موجات الجاذبية والمادة المظلمة

LIGO_041819-1-1
|

نشر ألبرت أينشتاين نظريته الشهيره “النسبية العامة” في عام 1916م، والتي أثبتت النظرة الحديثة للجاذبية باعتبارها انحناءًا لنسيج الزمكان، وتتنبأ النظرية بأن الأجسام التي تتفاعل مع الجاذبية يمكن أن ترسل تموجات تمر خلال ذلك النسيج.

يمكن أن تنشأ موجات الجاذبية من تفاعل أى شيء مع الجاذبية، لكن الأحداث الكونية الكبرى هي التي تجعل موجات الجاذبية قوية بما يكفي لاكتشافها. بدأت المراصد الآن في تسجيل موجات الجاذبية على نحو منتظم، حيث يناقش العلماء كيف يمكن للمادة المظلمة – المعروفة فقط حتى الآن بالتفاعل مع أي مادة أخرى فقط من خلال الجاذبية – أن تنشئ موجات جاذبية قوية بما يكفي لاكتشافها.

بطانية الزمكان

يرتبط الزمان والمكان كزمكان فضائي رباعي الأبعاد. للتبسيط، يمكنك أن تفكر في الزمكان كبطانية معلقة فوق سطح، قد يكون كوكب المشتري شيء صغير فوق تلك البطانية. يمكن أن تكون الشمس ككرة تنس، كما يمكن أن يكون ( R136a1) – وهو أثقل نجم تم اكتشافه – ككرة طبية بوزن 40 باوند.

تدفع كل من هذه الأشياء البطانية إلى أسفل. وكلما زاد وزن الشيء, كلما زاد الإنحناء في البطانية. مثل الأشياء ذات الأوزان المختلفة على البطانية، فإن الأشياء ذات الكتل المختلفة لها تأثيرات مختلفة على نسيج الزمكان. ويعد الانحناء في الزمكان هو مجال الجاذبية.

يمكن أن يؤثر مجال الجاذبية لجسم ما على جسم آخر، مثل القمر حول الأرض أو الأرض حول الشمس. قد يتجه جسمان بفعل مجال الجاذبية تجاه بعضهما البعض، إلى أن يصطدما. وعندما يحدث ذلك، فإنه يخلق تموجات في الزمكان أو ما يعرف بإسم – موجات الجاذبية.

في 14 سبتمبر 2015، استخدم العلماء مرصد “لايجو”؛ لإجراء أول ملاحظة مباشرة لموجات الجاذبية الناتجة من التصادم بين ثقبين أسودين هائلين. منذ هذا الاكتشاف الأول، اكتشفت موجات الجاذبية من 10 اندماجات أخرى على الأقل، وفي عام 2017، تم اكتشاف أول اندماج بين نجمين نيوترونيين.

أما عن المادة المظلمة فيُعتقد أنها سائدة بمقدار خمسة أضعاف المادة العادية المرئية. ويستدل عليها من آثارها الجذبوي في جميع أنحاء الكون. ويعتقد العلماء أنهم لم يروا حتى الآن موجات الجاذبية التي تسببها المادة المظلمة، لكن يمكنهم التفكير بطرق عديدة قد يحدث بها هذا.

الثقوب السوداء البدائية

لقد رأى العلماء الأثر الجذبوي للمادة المظلمة، لذلك فهم يعلمون أنه يجب أن يكون هناك شيء – أو على الأقل، يجب أن يحدث شيء ما مسبب لذلك الأثر الجذبوي. لكن حتى الآن، لم يكتشفوا أبدًا بشكل مباشر جسيم المادة المظلمة، لذا فهم غير متأكدين تمامًا من ماهية المادة المظلمة.

واحدة من تلك الأفكار التي تحاول تفسير كنّة المادة المظلمة هى أن بعض المواد المظلمة يمكن أن تكون في الواقع ثقوبا سوداء بدائية.

تخيل الكون كطبق بتري كبير- وهو وعاء يستخدمه علماء الأحياء لحفظ الخلايا او البكتيريا – في هذا السيناريو، فإن الانفجار العظيم هو النقطة التي تبدأ فيها بكتيريا المادة في النمو. تتسع هذه النقطة بسرعة، وتتجه للخارج لتشمل المزيد والمزيد من الطبق البتري. إذا كان هذا النمو غير متساوٍ قليلاً، فستصبح بعض المناطق مأهولة أكثر من غيرها. قد تنهار تلك المادة الكثيفة هذه – في الغالب الفوتونات في هذه المرحلة من الكون – تحت ثقلها وتشكل ثقوبًا سوداء بدائية.

يقول ياسين علي حيمود، أستاذ مساعد في الفيزياء بجامعة نيويورك:

“أعتقد أنها نظرية مثيرة للاهتمام، ومثيرة للاهتمام مثل نوع جديد من الجزيئات، فإذا كانت الثقوب السوداء البدائية موجودة، فستكون لها آثار عميقة في تعريفنا بالظروف التي كان عليها الكون مبكرًا.”

باستخدام موجات الجاذبية لمعرفة خصائص الثقوب السوداء ، قد تكون لايجو قادرة على إثبات أو تقييد نظرية المادة المظلمة. على عكس الثقوب السوداء العادية، ليس للثقوب السوداء البدائية حد أدنى للكتلة التي تحتاج إلى الوصول إليها ليمكن تكونها. فإذا امكن للايجو رؤية ثقب أسود أقل كثافة من الشمس، على سبيل المثال، فقد يكون ثقب أسود بدائي. حتى لو كانت الثقوب السوداء البدائية موجودة، فمن المشكوك فيه أنها تمثل كل المادة المظلمة في الكون. ومع ذلك، فإن العثور على دليل على الثقوب السوداء البدائية من شأنه أن يوسع فهمنا الأساسي للمادة المظلمة وكيف بدأ الكون.

النجوم النيوترونية

يبدو أن المادة المظلمة تتفاعل مع المادة العادية فقط من خلال الجاذبية، ولكن استنادًا إلى الطريقة التي تتفاعل بها الجسيمات المعروفة، يعتقد العلماء أنه من الممكن أن تتفاعل المادة المظلمة مع نفسها أيضًا. إذا كان هذا هو الحال، فقد تترابط جزيئات المادة المظلمة معًا لتكوِّن أجسام مظلمة و مدمجة كنجم نيوترونيّ.

نحن نعلم أن النجوم تحني نسيج الزمكان من حولها، فإذا كان الكون مملوءًا بأجسام مظلمة مدمجة، فستكون هناك فرصة لأن ينتهي بعضها على الأقل إلى داخل نجوم المادة العادية، ولن يتفاعل النجم العادي والجسم المظلم إلا من خلال الجاذبية، مما يسمح لهما بالتعايش دون أي ضجة، ولكن أي تعطيل للنجم – على سبيل المثال، انفجار سوبر نوفا – يمكن أن يخلق اضطرابًا. وإذا حدث ذلك، فسيخلق موجات جاذبية قابلة للاكتشاف.

يقول سانجاي ريدي، أستاذ الفيزياء بجامعة واشنطن:

“إننا نفهم النجوم النيوترونية جيدًا إذا حدث شيء غريب مع موجات الجاذبية، فسنعلم أنه من المحتمل حدوث شيء جديد قد يشمل مادة مظلمة.”

احتمال وجود أي من تلك الأحجاث في نظامنا الشمسي محدود. حيث قام تشاك هورويتز وماريا أليساندرا بابا بتحليل البيانات الصادرة من لايجو مؤخرًا ولم يعثروا على أي إشارة إلى وجود مادة مظلمة كثيفة في نطاق الأرض أو كوكب المشتري أو الشمس.

يمكن لمزيد من دراسات موجات الجاذبية وضع المزيد من القيود على الأجسام المظلمة الكثيفة. تقول آن نيلسون، أستاذة الفيزياء بجامعة واشنطن:

“المعوقات مهمة إنها تتيح لنا تحسين النظريات الحالية وحتى صياغة نظريات جديدة.”

نجوم أكسيونيه

أحد المرشحين للمادة المظلمة الخفيفة هو الأكسيون، الذي سميه الفيزيائي فرانك ويلشيك على اسم نوع من المنظفات، في إشارة إلى قدرته على حل مشكلة في نظرية الديناميكا الكميّة. يعتقد العلماء أنه من الممكن أن تتحد الاكسيونات مع بعضها البعض في نجوم أكسونية، على غرار نجوم النيوترونية ولكنها تتكون من مادة أكسيونية مضغوطة للغاية. يقول تيم ديتريش، وهو عضو فى لايجو وعالم فيزياء: “في حالة وجود أكسيونات، هناك سيناريوهات حيث يمكن أن تتجمع مع بعضها البعض وتشكل أجسامًا نجمية، مثل المادة العادية، لا نعرف ما إذا كانت نجوم الأكسيونات موجودة ، ولن نعرف على وجه اليقين حتى نجد قيودًا على نماذجنا.”

إذا تم دمج نجم أكسيوني مع نجم نيوتروني، فلن يتمكن العلماء من معرفة الفرق بين الاثنين بأدواتهم الحالية. بدلاً من ذلك، سيحتاج العلماء إلى الاعتماد على الإشارات الكهرومغناطيسية المصاحبة لموجة الجاذبية لتحديد الاختلاف.

من الممكن أيضًا أن تتفكك الأكسيونات حول الثقب الأسود الثنائي أو نظام النجوم النيوترونية. إذا تم دمج هذه النجوم، فستكون التغييرات في “السحابة” الأكسيونية مرئية في إشارة موجة الجاذبية. الاحتمال الثالث هو إمكانية إنشاء أكسيونات بواسطة عملية الدمج، وهو إجراء ينعكس في إشارة موجات الجاذبية.

في إبريل هذا العام ، بدأت عمليات التعاون – بين لايجو و فيرجو- الخاصة بها في مسار المراقبة الثالث، ومع تطويراتها جديدة ، تتوقع اكتشاف حدث اندماج كل أسبوع.

لقد أثبتت أجهزة الكشف عن الموجات التثاقلية بالفعل قيمتها في تأكيد تنبؤات أينشتاين القديمة. ولكن لا يزال هناك الكثير الذي يمكن أن تعلمنا إياه دراسة موجات الجاذبية. يقول علي حيمود:

“إن موجات الجاذبية تشبه الإحساس الجديد تمامًا بالعلم، إحساس جديد يعني طرقًا جديدة للنظر في جميع الأسئلة المهمة في الفيزياء.”


المصدر

ترجمة: بسمة خالد حسن.
مراجعة علمية: سارة سامر
تدقيق لغوي: مريم سمير.
تحرير: هدير جابر.

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي