تم الإعلان اليوم عن الفائز بجائزة نوبل في مجال الطب، وقد حصل العالم الياباني (يوشينوري أوسومي- Yoshinori Ohsumi) على الجائزة نظيرًا لاكتشافاته المُتعلقة بآليات وطُرق الالتهام الذاتي.
«إنه لشرف عظيم لي …لقد أردت أن أقوم بشيءٍ مختلف عن الآخرين، اعتقدتُ أن التفكك التلقائي سيكون موضوعًا شيقًا»
« …أنا لست هذا الشخص التنافسي، لذا بحثتُ عن موضوع جديد لدراسته، حتى وإن لم يكن شائعًا. إذا انلطقتَ من بعض المُشاهدات الأساسية والجديدة؛ ستمتلك في النهاية الكثير لتعمل عليه»
كلمات العالم أوسومي الفائز بالجائزة لهذا العام [1].
(يوشينوري أوسومي- Yoshinori Ohsumi) هو عالم أحياء دقيقة ياباني مُختص في دراسة آليات الالتهام الذاتي، وُلد عام (1945) في مدينة (فوكوكا- Fukuoka) ويبلغ حاليًا من العمر (71) عامًا. درس في كلية الفنون والعلوم بجامعة طوكيو والتحق بها بعدة أقسام بدءًا بقسم العلوم الأساسية كطالب في عام (1963)، وكطالب دراسات عليا في قسم الكيمياء الحيوية ثم أستاذ باحث في قسم الكيمياء الزراعية في كلية الزراعة [2].
وفي عام (1996) بدأ عمله كأستاذ في قسم علوم الأحياء الخلوية في المعهد الوطني لعلوم الأحياء الأساسية، ويشغل حاليًا منصب أستاذ فخري في (معهد طوكيو للتكنولوجيا- Tokyo Institute of Technology) إلى جانب كونه أستاذًا في معهد البحوث المُبتكرة [2].
وعُرف أوسومي بكونه رائدًا في مجال التجارب المُتعلقة بعملية الالتهام الذاتي، وهي عملية تدمير آلية تقوم بها الخلية مما يسمح لها بإجراء عملية تدمير وإعادة تدوير منظمة لمكوناتها مما يُحسن من أدائها كوحدة بناء أساسية في جسم الإنسان [3] وتُعتبرعملية الالتهام الذاتي ذات أهمية خاصة، حيث أنها ترتبط بالعديد من الأمراض ومنها على سبيل المثال السرطان وداء باركسون وأمراض السكر [4].
المصادر:
[1 ]: http://sc.egyres.com/iGcbw
[2 ]: http://sc.egyres.com/G2Fe9
[3 ]: Kobayashi, S. (2015). Choose Delicately and Reuse Adequately: The Newly Revealed Process of Autophagy. Biol. Pharm. Bull. Biological & Pharmaceutical Bulletin Biological and Pharmaceutical Bulletin, 38(8), 1098-1103. doi:10.1248/bpb.b15-00096
[4 ]: Tavassoly, I. (2015). Dynamics of Cell Fate Decision Mediated by the Interplay of Autophagy and Apoptosis in Cancer Cells. Springer Theses. doi:10.1007/978-3-319-14962-2
البيان الصحفي حول الجائزة
قررت اليوم جمعية نوبل في معهد كارولينسكا بمنح جائزة نوبل في علوم الفيسيولوجي أو الطب للعالِم (يوشينوري أوسومي- Yoshinori Ohsumi) وذلك عن اكتشافاته المُتعلقة بآليات وطُرق الالتهام الذاتي.
نبذة:
اكتشف ووضح الحائز على جائزة نوبل لهذا العام الطُرق الكامنة وراء عملية (الالتهام الذاتي- autophagy)، وهي عملية أساسية لتحلل وإعادة تدوير المكونات الخلوية.
إنّ كلمة (autophagy) هي كلمة إغريقية الأصل فالجزء الأول منها «Auto-» يعني الذاتي والجزء الثاني «-phagein» يعني الأكل أو الالتهام، ولذلك فإن كلمة (autophagy) تعني الالتهام الذاتي.
وظهر هذا المصطلح في الستينات من القرن الماضي عندما لاحظ الباحثون أن الخلية تستطيع تدمير مكوناتها عن طريق احتوائها بداخل غشاء مكونة حويصله أشبه بالكيس، والتي يتم نقلها للجزء المسؤول عن إعادة التدوير وهو (lysosome) حتى يتم تحليها وتفكيكها، وكانت هناك العديد من الصعوبات التي واجهت دراسة هذه الظاهرة مما يعني أننا عرفنا القليل فقط عنها حتى استخدم أوسومي في مجموعة من التجارب العبقرية في بداية التسعينات خميرة الخبز في تحديد الجينات الأساسية في عملية الالتهام الذاتي، وبدأ من بعدها في توضيح الطُرق الكامنة خلف هذه العملية في الخميرة وأظهر أن آليات مُشابهة ولكن أكثر تعقيدًا تُستخدم في خلايانا البشرية.
أدت اكتشافات أوسومي إلى وضع نموذجٍ جديد لفهمنا حول كيفية إعادة تدوير الخلية لمحتوياتها، وقد فتحت اكتشافاته الطريق أمام فهم الأهمية الأساسية للالتهام الذاتي في العديد من العمليات الفيسيولوجية، ومنها التكيف مع فترات المجاعة ورد الفعل ضد العدوى التي قد تصيبنا، حيث أن وجود طفرات جينية في الجينات المسؤولة عن إتمام عملية الالتهام الذاتي قد تُسبب حدوث أمراض وهو ما يظهر في العديد من حالات السرطان والأمراض العصبية.
التحلل – وظيفة مركزية في الخلايا الحية:
لاحظ العلماء في منتصف الخمسينات من القرن الماضي وجود أجزاء خلوية متخصصة جديدة تُسمى عُضي (organelle) تحتوي على أنزيمات تهضم البروتينات والكربوهيدرات والدهون، وهذا الجزء المُتخصص يُشار إليه باسم (lysosome) ويعمل كمحطة عمل لتفيك وتحليل المكونات الخلوية. وقد مُنح العالم البلجيكي (Christian de Duve) جائزة نوبل في الفيسيولوجي أو الطب عام (1974) عن اكتشافه الـ(lysosome).
وقد أظهرت مُشاهدات جديدة في ستينيات القرن الماضي أن كمية كبيرة من المُحتوى الخلوي وحتى عُضيات كاملة؛ قد توجد أحيانًا بداخل (lysosome)، ولذلك فإن الخلية تبدو وكأن لديها استراتيجية مُحددة في نقل البضائع -المُمثلة في مكوناتها- إلى (lysosome).
وقد أظهرت تحاليل ميكروسكوبية وبيوكيماوية وجود نوع جديد من الحويصلات تنقل بضائع الخلية إلى (lysosome) من أجل عملية
التحلل والتفكك (الشكل 1).
وقد صاغ العالم (Christian de Duve) مكتشف الـ(lysosome) مصطلح الالتهام الذاتي (Autophagy»- self eating») لوصف هذه العملية، وسُميت الحويصلات المُكتشفة باسم (auto-phagosomes) أو الجُسيمات البَلعَمِية الذاتية.
الشكل (1): تمتلك خلايانا أجزاءً متخصصة مختلفة، تُشكل الـ(Lysosomes) واحدة من هذه الأجزاء وتحتوي إنزيمات لهضم المكونات الخلوية، وقد تم اكتشاف نوع جيد من الحويصلات بداخل الخلية يُسمى (auto-phagosome)، عندما يتكون (auto-phagosome)، فإنه يُحيط بالمكونات الخلوية كالبروتينات والعُضيات التالفة، وأخيرًا، يتحد مع (lysosome)، حيث يتم تفكيك محتوياته لأجزاء أصغر، تمد هذه العملية الخلية بالمكونات الغذائية والبنائية اللازمة لعملية التجديد.
هذا وركز الباحثون خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي على توضيح نظام آخر يهدف أيضًا لتفكيك البروتينات، وهو (proteasome).
وفي هذا المجال البحثي مُنح كل من (Aaron Ciechanover) و(Avram Hershko) و(Irwin Rose) في عام 2004 جائزة نوبل في الكيمياء نظيرًا لاكتشاف تحلل البرويتنات عن طريق اليوبيكويتين “discovery of ubiquitin-mediated protein degradation”.
ويقوم (proteasome) بتفكيك البروتينات كلًا على حدة، ولكن هذه الطريقة لا توضح كيفية تخلص الخلية من مركبات البروتين الكبيرة والعُضيات المهترئة، لذا هل باستطاعة عملية الالتهام الذاتي أن تكون الإجابة على هذه النقطة، ولو كانت كذلك، فما طريقة عملها؟
تجربة رائدة:
كان أوسومي نشيطًا في عدة مجالات بحثية، لكنه في بداية تأسيسه لمَعمله الخاص في عام (1988) قام بتركيز جهوده على تحلل البروتينات في الفجوات الخلوية (vacuole)، وهي العضية المُقابلة لـ(lysosome) الموجود في الخلية الإنسانية.
إن خلايا الخميرة سهلة الدراسة، ولذلك فإنها تُستخدم كنموذج لمحاكاة الخلية البشرية؛ وتُستخدم بالتحديد في تحديد الجينات المسؤولة عن السُبل الخلوية المُعقدة.
واجه أوسومي تحدٍّ كبير، وهو أن خلايا الخميرة صغيرة وأجزائها الداخلية ليست سهلة التمييز فيما بينها تحت الميكروسكوب، ولذلك كان غير متأكدٍ من وجود آلية الالتهام الذاتي في هذا الكائن.
وقد توصل إلى أنه إذا استطاع الإخلال بعملية تحلل البروتينات في الفجوات الخلوية في ظل نشاط آلية الالتهام الذاتي؛ فإن (autophagosomes) يجب أن تتجمع في هذه الفجوات وتُصبح مرئية تحت الميكروسكوب. ولذلك قام بزرع بخميرة مُعدلة جينيًا تفتقر إلى وجود الأنزيمات المسؤولة عن التحلل في الفجوات الخلوية وفي نفس الوقت قام بحثِّ عملية الالتهام الذاتي بتجويع الخلايا. وقد كانت النتائج مذهلة؛ ففي خلال ساعات كانت الفجوات قد مُلأت بحويصلات صغيرة (vesicles) لم تتعرض للتفكك أو التحلل (شكل 2). هذه الحويصلات كانت (autophagosomes) وأثبتت تجربة أوسومي أن الالتهام الذاتي موجود في خلايا الخميرة، ولكن الأهم من ذلك أنه يملك الآن طريقة لتحديد ووصف الجينات المُتضَمنة في هذه العملية، وكان هذا اكتشاف كبير نشره أوسومي عام (1992).
شكل (2): في الخمير (التي تظهر في الجزء الأيسر) جزء كبير يُسمى (vacuole) يُناظر (lysosome) في الخلايا الثديية. قام أوسومي بتخليق خميرة تفتقر إلى وجود الأنزيمات المُحللة الحويصلية، وعندما تم تجويع هذه الخلايا؛ تراكمت (autophagosomes) في الفجوات (اللوحة في المنتصف). وأوضحت تجربته أن الالتهام الذاتي موجود في الخميرة، وكخطوة لاحقة، قام أوسومي بدراسة آلاف الطفرات في الخميرة (اللوحة على اليمين) وحدد (15) جينًا مُهمًا لآلية الالتهام الذاتي.
تم اكتشاف جينات الالتهام الذاتي:
ويستغل الآن أوسومي فرصة وجود سلالات الخميرة المُعدلة وراثيًا والتي يتراكم فيها (autophagosomes) خلال تجويعها، لا يجب لهذا التراكم أن يحدث إذا كانت الجينات المهمة للالتهام الذاتي غير نشيطة أو مُفعلة. وقد قام أوسومي بتعريض خلايا الخميرة لمواد كيميائية تؤدي عشوائيًا إلى ظهور طفرات جينية في العديد من الجينات، وقام بعدها بحثِّ آلية الالتهام الذاتي. وقد نجحت خُطته!
وخلال عام من اكتشاف آلية الالتهام الذاتي؛ حدد أوسومي أولى الجينات الأساسية لهذه الآلية، وفيما لحق من دراسته الرائعة، تم وصف البروتينات التي تتكون عن طريق هذه الجينات ووظائفها. وأظهرت النتائج أنه يتم التحكم في الالتهام الذاتي عن طريق سلاسل من البروتينات (cascade of proteins) والمركبات البروتينية المُعقدة، حيث يُنظم كل منها مرحلة بعينها خلال تنشيط وتكوين (autophagosome) (شكل 3).
شكل (3): قام أوسومي بدراسة وظائف البروتينات المُكونة بواسطة الجينات الأساسية في عملية الالتهام الذاتي، وقدد صور بدقة كيف تُساهم إشارت الإجهاد في الخلية (stress signals) في بدء آلية الالتهام الذاتي والآلية التي عن طريقها تحث البروتينات والتعقيدات البروتينية مراحل مستقلة من تكوين (autophagosome).
الالتهام الذاتي – آلية حيوية في خلايانا:
بعد التعرف على آلية الالتهام الذاتي في الخميرة؛ يبقى هنالك سؤال مهم؟ هل هناك آليات مُناظرة للتحكم في هذه العملية في الكائنات الأخرى؟
أصبح من الواضح عمليًا أنه يوجد آليات مشابهة تعمل بداخل خلايانا نفسها، وقد أصبحت الأدوات اللازمة لدراسة أهمية الالتهام الذاتي في الإنسان مُتاحة.
وبفضل أوسومي وآخرون ممن حذوا حذوه، نعلم الآن أن الالتهام الذاتي يتحكم في وظائف فسيولوجية مهمة والتي تحتاج فيها الأجزاء الخلوية إلى التحلل وإعادة التدوير.
إنّ الالتهام الذاتي يستطيع توفير الوقود لوحدات الطاقة والبناء اللازمة لتجديد أجزاء الخلية، ولذلك فإنه يُعد مهمًا لرد الفعل الخلوي أثناء عملية الجوع أو العمليات الأخرى المُجهدة؛ فبعد الإصابة بالعدوى مثلًا، يُمكن أن يقوم الالتهام الذاتي بالتخلص من البكتريا والفيروسات المُهاجمة الموجودة بداخل الخلية، ويُساهم الالتهام الذاتي في نمو الجنين وتمايز الخلايا، كما تستخدمه الخلايا أيضًا في التخلص من البروتينات والأجزاء المتهالكة في الخلية، وهو ما يُعد آلية للتحكم في الجودة التي تعتبر هامة في مواجهة الآثار السلبية لتقدم السن.
وقد تم الربط بين الخلل في آلية الالتهام الذاتي وداء باركنسون، ومرض السكري من النوع الثاني وأمراض أخرى تظهر في كبار السن، وقدد تتسبب الطفرات الجينية في الجينات الأساسية لهذه الآلية في حدوث أمراض جينية، كما يرتبط الخلل في هذه الآلية بأمراض السرطان، وهناك الحديد من البحوث المُكثفة الآن لاكتشاف أدوية تستهدف الخلل في هذه الآلية في أمراض مختلفة.
إن الالتهام الذاتي معروف لما يزيد عن الخمسين عامًا، ولكن أهميته الأساسية في الطب والفيسيولوجي تم معرفتها فقط بعد أن قام أوسومي في عام (1900) ببحثه والذي غير النموذج والأفكار المعروف آنذاك، ونتيجة لمجهوداته؛ فقد مُنح جائزة نوبل في الفيسيولوجي أو الطب لهذا العام.
المنشورات الرئيسية:
Takeshige, K., Baba, M., Tsuboi, S., Noda, T. and Ohsumi, Y. (1992). Autophagy in yeast demonstrated with proteinase-deficient mutants and conditions for its induction. Journal of Cell Biology 119, 301-311
Tsukada, M. and Ohsumi, Y. (1993). Isolation and characterization of autophagy-defective mutants of Saccharomyces cervisiae. FEBS Letters 333, 169-174
Mizushima, N., Noda, T., Yoshimori, T., Tanaka, Y., Ishii, T., George, M.D., Klionsky, D.J., Ohsumi, M. and Ohsumi, Y. (1998). A protein conjugation system essential for autophagy. Nature 395, 395-398
Ichimura, Y., Kirisako T., Takao, T., Satomi, Y., Shimonishi, Y., Ishihara, N., Mizushima, N., Tanida, I., Kominami, E., Ohsumi, M., Noda, T. and Ohsumi, Y. (2000). A ubiquitin-like system mediates protein lipidation. Nature, 408, 488-492
إعداد وترجمة: أحمد شلبي
مراجعة: Matalgah Hamzeh
المصدر: http://sc.egyres.com/bFOuV
#الباحثون_المصريون