ميكانيكا الموائع (الجزء 6)

ميكانيكا الموائع (الجزء 6)

مقدمة

كيناماتيكا الموائع أو (علم حركة الموائع – Fluid Kinematics) هو العلم الذي يصف حركة الموائع دون التطرق بالضرورة إلى القوى والعزوم التي تسبب هذا الجريان. في هذا المقال سنتناول وصف عالمين كبيرين هما لاجرانج وأويلر لحركة الموائع. كما سنستعرض الطرق المختلفة لتصور مجالات التدفق، وستجد معلومات أكثر عن الخصائص الكيناماتيكية الأساسية لحركة الموائع.

وصف أويلر ولاجرانج

اعتدنا في المراحل الدراسية الثانوية على سماع كلمة معادلات الحركة، ولربما أنت تذكرها، وقتها كنا نفترض جسمًا نقطيًا ونتتبع مساره، ونجمع معلومات عن سرعته، وتسارعه، وموقعه مع مرور الوقت. وهذه المعادلات على الرغم من بساطتها إلا أنها مفيدة في بعض الأحيان، مثلًا في حالة قرص الهوكي المتحرك على الجليد أو كرة البلياردو على الطاولة وهي تتدحرج باتجاه الشبكة، لكن في حالة مائع متحرك لا بد من إيجاد طريقة أخرى لوصف حركته.

وكما أن حركة الأجسام كانت موضع اهتمام علماء كبار مثل إسحاق نيوتن وجاليليو جاليلي، فحركة الموائع جذبت انتباه اثنين من أباطرة الرياضيات وهما الرياضي (جوزيف لويس لاجرانج – Lagrange) والسويسري (ليونارد أويلر – Euler). وصف كلا الرجلين حركة الموائع ولكن بطريقةٍ مختلفة.

وصف لاجرانج

طريقة لاجرانج في وصف حركة الموائع مماثلة تمامًا لطريقة وصف حركة الأجسام الاعتيادية (كالكرة مثلًا) بعض الشيء. فلوصف حركة ثلاث كرات بدقة لا بد لنا أن نعلم مُتجهات الوضع والسرعة للكرات الثلاثة كدالة في الوقت. لاجرانج فكر في المائع بالطريقة ذاتها: بما أن المائع يمكن تقسيمه إلى عدد كبير من الحزم الصغيرة (ك لحزمة هي مجموعة من جزيئات المائع) ، إذًا يمكننا وصف حركة المائع بمعرفة كلًا من متجهات الوضع والسرعة لكل الحزم المكونة للمائع في الوقت ذاته. وهنا تكشر هذه الطريقة عن أنيابها، ونلخص المشاكل المتعلقة بهذه الطريقة في النقاط التالية:

  • تعريف الحزمة التي نريد أن نتتبعها مع الوقت ليس بالأمر الهين، خاصةً إذا كان المائع هائجًا في جريانه.
  • إذا استطعنا تحديد حزم المائع التي نريد أن نتتبعها، لا ننسى احتمال أن تنفصل إحدى الحزم أثناء الحركة فتكون أكثر من حزمة ثانوية، كل منهم له سرعة مختلفة عن الحزمة الأم، وبالتالي يؤثر على الحزم المحيطة به بشكل مختلف.
  • لا ننسى طبعًا أن تفاعل تلك الحزم مع بعضها البعض ليس بسيطًا كما الحالة في كرة الهوكي والمضرب.
  • الحزم تنحرف عن مسارها باستمرار أثناء حركة المائع.

لكني أدعوك عزيزي القارئ ألا تُقلل من شأن تلك الطريقة، فما كنت لأشغلك بها لو لم تكن ذات نفعٍ، فهناك العديد من التطبيقات العملية التي تستخدم وصف لاجرانج. فمن تلك التطبيقات أنها تُستَخدم لوصف انتشار المادة الملوثة داخل المائع في حال كان تركيزها ضئيلًا بحيث لا يؤثر على خصائص المائع. وفي حالة حسابات الغازات المخلخلة خاصة في حالة دخول مراكب الفضاء للغلاف الجوي للأرض.

ميكانيكا الموائع (الجزء 6)
ميكانيكا الموائع (الجزء 6)
دخول مراكب الفضاء للغلاف الجوي.
دخول مراكب الفضاء للغلاف الجوي.

وصف أويلر

وصف أويلر يختلف عن وصف لاجرانج في كونه لا يركز على مسار الحزم ويحاول تتبعها، إنما يركز على منطقة تعرف بـ(الحجم الدراسي – control volume) والتي تعرف على أنها حجم ثابت في الفراغ، يدخله المائع ويغادره. فبدلًا من تتبع حزم من الجزيئات بعينها أثناء الحركة، نقوم بتعريف (متغيرات المجال – Field variables) والتي هي دوالٍ في متغيرات زمانية ومكانية. فمثلًا مجال الضغط، هو دالة في المتغيرات x, y, z, t والتي تصف الضغط عند نقطة إحداثياتها (x, y, z) داخل الحجم الدراسي في زمن معين وهو t، ويمكن وصفه رياضيًا بالشكل:

P=P(x,y,z,t)

كما يمكننا وصف متغير مجال آخر في صورة متجهة مثل مجال السرعة الذي يمكن تقسيمه إلى مجموع ثلاث متغيرات مجال كل منها يمثل متغير المجال لإحدى مركبات السرعة، ويمكننا كتابة ذلك رياضيًا على الصورة:

V = (u, v, w) = u(x, y, z, t)i+ v(x, y, z, t)j+ w(x, y, z, t)k

ومجال التسارع يمكن كتابته بنفس الطريقة، وهو مع مجال الضغط ومجال السرعة ومجالات أخرى يسمون أجمعين مجالات الجريان.

والفرق بين الطريقتان هو مثل الفرق بين رجلين أرادا دراسة سرعة جريان النهر، أحدهما اختار أن يرمي بزجاجة بلاستيكية في المياه ويراقبها وهي تتحرك مع التيار، والآخر اختار التركيز على منطقة صغيرة من الماء تحته مباشرةً ويراقب سرعة المياه وحركتها وهي تمر من طرف المنطقة إلى الطرف الآخر. الأول هو لاجرانج والثاني هو أويلر. وبشكل عام فإن طريقة أويلر أسهل بكثير وأغلب التطبيقات المتعلقة بمحاكات جريان الموائع تعتمد عليها، لكننا لا ننسى أن هناك حالات حيثُ لا مفر من استخدام طريقة لاجرانج. وعلى الرغم من ذلك، فإن معادلات الحركة في حالة وصف لاجرانج التي تصف حركة الحزم هي أشبه بمعادلات الحركة لنيوتن، بينما معادلات الحركة في حالة وصف أويلر أكثر تعقيدًا، وتحتاج إلى إطار رياضي خاصٍ بها.

ميكانيكا الموائع (الجزء 6)
ميكانيكا الموائع (الجزء 6)

محاكاة الجريان

إن الدراسة الكمية للجريان أمرٌ شديد التعقيد، لكن تَخَيُل الجريان ومحاكاته يمكن أن يخبرنا بالكثير. ومحاكاة الجريان ليست مهمة في دراسة التجارب العملية فحسب، بل إنهما مهمة جدًا في مجال (ديناميكا الموائع الحسابية -CFD)، بل إن أول ما يقوم به المهندسون بعد الحصول على حل عددي لنظام جريان معين، هو محاكاة ذلك النظام لرؤية صورة شاملة للجريان بدلًا من النظر إلى حفنة من الأرقام المتراصة والتي من الصعب استخراج أي معانٍ منها، وكما يُقَالْ: «صورة بألف كلمة». دعونا إذًا نُلْقِي نظرةً سريعة على الطرق المختلفة لتخيل ووصف الجريان:

خطوط وأنابيب التدفق

(خط التدفق – Streamline) هو منحنى يكون مماسًا لمتجه السرعة اللحظية عند أي نقطة يمر بها. ولهذه الطريقة دور فعال في تحديد اتجاه جريان المائع لحظيًا. فعلى سبيل المثال، يمكننا معرفة سلوك جريان المائع في مناطق (إعادة التوزيع – Recirculating regions) و (مناطق انفصال الجريان – Flow separation) من على سطح صلب من خلال النظر إلى خطوط التدفق كما هو مبين في الصورة التالية؛ حيث ترينا نموذج لانفصال الجريان عن جناح طائرة أثناء عملية الإقلاع.

طريقة خطوط وأنابيب التدفق.
طريقة خطوط وأنابيب التدفق.

أما (أنبوب التدفق – Streamtube) فهو عبارة عن حزمة من خطوط التدفق، بنفس الكيفية التي يتكون بها كبل الكهرباء الرئيسي من مجموعة من الكابلات الفرعية. وحيث أننا أشارنا لكون خطوط التدفق موازية لمتجه سرعة المائع عند أي نقطة، لذا لا يمكن للمائع أن يعبر أحد الخطوط، وبما أننا ذكرنا أن أنابيب التدفق هي مجموعة من خطوط التدفق، إذًا يمكننا استنتاج أن: «المائع داخل أنبوب التدفق سيظل بداخله ولا يمكنه العبور من حواجز أنبوب التدفق.» ومن هذه النتيجة يمكننا القول بإن أنبوب التدفق إذا كان يضيق، وكان المائع الذي بداخله غير قابل لإنضغاط، فهذه علامة على أن سرعة المائع في ازدياد كما هو مبين في الحالة a من الصورة التالية. وأما إن كان أنبوب التدفق يتسع، فهذا دلالة على أن المائع الذي بداخله تقل سرعته كما هو مبين في الحالة b من الصورة التالية.

أنبوب التدفق وسرعة الموائع.
أنبوب التدفق وسرعة الموائع.

خطوط المسار – Pathlines

خط المسار، هو المسار الفعلي الذي يسلكه أي جزيئ مائع في أي فترة زمنية محددة. وهذه الطريقة هي أسهل الطرق فهمًا وتتبع مبدأ وصف لاجرانج لحركة لمائع. وخط المسار هو متجه موضع جزيء المائع، الذي يُدرس في فترة زمنية محددة. ومن الطرق العملية لدراسة مسار حركة جزيئات المائع هي مزج المائع بجزيئات تعرف بـ (جزيئات التتبع – tracer particles)، وهذه الجزيئات تكون معلقة في المائع، وتُصور لمدة زمنية معينة. فكما هو مبين في الصورة التالية نجد مثال على خط المسار لجزيئات الماء في حالة متموجة. والصورة التي أمامنا أُخِذت بضبط (غالق الكاميرا – shutter) للالتقاط الضوء لمدة مساوية لدورة الموجة، ومن الصورة يمكننا ملاحظة سير الجزيئات في مسار بيضاوي مبين باللون الأبيض، يمنة ويسرة، ولأعلى وأسفل، ثم تعود إلى موضعها الأصلي. كما نلاحظ أن الجزيئات عند السطح تتأثر بشكل أكبر بالموجة من الجزيئات عند القاع، الأمر الذي نستنتجه من اختلاف حجم الأشكال البيضاوية بين السطح والقاع .

خط المسار لجزيئات الماء في حالة متموجة
خط المسار لجزيئات الماء في حالة متموجة
شارك المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي