في عام (1967) رفض محمد عليّ (بطل الملاكمة للوزن الثقيل) الخدمةَ في صفوف الجيش الأمريكي بما أملاه عليه ضميره، وزعم أن هذا الأمر مخالفٌ لتعاليم الإسلام. وقد أدَّى موقفه هذا إلى إقصائه من عالم ملاكمة المحترفين، وكذلك التهديد بالسجن وإدانته بتهمٍ جنائية.
بينما كان عليّ يخوض معركةً قانونية للحفاظ على حريته، تُوِّج (جو فريزر) بطلًا للعالم في الوزن الثقيل بإجماع الآراء. وكان مثله مثل عليّ، بطلًا أولومبيًّا حائزًا على الميدالية الذهبية، وفي حين أنه كان يفتقر إلى تحركات سلفه الرشيقة وجاذبيته، إلا أن لكمة خطافية يسرى منه لم تدع مجالًا للشك في جدارته لحمل اللقب.
في عام (1970)، عاد عليّ أخيرًا إلى حلبة الملاكمة حيث سُمِحَ له باللعب في ولاية جورجيا.
بعد فوزه على أهم المتنافسين هم: (جيري كواري) و(أوسكار بونافينا)، تلقَّى الجمهور إعلانًا بالنزال المنتظر، وهو مواجهة بين الملاكمين (كلاي) و(فريزر) على لقب الوزن الثقيل.
إهانات عليّ تحدث صدًى إعلاميًا وتتسبب في غضب فريزر
شرع كلاي في إشعال جذوة المنافسة لـ «نزال القرن» وذلك بشتم خصمه، وكما ورد في سيرته الذاتية أنه أطلق عليه وصف «العم توم» وأضاف أنه أكثر حمقًا وغباءً من أن يصبح بطلًا.
بالنسبة لفريزر الذي أعلن دعمه لعليّ وأقرضه المال في فترة إيقافه، كانت تلك الشتائم بمثابة خيانة لصداقتهم. وفي حين أن عليّ كان على حق في ظنه أن هجائه اللاذع لفريزر من شأنه أن يروج للمباراة، كان لوقع تلك الكلمات على فريزر أثرٌ عظيم في تحول مشاعر الغضب إلى رغبة في استرداد كرامته.
وفي أثناء ذلك، تراصت صفوف الشعب المختلفة لتختار من الذي ستنحاز لجانبه من بين كلا المتنافسين؛ عليّ المتهرب من الخدمة العسكرية الذي يمثل الحركة المناهضة للثورة وزعزعة القيم التقليدية، وفريزر الذي نشأ في أسرة ريفية بسيطة في الجنوب، الذي أصبح -لسخرية القدر- رمزًا لتوطيد الدولة وكما قال عليّ متهكمًا: «بطولة الرجل الأبيض».
مباراة مثيرة تُوِّجت بفوز فريزر
في (8 مارس 1971) كان الجو مشحونًا بحديقة (ماديسون سكوير) في نيويورك. اختلط رجالٌ يرتدون معاطف طويلة وبيضاء من فرو السمور (نوع من الثدييات يتبع جنس الخز من فصيلة العرسيات)، وعباءاتٍ من جلد النمر بمجموعة من المشاهير من ضمنهم: (باربرا سترايساند)، و(داستين هوفمان)، و(سامي ديفيس جونيور)، وحضر أيضًا (برت لانكستر) ليبدي تعليقاته بشأن تلفاز الدائرة المغلقة، بينما كان (فرانك سيناترا) جاثمًا بكاميرته جوار الحَلَبة، مستعدًا لالتقاط الصور لنشرها في مجلة «لايف».
وعندما دخل عليّ حلبة المباراة، صاح حشدٌ من الجمهور المقدر عدده بـ 20.455 مشجعًا، مرتدين سراويل حمراء وبها خطوط بيضاء، وأحذية مزينة بعقدة الفيونكة. بعدها بثوانٍ، ضجَّ الملعب مرةً أخرى بهتاف جماهير فريزر له عند دخوله، ويرتدون سراويل خضراء مزخرفة باللون الذهبي.
بدأ النزال قويَّا، يراوغ بعضهما بعضًا ويوجه كلاهما اللكمات للآخر. وكعادة البطل الاستعراضي، هزَّ عليّ رأسه رافضًا فكرة الهزيمة عندما تمكن منه فريزر بتسديد ضربةٍ قويةٍ له.
ولكن سرعان ما اتضح أن البطل الاستعراضي لم يعد قادرًا على الحركة بخفة كما كان في شبابه. وأخذ يتبادل اللكمات مع فريزر، ورغم ما يبدو من أن الملاكم ذي الذراعين الطويلتين هو الأقوى، تلك اللكمات جعلته عُرضةً لضربات خصمه المهلكة.
في الجولة الرابعة، بعد أن استجمع فريزر قواه، واصل توجيه اللكمات لعليّ حتى سالت الدماء من أنفه، ثم دفعه على الحبال وبدأ يضربه بقوة. وفي الجولة السادسة، تلاشت آمال البطل السابق في الفوز بضربةٍ قاضية مع كل ضربة انتقام يتلقاها من خصمه.
في الجولة التاسعة، يبدو أن عليّ استعاد السيطرة على نفسه ووجَّه لفريزر مجموعة من اللكمات. في الجولة الحادية عشرة، عادت الأمور كما كانت حيث سدد فريزر ضربة خطافية يسرى قاضية ترنَّح على إثرها عليّ حول الحلبة بطريقة مأساوية، ومع ذلك، لم ينتهِ الأمر بعد، لقد بذل عليّ أقصى ما لديه ليبهر الجمهور بعرضٍ مثير في الجولة الرابعة عشر.
ومع اقتراب الجولة الخامسة عشر والنهائية، كان فريزر متقدمًا على كلاي في بطاقات الحكام الثلاثة، رغم انتفاضة عليّ الأخيرة التي أوحت أن المباراة يمكن أن تذهب لأحد الطرفين بضربة قاضية من أحدهما.
بحلول الساعة 2:34 استقبل عليّ لطمة الانتقام بضربة خطافية يسرى كادت أن تسقط المبنى بأكمله، وهُزِم للمرة الثالثة في تاريخه.
من المدهش أن عليّ عاد مرة أخرى إلى حلبة المباراة كما لو أنه تعثر فحسب، ولكن مصيره قد حُسم، بعد أن دق الجرس بانتهاء المباراة، تم إعلان فوز فريزر بإجماع الحكام.
مباراة عززت تاريخ البطلين
«مباراة القرن» هي واحدة من الأحداث الرياضية القليلة التي حصلت على دعايا هائلة لم يسبق لها مثيل، وأُفيدَ بأن قرابة 300 مليون شخصًا حول العالم شاهد هذه المباراة، وأدرَّت مبلغًا يقدَّر بما يزيد على 20 مليون دولار من الإيرادات، وتلقَّى كلٌّ مشاركٍ مبلغًا وقدره 2.5 مليون دولار.
بالنسبة لفرايز، ضمنت له المباراة تخليد اسمه في تاريخ الملاكمة بأنه أول من هزم عليّ بشكل احترافي، وهو الذي سيحرج خصمه العظيم في المبارتين التاليتين ضمن الثلاثية المخلدة الخاصة بهم.
وبالنسبة لعليّ، فقد كانت هذه المباراة نقطة تحول في مسيرته الرائعة، حيث أثبت من خلالها أنه قادر على تجاوز ضعف قدراته البدنية ليعتلي على عرش اللعبة مرة أخرى بصفته حامل لقب بطل العالم للوزن الثقيل، مستكملًا مسيرته من شخصيةٍ مُثيرةٍ للجدل في الستينيات إلى بطلٍ شعبي.
المصدر:
Ott T. Muhammad Ali and Joe Frazier’s “Fight of the Century” Was a Symbol of the Cultural Battle in America [Internet]. Biography. [cited 2019 Dec 23]. Available from: https://www.biography.com/news/muhammad-ali-joe-frazier-fight-of-the-century