العلاقة بين نظرة الفرد لجسده واضطرابات التغذية

العلاقة بين نظرة الفرد لجسده واضطرابات التغذية

العلاقة بين نظرة الفرد لجسده واضطرابات التغذية

تُرى النظرة السيئة للجسد في الغالب على أنها عرض من أعراض مشكلات في التغذية. ولكن، ليس كل من لديه اضطراب في التغذية لديه إشكالية في صورة جسده، كما أن الكثير ممن ليست لديهم اضطرابات في التغذية لديهم نظرة سيئة لأجسادهم. إذاً كيف يمكننا فهم العلاقة بين صورة الجسم واضطرابات التغذية؟

ما هي صورة الجسم؟

صورة الجسم هي الصورة الذاتية التي ينظر بها الفرد لجسده، وهي مستقلة تماماً عن كيف يبدو الجسد في الواقع. وتعد صورة الجسم شيئاً معقداً ومبنياً على العديد من الاعتقادات، والأفكار، والمفاهيم، والمشاعر، والسلوكيات. إن الطريقة التي نرى بها أنفسنا وأجسادنا لها تأثير على صحتنا الجسدية، والنفسية، وعلى علاقاتنا. وصورة الجسم الصحيحة تتضمن وجود تصور موضوعي لشكل الفرد الخارجي، والقدرة على فصل قيمة الشخص كإنسان عن مظهره الشخصي.

صورة الجسم السلبية

غالباً ما يميز صورة الجسد السلبية عدم الرضا عن النفس والقيام ببعض السلوكيات كاتّباع الحميات الغذائية، ومراقبة الأكل بشدة أو منعه. كل ذلك في سبيل تحسين استيائهم عن أجسادهم. وفي الغالب تظهر صورة الجسد السلبية خلال الطفولة.

تشير الدراسات إلى أن ما يقرب من 50% من الفتيات قبل سن المراهقة، و30% من الأولاد قبل سن المراهقة يكرهون أجسادهم، كما أن 60% من النساء البالغات و40% من الرجال البالغين لديهم صورة سلبية عن أجسادهم.

اُستخدم مصطلح «السخط المعياري» لأول مرة من قبل طالب يدعى رودان وزملاؤه في عام 1984 لوصف عدم الرضا عن حجم الجسم وشكله. وتبين أن هذا السخط منتشر بين النساء لدرجة أنه تقرر أنه «معياري» أو عادي. وأظهرت دراسة واسعة النطاق أجريت مؤخراً على أيسلنديين تتراوح أعمارهم بين 18 و79 عاماً، أن ما يقرب من 43% كانوا غير راضين عن وزن أجسامهم، واعتقد أكثر من 71% أنهم بحاجة إلى إنقاص وزنهم. وعلى الرغم من أن متوسط مؤشر كتلة الجسم كان أعلى بين الذكور، فإن عدد النساء غير الراضين عن وزن أجسامهم في كل فئة عمرية أكثر من عدد الرجال.

مشاكل صورة الجسم مع اضطرابات التغذية

تعد اضطرابات التغذية مرضاً نفسياً معقداً يحدث بسبب عوامل وراثية وبيئية، أما صورة الجسم فهي مساهم واحد فقط في حدوثها. ولكن، نلاحظ أن المصابين باضطرابات التغذية تكون لديهم صورة سلبية للجسد؛ وذلك لأن العديد من المصابين يحددون مقدار تقديرهم لذاتهم بوضع قيمة عالية على شكل أجسادهم وأوزانهم.

هذا الإفراط في تقدير الشكل والوزن هو عرض من أعراض بعض اضطرابات التغذية. وعندما يتأثر تقدير الفرد لذاته بشكل غير مناسب بسبب شكل جسمه أو وزنه، قد يصاحب ذلك حدوث أعراض لأمراض أخرى كفقدان الشهية العصبي (anorexia nervosa) أو النهام العصبي (bulimia nervosa). كما أن التشخيص بفقدان الشهية العصبي يصاحبه اضطراب في شكل الجسم ووزنه، أو صعوبة في تقدير المرء لخطورة وزن جسمه المنخفض في هذا الوقت.

ولكن إعطاء وزن الجسم وشكله تقديراً أكبر من اللازم ليس بالضرورة عرضاً للإصابة باضطراب نهم الطعام (BED) الذي يعد أشهر اضطراب تغذية. فتشير الأبحاث إلى أن حوالي 60% فقط من المصابين باضطراب نهم الطعام استوفوا معايير الإفراط في تقييم الشكل والوزن. ولكن، يبدو أن المصابين بنهم الطعام ممن يعطون قيمة كبيرة لأجسادهم يكون لديهم حالة أكثر خطورة من اضطراب نهم الطعام. أما المصابون باضطراب تناول الطعام الاجتنابي أو المحدد (AFRID)، لا يواجهون عادة أي مشكلة مع الوزن والشكل.

صورة الجسد السلبية وأمراض أخرى

عدم الرضا عن الجسد قد يجعل صاحبه يتبع حميات غذائية ويجعل تغذيته مضطربة، وتلك قد تكون بمثابة بوابة السلوكيات التي تؤدي إلى اضطراب التغذية.

كما أن عدم الرضا عن الجسد يمكن أيضاً أن يكون عامل خطر لحدوث التوتر والاكتئاب والاحترام المتدني للذات. وبالتالي، فالتصدي له هو هدف مشترك للجهود الوقائية.

اضطراب تشوه شكل الجسم

اضطراب تشوه الجسم (BDD) هو مرض نفسي آخر، يصنف كنوع من الوسواس القهري وما يتعلق به من اضطرابات. والمصابون باضطراب تشوه الجسم ينشغلون بعيب واحد أو عدة عيوب طفيفة أو غير موجودة من الأساس في مظهرهم الخارجي، الذي يتضمن شكل جسمهم أيضاً.

يتم تشخيص الفرد باضطراب تشوه الجسم إذا كان الشخص يقوم بسلوكيات متكررة تشغله مثلاً: (التحقق المستمر من الجسم أو طلب الطمأنة على مظهره بشكل متكرر)، ولكن يجب أن تسبب قصوراً في الأداء حتى تصنف كأعراض للاضطراب. ولكن، إذا كانت الأمور التي تستحوذ على تفكير الشخص تخطر في باله فقط في سياق اضطراب الأكل، فيتم التشخيص في هذه الحالة على أنه اضطراب تغذية فقط.

عُرف عدم الرضا بالحجم والوزن لمدة طويلة على أنه مشكلة تحدث بين النساء فقط. ولكن، في السنوات الأخيرة أُثبتت أنها مشكلة تتفاقم بين الرجال أيضاً. فهناك واحد من أنواع اضطراب تشوه الجسم يدعى «خلل العضلات» يؤثر في المقام الأول على الرجال الذين يرغبون في أن يكونوا ذوي مظهر عضلي أكثر. وذلك لأن المرضى المصابين بخلل العضلات يهتمون بالرياضة وبتغيير نظامهم الغذائي ليؤثر ذلك على وزن الجسم وشكله. ويعتقد العديد من الباحثين أن خلل العضلات هو في الواقع نسخة من نسخ فقدان الشهية العصبي ولكن بما يتماشى أكثر مع المعايير التقليدية لجنس الذكور.

علاج صورة الجسم السلبية

تُظهر الدراسات أن صورة الجسم تكون أحياناً آخر ما يُعالج من الأعراض خلال علاج اضطراب التغذية. حتى مع وضع اختلاف العلاجات واختلاف أعراض اضطراب التغذية في الاعتبار، فإن مراحل الشفاء من مرض اضطراب التغذية النفسي تتبع شكلاً مماثلاً إلى حد ما. وعلى الصعيد العالمي تقريباً، علاج الوزن والتغيرات السلوكية يسبق العلاج النفسي. وقد تستمر درجة ما من الضيق والانشغال بصورة الجسم بعد التعافي من اضطراب التغذية؛ وذلك لأنه ليس من الطبيعي أن يكون الناس في مجتمعنا خالين تماماً من مخاوف صورة الجسم.

أُعدت العديد من الإجراءات لاستهداف صورة الجسم السلبية. وتندرج هذه الإجراءات تحت عدة فئات واسعة، بما في ذلك:

  • العلاج المعرفي السلوكي.
  • تدريبات اللياقة البدنية.
  • التثقيف الإعلامي.
  • تعزيز احترام الذات.
  • التربية النفسية.

في كثير من الحالات، يتضمن العلاج أكثر من فئة من الإجراءات، فمثلاً، في الغالب ما تتضمن برامج العلاج المعرفي السلوكي والتثقف الإعلامي التربية النفسية.

الإجراءات المعرفية السلوكية

الإجراءات المعرفية السلوكية هي الطريقة الأكثر استخداماً في علاج صورة الجسم السلبية. هذه الإجراءات تساعد الأفراد على تعديل الأفكار والمشاعر والسلوكيات الخاطئة التي تساهم في تكوين صورة الجسم السلبية. وتشمل التقنيات المستخدمة: المراقبة الذاتية، وإعادة الهيكلة المعرفية، والتدريب على تقدير حجم الجسم، والتعرض للمحفزات، والتعرض للمرآة.

تدريبات اللياقة البدنية

إجراءات تدريبات اللياقة البدنية تتضمن تمارين تهدف إلى تحسين القدرات الجسدية مثل تمرين «قوة العضلات». التحسينات الملموسة في اللياقة البدنية ليست بأهمية التحسينات المحسوسة. ويمكن للياقة البدنية أيضا تحسين صورة الجسد من خلال تشجيع الأفراد على التركيز على وظيفة أجسادهم والتفكير بشكل أقل في مظهرهم الخارجي.

إجراءات التثقيف الإعلامي

إجراءات التثقيف الإعلامي تعلم الأفراد كيف يتحدون الصورة والرسالة الإعلامية التي قد تهدف إلى تكوين صورة الجسد السلبية. فمثلاً: صورة لعارضة أزياء نحيفة جداً وعبارة تقول «النحافة هي الجمال» يمكن صدّها. وتشمل التقنيات المستخدمة في التثقيف الإعلامي التعليم والتدريبات التأييدية.

إجراءات احترام الذات

تركز استراتيجيات احترام الذات المستخدمة في علاج الصورة السلبية للجسم على تحديد وتقدير الاختلافات الفردية المتعلقة بصورة الجسد والصفات الداخلية والمواهب. كما تركز الاستراتيجيات على بناء مهارات تعايش صحية.

التربية النفسية

استراتيجيات التربية النفسية تعلم الأفراد بشأن المشاكل المتعلقة بصورة الجسد السلبية بما في ذلك أسبابها وما يترتب عليها. كما أن هذه الاستراتيجيات تستخدم غالباً مع نوع أخر من إجراءات العلاج.

الإجراءات القائمة على الشعور بالامتنان

هناك طريقة أحدث من التدخلات اللازمة لعلاج صورة الجسد السلبية تتضمن استراتيجيات قائمة على الشعور بالامتنان، كدفاتر وقوائم الامتنان، وانعكاسات الامتنان، وجلسات تأمل الامتنان. هذه الإجراءات تهدف إلى زيادة التقدير للجوانب غير القائمة على المظهر في الذات.

استراتيجيات تستطيع تجربتها في المنزل

إليك بعض استراتيجيات المساعدة الذاتية القائمة على الإجراءات المذكورة أعلاه التي تستطيع القيام بها بنفسك لتحسين صورة الجسد:

  • جهّز دفترًا لتدوين امتنانك عن جسدك: إذا كان روتينك اليومي يتضمن تعليقات سلبية تقولها لنفسك عن جسدك فذلك بالطبع سيجعلك تشعر بأنك في حال أسوأ. وليصبح الأمر أكثر توازناً، من المهم أن تبدأ لفت نظرك لأشياء أخرى، وتقدّر الأشياء الجيدة في جسدك. يمكنك تحقيق ذلك عن طريق تجهيز دفتر لكتابة امتنانك عن جسدك.  جرّب أن تكتب شيئاً إيجابياً واحداً عن جسدك يومياً. يمكنك كتابة أشياء مثل: «كان شعري في حالة جيدة اليوم»، أو «مكنتني قدماي أن أعبر الوادي»، أو «مكنتني يداي أن أحضن أولادي». قد يكون من الصعب القيام بذلك في البداية، ولكن سيصبح أسهل مع التدريب.
  • نظّف مواقع التواصل الاجتماعي لديك: نحن محتجزون خلال الصور والرسائل الخفية التي تشدد على النحافة وتحقيق الجسم الرياضي المثالي. ومن أجل التصدي لهذه الرسائل، من المهم إيجاد رسائل تدعم تقبل الجسد وتشمل مجموعة مختلفة من الأجساد. كما أن من المهم أيضاً التوقف عن متابعة الصفحات التي تعزز النحافة واللياقة المثالية.
  • اشترِ ملابس تناسب مقاسك الحالي: الكثير من الناس يمنعون أنفسهم من شراء ملابس مقاسها مناسب لهم وبدلاً من ذلك يشترون ملابس أصغر ليرتدوها «حين يخسرون الوزن الزائد». هذا الفعل المضلل يجعلك أكثر تعاسة في الحاضر وليس له أي علاقة بالتحفيز. عوضاً عن ذلك، قم بشراء على الأقل القليل من قطع الملابس الأساسية التي تناسب مقاسك الحالي وسيجعلك ذلك تشعر بإحساس جيد. فالمعظم يجد أن التأنق يجعلهم أكثر ثقة بنفسهم ويقلل من التوتر ومن الاستخفاف بالذات.
  • جرّب أن تتحدى نفسك وتوقّف عن تجنب جسدك وفحصه باستمرار: فتلك هي الأسباب الرئيسية لاستمرار اضطراب التغذية لديك. تجنب الجسد يتضمن تغطية الجسد بالكامل، أو رفض ارتداء ملابس مناسبة للموقف (كارتداء قميص ثقيل في الصيف، أو رفض ارتداء سراويل قصيرة أو قميص بلا أكمام في الصيف، أو رفض السباحة لأنك قلق بشأن ارتداء ملابس السباحة)، أو التجنب الكامل للذهاب للأطباء؛ لأن من الممكن أن يقوموا بقياس الوزن. أما فحص الجسم فهو تحقق الشخص المستمر من شكله ووزنه ويأخذ أشكالاً متنوعة، كوزن الجسم المستمر، أو قياس الجسم بشريط القياس أو باللمس، أو الهوس بالمرآة. تجنب الجسم وفحصه يديمان القلق فقط، وينبغي أن يكون الهدف هو الاعتدال. فمن يمارس التجنب يجب عليه أن يتدرب على الإظهار ومن يمارس هوس الفحص يجب عليه التوقف.
  • اسبح عكس التيار: الطرق الأكثر فاعلية في الوقاية من اضطرابات التغذية تعتمد في أساسها على التنافر الفكري. فعندما تكون التوجهات والسلوكيات متعاكسة، يشعر المرء بعدم الراحة ويحاول جعل توجهاته وسلوكياته في نفس الاتجاه. ولذلك يتم تشجيع الأفراد على المشاركة في نشاطات تقاوم بفاعلية الضغط الثقافي صاحب فكرة النحافة المثالية.
  • غيّر اللغة السلبية التي تصف بها جسدك: التحدث عن السمنة بطريقة سلبية وإصدار الأحكام والمحادثات التي تركز على الوزن والمظهر، كل ذلك يلحق الضرر بصورة الجسم داخلك. فالتوقف عن إصدار أحكام مثل «أنا سمين جداً» قد يساعدك في تحسين صورة الجسم. فلتتعهّد بعدم الخوض في أي حديث عن السمنة مجدداً.
شارك المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي