سلسة نشأة الكون: الجزء 1: كيف بدأ الكون؟

سلسة نشأة الكون: الجزء 1: كيف بدأ الكون؟

نحن هنا الآن في فقرة البحث عن “كيف بدأ الكون؟” السؤال الذي قد طُرح في عقول أولى البشر، وسنصحبكم في جولة عبر عدة مقالات لمحاولة الإجابة، وستكون أولى محاولاتنا في هذه المقالة سنتطرق إلى كيفية تسابُق الفلاسفة والعلماء لإيجاد إجابات هذا السؤال على مر العصور، وكيف تناقلت الخُطى من فلسفة الكون قديمًا والخرافات حتى نشوء حقبة العلم الحديث. علم الكون أو الكوزمولوجيا التي تعني دراسة الكون بمجمله، كيف نشأ، كيف تطور، وإلى ماذا يرنو؟

لم يُستنبط علم الكون الحديث سوى من تلك الفكرة البدائية التي حاصرت عقل الإنسان البدائي، فظل يتساءل “ما الذي يحدث حولي؟” “ترى كيف يعمل هذا الكون العظيم؟” “ما الذي يكمن وراء تلك الطبيعة؟”

عصر الخرافات

كانت شتى البشرية تسعى باستمرار لبناء إطار مفاهيمي يُجيب عن تلك التساؤلات. فبادئًا ذي بَدْءٍٍ علينا العلم بأنّه حتى ولو كانت أولى النظريات في هذا الشأن ماهي الآن إلا أفكارًا عديمة المعنى ولا تمُت للعلم بأي صلة، أو كانت صحيحة بقدرٍ غير كافٍ، لكن أهميتها تكمن في وجوب أخذنا في الاعتبار فكرة تكوّن هذا العالم الكبير جدًا في أعيننا الآن منذ الأزل.

سلسة نشأة الكون: الجزء 1: كيف بدأ الكون؟

كيف افترضت الحضارات القديمة نشأة الكون

على مر التاريخ ظهرت من ثقافات مختلفة خرافات تحاول تفسير أصل الكون، وكما هو الحال منذ القدم فإنَّ نزعة التركيز على الذات المتغلغلة في عظامنا تسير بنا على نحوٍ ما لفكرة أننا مركز الكون بأسره.

انطلاقًا من علم الكون الهندوسي وفي تحديدًا ما يقارب القرن الثاني عشر والقرن الخامس عشر قبل الميلاد حينما كان الإنسان يحاول ربط نشأة الكون وكأنه عملية بيولوجية؛ عندها افترض ما يُعرف بالبيضة الكونية التي اعتقد أنها تحوي الشمس والقمر والكواكب بل والفضاء أجمع والتي قد خُلقت من نقطةٍ ركيزة تُدعى “بيندو” حتى انهارت بدورها وكوّنت تلك البيضة، فالكون هنا ما هو إلا دوائر لا نهائية فيما بين تلك النقطة ومرورًا بذلك التمدد وحتى لحظة الانهيار التام. [1] [2]

وفي القرن الخامس قبل الميلاد كان هناك ما يعرف بكَون (أناكسوغوراس) هذا الفيلسوف الإغريقي الذي قامت فلسفته على فكرة أنه ثمة عناصر رئيسية وهي التراب والهواء والنار والماء، متواجدة بصورة لا نهائية بتراكيزٍ عظيمة تتناقل من مكانٍ لآخر، ثم عند لحظةٍ ما تحركت تلك العناصر بفعل نيوس التي تعنى العقل باليونانية وبذلك قد نشأ كونه. [1] [2]

ثم تطورت بعد ذلك فكرة المذهب الذري الفلسفية التي صاغها لبوكبوس وديموقريطس؛ حيث اعتقدا أنّ عناصر الكون الحقيقة تشكلت من الذرة غير القابلة للانقسام، وبذلك فإن كل جسم يقطن بداخل الكون ما هو إلا مجموعة مكونة بشكل ما من ذرات بمفهومها البسيط في ذلك الحين. [2]

سلسة نشأة الكون: الجزء 1: كيف بدأ الكون؟

وعندما وصل الأمر للفيلسوف الإغريقي أرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد، كان قد ظن أنّ الكواكب والنجوم تدور حول الأرض وأن هذا الكون محدود. [3]

بعد ذلك وفي القرن الثالث قبل الميلاد قدَّم الفلكي الإغريقي أرسطرخس الساموسي نموذجًا فلكيًا تدور فيه الكواكب حول شمس ثابتة في مركز الكون، ووصف فيه أيضًا أنَّ الأرض تدور حول محورها بصورة يومية وتدور سنويًا حول الشمس، لكنه لم يُقدم أي نموذج رياضي صالح للنظام الشمسي حتى عصر الفلكي نيكولاس كوبرنيكوس في القرن السادس عشر الميلادي. [3]

أما الكون البطلمي الذي ظهر في القرن الثاني عشر بعد الميلاد عن طريق الفلكي بطليموس أعاد فكرة مركزية الأرض وكان هذا النموذج هو النظام السائد والمسيطر في العديد من الحضارات القديمة. [3]

الانتقال من الخرافات إلى حقبة العلم الحديثة

في عام 1543 وعلى يد عالم الرياضيات والفيلسوف والفلكي كوبرنيكوس تمَّ صياغة نظرية مركزية الشمس وكون الأرض جرمًا يدور في فلكها ليس إلا، وأطلق عليها “مبدأ العادية الأرضية” الذي ينص على أن بيئتنا المحيطة تفتقد تمامًا لأي ملامح خاصة مميزة من المنظور الكوني. ثم تبعه يوهانز كبلر الذي حاول تفسير مشاهدات حركة الكواكب ثم استبدل مدارات أرسطو الدائرية بقطوع ناقصة. [4] [5]

أما التطور العظيم الآخر فكان عن طريق إسحاق نيوتن في القرن السابع عشر والثامن عشر عندما نشر كتابه (Principa) الذي يعد من أكثر كتب علم الفيزياء تأثيرًا حتى الآن والذي قد توصل فيه أنَّ الحركة الإهليجية هي نتيجة وجود قانون كوني للجذب العام.

لكن لماذا تبدو السماء مُظلمة ليلاً رغم أنها مليئة بالنجوم؟

قام عالم الفلك الألماني هاينريش أولبرز بطرح ما يسمى علميًا بمفارقة أولبرز أو السماء المظلمة في عام 1823 ومن قبلها تم طرح الفكرة أيضًا عن طريق كبلر، تكمُن المعضلة في أنه إذا افترضنا أننا نقطُن كونًا لا نهائيّ فمن المُنتظر أن يتواجد أحد النجوم على امتداد خط النظر حتى لو نظرنا في أي اتجاه، لماذا إذًا لا نرى سماءً ساطعة كل ليلة! أما تلك الظلمة فتكفي لإثبات أن الكون يستحيل أن يكون لا نهائيًا وأبديًا، لكن سواء أكان الكون لا نهائيًا أم لا فقد تم تفسير جزءً منطقيًا منه حتى تلك اللحظة فاتسعت حدود الفهم بدلًا عن الأفكار التي لم يكن لعقلٍ بشريّ أن يعيها ويؤمن بها وكانت لَتثبُت أسطورة أننا مركز الكون وانتهينا. [6]

إن الطفرة التي أناءت بنا نحو حقبة علم الكونيات الحديثة في السنوات الأولى من القرن العشرين الذي تم فيه إعادة صياغة كاملة لقوانين الطبيعة عن طريق ألبرت آينشتاين عندما عرض مبدأ نسبيته العامة، وبذا قوَّض مفهوم نيوتن عن المكان والزمان. يجئ بعد ذلك إدوين هابل ويُثبت أن هذا الكون ليس مستقرًا كما كان يُعتقد بل آخذٌ في التمدد والدليل أنه يحوي العديد من المجرات الشبيهة لدرب التبانة ثم يرصد تباعُد تلك المجرات عن بعضها البعض بسرعات متناسبة مع ابتعادها. [1][7]

وأخيرًا وليس بالطبع آخرًا يكتشف العالمان بنزياس وويلسون في عام 1965 إشعاع الخلفية الميكروني الكوني الذي كان دليلًا دامغًا بدوره على أن الكون قد بدأ بِكُرَة نارية بدائية؛ نعم، هو الانفجار العظيم. [7]

بذلك قد أشعّت تلك الانتقالات الفكرية وتفاعلات العلماء والفلاسفة، وحتى عقل الإنسان العاديّ فيما بينهم وأظهروا للنور مزيجًا جديدًا من المعرفة العلمية، لذا كانت الاستعانة بشتى الأفكار حتى الخرافيّ منها سبيلًا لِمَد الباحثين بنطاق واسع عميق من الرُّؤى عن ماهية الكون وكيف يعمل.

يقول لوكريتوس:

 

” لقد استمر العالم على حاله سنوات طويلة، وبعد أن ضُبطت حركاته ذات مرة ليسير بصورة سليمة وعقب هذا، جاء كل شيء آخر.”

سلسة نشأة الكون: الجزء 1: كيف بدأ الكون؟

يمكننا الآن الجزم بأن لهذا الكون قانونًا يحكمه وبداية، بداية إليها يرجع أصلنا وكل ذرة في أجسامنا، إننا نمثل جزءًا من هذا الكون العظيم بل يحق لنا القول أن الكون هو الذي مكننا هنا في ركننا الصغير هذا، من أن نفهمه. وقد بدأنا للتو. لا تنسوا أبدًا تلك اللحظة التي لا يكمن غض الطرف عنها بكل حال ألا وهي لحظة الانفجار العظيم، وذلك الأتون النووي الحراري الذي اعتمل في قلوب النجوم عالية الكثافة، والذي سنُسهِب فيه معكم لاحقًا فكونوا على الموعد.

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي