق أثقل لبوزون هيجز، وهناك احتمالية أخرى محيرة تقول أنه نوع من (الجرافيتون-graviton) -وهو الجسيم الذي من المفترض أنه يحمل قوة الجاذبية-. وإذا كان كذلك فقد يشير إلى وجود أبعاد أخرى من المكان غير الثلاثة المعروفة.
وأهمل البعض هذا الانفجار من المقالات قبل المطبوعة باعتبارها محاولة من المؤلفين لإشعال الاستشهاد برأيهم. حتى أن عالمًا فيزيائيًا قام بعمل مقارنة كمية بين هذا النشاط المرتفع وبعض البدع التي ظهرت واختفت في الماضي، ويظهر في هذه المقارنة ارتفاع اهتمام الفيزيائيين النظريين في البداية ثم اختفاء هذا الاهتمام تمامًا. ولكن وصف اهتمام الفيزيائيين النظريين بأنه من أجل المصلحة يعد ظلمًا لهم. لنعيد صياغة ألبرت أينشتاين عندما قال: «إذا علم الناس عما ينبغي أن يبحثون، فلن يمكننا أن نطلق عليه بحثًا».
وحماس الفيزيائيين النظريين مفهوم إذا بررناه بالحذر. فلعقودٍ طويلة، ظل مجالهم يبحث عن دليل على النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات وهي مجموعة من النظريات التي تم وضعها في السبيعينيات من القرن الماضي، وقد حققت نجاحًا أكثر من المتوقع. لم يكن الجيل الحالي من الفيزيائيين الصغار قد وُلِدَ عندما أنتجت المسرعات الجسيمية آخر نتائجها المذهلة. وفي هذه الأثناء فإن الأبحاث في الفيزياء فيما وراء هذا النموذج المعياري دائمًا ما تبوء بالفشل في المسرعات مثل مصادم الهادرونات الكبير، وأيضًا في التجارب المعملية وفي الكواشف التي تُبنَى تحت الأرض أو تُرسَل إلى الفضاء للبحث عن المادة المظلمة. والاستثناء الوحيد لنجاح هذا النموذج المعياري هو أن الجسيمات الأولية التي تُسمَّى النيوترينو تتذبذب بين أنواعها الثلاثة وهو شيء لم تستطع النسخة الأصلية من النموذج المعياري أن تتنبأ به. وهذا الإنجاز أكسب اثنين من الفيزيائيين جائزة نوبل العام الماضي.
ويوفر مصادم الهادرونات الكبير الآن فرصة العمر لفتح آفاق جديدة كليًا.

في عام 2015 أعيد تشغيله بعد إغلاق طويل مما جعله يحطم رقمًا قياسيًا جديدًا في الطاقات الصادرة من التصادمات التي تحدث بداخله، فبعد أن كانت 8 تيرا إلكترون فولت أصبحت 13 تيرا إلكترون فولت. وقد أتاح ذلك الوصول إلى عدد مهول من الجسيمات -إذا كانت موجودة- ولكنه سيكون آخر قفزة حقيقية في طاقات المصادم لجيلٍ من الزمان. وسيستغرق بناء ماكينات أقوى عقودًا من الزمان لتخطيطها وتطويرها ثم بنائها.
وقد يقدم باحثو مصادم الهادرونات الكبير في اجتماع يُقام في جبال الألب الإيطالية في الثاني عشر من مارس تحليلات لهذه المعطيات مما يوفر أدلةً جديدة. وستقوم الماكينة بجمع معلومات أكثر في إبريل. وإذا كان الارتطام الذي شوهد في العام الماضي مجرد شذوذ فسيختفي بحلول الصيف. وإذا لم يكن كذلك فانتظروا بعض التصريحات الممتعة في الجولة القادمة من المؤتمرات.

ترجمة: Tifa Nabilovic
مراجعة: Mohamed Sayed Elgohary
تصميم: Abdallah Taha

المصدر: http://sc.egyres.com/PLmj0
#الباحثون_المصريون

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي