سلسلة نشأة الكون: الجزء 4: الانفجار العظيم

سلسلة نشأة الكون: الجزء 4: الانفجار العظيم

بعد عقود وسنوات توصل جورج لوماتر الفرنسي إلى فكرة عظيمة حيث تمسك  بكلام إدوين هابل بأنَّ الكون يتوسع، دعني أشرح إليك الأمر بكل بساطة؛ لو كان لديك بالونة منتفخة بالهواء، ثم وضعت عليها علامتين بالقلم، ثم واصلت ضَخ الهواء بداخلها، ماذا تتوقع حدوثه للمسافة بين النقطتين؟ نعم تزداد بكل تأكيد، هنا أخبرنا هابل أنَّ المجرات لا تبتعد عنا ولا يوجد سباق كوني بين المجرات، أينشتاين مُحق تماما -كالعادة- ما نحن عليه يتوسع، نعم البالونة الكبيرة تتوسع، الزمان والمكان الذي يضم كل ما يملكه الكون يتوسع، هنا بدأ لوماتر بالتفكير. [1] [2]

بدأ لوماتر التفكير بما أنَّ الكون يتوسع إلى الأمام فلابد له من ماضي! هيا بنا نعود إلى الماضي ونُفرغ البالون من الهواء، نعم يقترب كل شيء من الآخر كما كان، ثم نواصل حتى نجد أنَّ الفراغ قد انتهى وتجمع كل شيء في نقطة صغيرة كثيفة ذات خصائص مرعبة، ضغط لا نهائي وربما حرارة لا نُدركها وطاقة لن نتخيلها أبدًا، نقطة واحدة بها كل شيء! فكرة مجنونة ومن الطبيعي أن تُقابل بالرفض في البداية، حتى إنَّ مسمى البيج بانج مجرد سخرية من تلك الفكرة. [1] [2]

سلسلة نشأة الكون: الجزء 4: الانفجار العظيم
الاتفجار العظيم arabatheistbroadcasting.com

دعنا من كل هذا شئنا أم أبينا تلك النظرية لها أدلتها الكبيرة التي تُثبتها، وهكذا العلم، لو كان لديك دليل على أنّ الكائنات الفضائية مُستضافه في منزلك، فهي كذلك ولو لم نراها فقط أخرج لنا الدليل، وهذا هو المنهج العلمي التجريبي ببساطة.

لن أطيل الحديث عن دلائل صحة تلك النظرية ولكني سأتطرق لأكبر دلائلها والذي ربما يجعلها غير قابله للدحض حتى الآن. إن كان الكون بدأ من نقطة شديدة الحرارة وصغيرة للحد غير المعقول، فلابد مع التوسع أن تتناقص درجات الحرارة بشكل متجانس بجميع الجهات، هذا كلام مضبوط، إذن فلابد أنَّ درجة حرارة الكون قد انخفضت كثيرًا إلى وقتنا الحالي، ولابد من ثباتها أو تجانسها في جميع الجهات، وقد تمَّ بالفعل عن طريق الصدفة البحتة اكتشاف وقياس درجة الحرارة تلك وفي جميع الجهات على يد فيزيائيين يعملان لدى شركة اتصالات كانا يُصلحان الهوائي الخاص بهما وهما أرنو بنزياس وروبرت ويلسون. [1]

سلسلة نشأة الكون: الجزء 4: الانفجار العظيم
nasainarabic.net

كان الهوائي يصدر الطنين والتشويش ذاته من جميع الاتجاهات، بعد عنائهما علما بعد ذلك أنهما اكتشفا أقوى دليل على نظرية الانفجار العظيم، وهو ما نسميه الآن إشعاع الخلفية الكونية. وقد حصلا على نوبل ولم يحصل عليها من وضع الفرض منذ البداية!

والآن لننطلق إلى بداية الكون وكيف كانت….

لا تسألني ما قد كان قبل الانفجار العظيم، لأن الانفجار نفسه أخرج لنا ما تسأل عنه الآن وهو الزمان ومعه المكان! فلا قبل ولا متى ولا حتى أين، وتلك الحِقبة متروكة للجميع ليفكر، فكر بدليل علمي يُثبت كلامك، نوبل تنتظرك.

بدأ الانفجار العظيم من تلك النقطة التي ربما تتعجب من ما هو طولها وقدر ما تحتويه من طاقة وحرارة، لكن تَيقن يا صديقي أنها أصغر بكثير وكثير من أن ينشأ بها ما نسمية المادة، لذا فمقارنتنا دائما ستكون بين فريقين، المادة والطاقة، وهنا المُهيمن هو الطاقة.

هذا العصر تحديدًا يُسمى عصر بلانك وسمي هكذا لأن طوله أيضًا سُمي طول بلانك وهو (10-35 متر) وربما تطلق على هذا الطول قُطر الكون، أما عن تلك الفترة سُميت بزمن بلانك ويساوي (10-36 ثانية)، حرارة تلك الحقبة كانت تقدر ب (1032 كلفن)، في هذا العصر وهو أول معاني البداية للكون كانت كل المادة مُكثفة في نقطة واحدة ذات كثافة لا نهائية وحرارة عالية جدًا جدًا. يُعتقد بأن التأثيرات الكمية هي المسيطرة في تلك الحقبة على التفاعلات الفيزيائية أو الأحداث الفيزيائية هناك، حيث لا توجد قوى فيزيائية أخرى تضاهي قوة الجاذبية.

سلسلة نشأة الكون: الجزء 4: الانفجار العظيم
nasainarabic.net

استمرت تلك الحقبة من الزمن صفر إلى ما يقارب ال 10-43 ثانية، كانت حالة الكون غير مستقرة تماما لذا لابد من التوسع وانخفاض درجة الحرارة حتى تبدأ القوى الأربعة الأساسية في الظهور.

  • من حوالي 10-43 إلى 10-36  ثانية بدأت تنفصل القوى الأساسية والجاذبية كانت أول المنفصلين.
  • من 10-36  إلى 10-32 ثانية بدأت درجة حرارة الكون تنخفض شيئًا فشيئًا حتى وصلت إلى 1028 كلفن فانفصلت القوى الكهرومغناطيسية عن النووية الضعيفة ليصبحا قوتان منفصلتان.
  • مع انخفاض درجة الحرارة بدأت الجسيمات التي هيمن كل جزء منها على فترة زمنية من عمر الكون وهذا ما سنتحدث عنه ف المقال القادم بالتفصيل بالاتحاد مع بعضها البعض ولكن دعنا نَسرد بشكل يسير مرحلة تطور الكون.
  • في الفترة من 10-10 إلى 10-4 ثانية كانت درجة الحرارة تتراويح ما بين 1015 إلى1012 كلفن كان كل شيء من إلكترونات ونيترونات وكواركات وحتى فوتونات، كان كل شيء يتفاعل ويصطدم بكل شيء تقريبًا.
  • أما من الفترة 10-4 إلى 1 ثانية كانت درجة الحرارة مناسبة لاندماج الكوراكات لتكوين أول بروتون كانت ما بين 1012 إلى 1010 كلفن، أما عن باقي الجسيمات كانت على حالتها المعهودة فلم يَحن موعدها بعد لتتشارك في تكوين الكون، كانت الإلكترونات والبروتونات والفوتونات والنيوترونات في تفاعل مع بعضها البعض، لا يزال الحساء ساخنًا جدًا.
  • أما من 1 إلى 1012 ثانية انخفضت درجة الحرارة إلى حد مناسب تمامًا لبزوغ شمس أول نواة ذرة في تاريخ الكون حيث كانت تتراوح ما بين 1010 إلى 10000 كلفن. بدأت البروتونات والنيوترونات بالاتحاد لتكوين أنوية الذرات.

 

الآن وقد أصبح لدينا مُكونات الوصفة كاملة من إلكترونات حرة وأنوية وفوتونات ونيوترينو كثيرة جدًا، كان كل شيء لا زال يتفاعل مع الآخر، إلا النيوترينو والذي يُعد من الجسيمات ضعيفة التفاعل حتى الآن، حيث يخترق كل شيء ولا يتفاعل معه، لا تقلق، مازال الإشعاع أو الطاقة هو المُهيمن وليست المادة، مازلنا في عصور الإشعاع. [1] [2] [3]

في الفترة من 1012 إلى 1013 ثانية كانت درجة الحرارة تصل إلى 3000 كلفن تقريبًا، ظلت وتيرة  الكون التخليقة للأنوية تزداد حتى أصبحت المادة هي المُهيمنة!

من الفترة 1013 إلى وقتنا الحالي انخفضت درجات الحرارة من 3000 كلفن حتى 3 كلفن فقط، تكونت الذرة بالتقاط النواة للإلكترونات حيث لم تَعد الفوتونات تتفاعل وتتصادم معهم، وبردت درجة حرارتهم، من ثم بدأت تتشكل مجموعات من الذرات ليتكون أول نجم ويبدأ هذا المصنع العملاق في إنشاء أكبر الذرات، مجموعات هائلة منها سُميت بالجزيئات، وفي نفس الوقت بدأت نجوم كثيرة بالظهور وبدأ صناعة الذرات الثقيلة ثم الأثقل وهكذا.

تتجمع النجوم مع بعضها البعض مُكونة ما نسمية اليوم مجرات، تتصادم المجرات كما تتصادم النجوم، مُفتتة بعضها البعض، ثم تعود وتتجمع مرة أخرى بفعل الجاذبية، وهذا ربما ما أنشأ الكويكبات والمذنبات ومخلفات الكون التي نراها مُلقاة في الفضاء، ربما هي بقايا نجوم ماتت في الماضي.

ثم كانت السحب أو ما نسمية السُدم والمختلفة بانواعها ما يُشغلنا منها الآن في مقالنا هي السدم الكوكبية، والتي نظن أنها نشأ عنها الكواكب والمجموعة الشمسية بالكامل، ثم نشأت الحياة على الأرض وتغير نمطها حتى وصلت لما هي عليه الآن، تلوث واستنفاذ للموارد الطبيعية، الكوكب ربما يحتضر، يجب الإسراع في إنقاذه، هذه مسؤلية الجميع. [1] [2] [3]

سلسلة نشأة الكون: الجزء 4: الانفجار العظيم
السُدم bel3arabic.com

إن هذا الكون عَتيق، نحن لا نرى إلا من خلال الضوء، أبعد ضوء تم رصده كان على بعد تقريبا 13.8 مليار سنة ضوئية، حيث هذا ما نُسمية بعمر الكون، أبعد مصدر ضوء بالنسبة لنا.

هذا الكون الفسيح قد اتفقنا جزئيًا على بدايته وكيف كانت، لكن ربما لن يحدث هذا في كيفية انتهائه، وهل سينتهي أم سيظل للأبد، أم أن ما حدث هو بداية لحدث أخر، أو ربما نهاية لحدث لا نعلم عنه شيئًا في الماضي، كل ما نراه من مادة لا يشكل إلا جزءً بسيطًا من الكون، فليس كل ما تراه هو كل ما هو موجود، في الحقيقة هناك لغز كبير حير العلماء، دلائل على وجود طاقة مظلمة ومادة أخرى تجعل الأجسام أثقل مما تبدوا عليه، المادة المظلمة، لم ظهروا؟ ولم تم فرضهم بالأساس؟ هذا ما سنعرفه إن شاء الله في المقال القادم.

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي