دائمًا نرى الزمن يتقدم للأمام، ولكن ماذا يحدث لو تخيلنا أنَّ الزمن يتراجع للخلف؟
لو تراجع الزمن للخلف سوف نرى الناس الأكبر سنًا يصبحون أصغر، وينسون كل ما تعلموه من قبل، وتدريجيًا يصبحون شبابًا ثم أطفالًا ثم يختفون. ولكن هذا مجرد تخيل، فهل من الممكن أن نعكس اتجاه الزمن؟ وماهو الزمن؟ وما اتجاه الزمن؟ هذه الأسئلة تنال اهتمامًا كبيرًا من علماء الكونيات وعلماء الفيزياء وكذلك القاريء العادي.
ومما يجب معرفته عن الزمن أنَّ جميع قوانين الطبيعة والفيزياء يكون الزمن فيها غير انعكاسي؛ أي أنَّها تعمل فقط عند تعريف الزمن؛ أي أنَّ الزمن يسير في اتجاه واحد فقط، وهو للأمام وهكذا هو دائمًا.
هل للزمن بداية؟
لكي نستطيع تعريف الزمن يجب أن نأخذ في الاعتبار تطور الكون، فعندما ننظر إلى الفضاء الخارجي نرى الأحداث التي حدثت في الماضي؛ لأنها تصل إلينا عن طريق الضوء و الضوء يأخذ سنينًا ضوئية حتى يصل إلينا فنرى الصورة على حالتها قبل هذه السنين الضوئية التي استغرقها الضوء حتى يصل إلينا.
في الحقيقة، حتى أبسط الملاحظات بإمكانها مساعدتنا في فهم الزمن الكوني؛ على سبيل المثال عندما ننظر إلى السماء ليلًا نجد أنها مظلمة، وهذه الملاحظة رغم أنَّها بسيطة جدًا إلا أنَّها تعطينا حقيقة كونية عظيمة؛ وهي أن الكون إذا كان متناهي القدم أي أزليًا، ومتناهي الامتداد أي لا نهاية له، فإننا سوف نرى السماء براقةً مضيئةً ومملؤةً بعددٍ ضخمٍ من النجوم التي كانت موجودة من قبل.
لعقود طويلة كان يعتقد العلماء ومنهم ألبرت أينشتين (Albert Einstein) أنَّ الكون ثابت وليس له حدود؛ ولكن الملاحظات الحديثة أثبتت أن الكون يتمدد بمعدل تسارع معين؛ مما نستنتج منه أنَّ الكون قد بدأ من نقطة عالية الكثافة مضغوطةً، وهو ما يطلق عليه الانفجار الكبير أو العظيم، وذلك يعطينا إجابة على سؤالنا: متى بدأ الزمن؟ أي أنَّ الزمن له بداية وهي الانفجار العظيم.
لو تتبعنا شعاع ضوئي قديم جدًا سوف نجد آثار الإشعاع الناتج من الانفجار الكبير (Big Bang)، وهذا نجده في أشعة الميكرويف الكونية، وذلك يعتبر الخطوة الأولى لمعرفة عمر الكون وأيضًا نقطة البداية بالنسبة لمحور الزمن.
هناك عقبة كبيرة تواجهنا في محاولاتنا لفهم الزمن الكوني؛ وهي نظرية النسبية الخاصة لأينشتين؛ حيث اعتبر أينشتين الزمن نسبي، فسرعة الأشياء كلها نسبية تعتمد على المراقب؛ لذلك في الكون سيكون كل شيء نسبي أيضًا، سواء المجرات التي تتباعد أو النجوم التي تتحرك حركة مغزلية أو الكواكب التي تتحرك في مدارات، كل هؤلاء سيكون حاضرهم وماضيهم ومستقبلهم نسبي أيضًا؛ أي أنَّك في لحظة واحدة تستطيع أن ترى الحاضر والمستقبل والماضي؛ فأنت على كوكب الأرض ترى ماضي النجوم وترى حاضرك، ومَنْ على كوكبٍ آخر أنت بالنسبة له مستقبل أي سيراك لاحقًا.
إذًا هل هناك زمن كوني متفق عليه؟
نعم هناك زمن كوني متفق عليه. وهو تقريبًا واحد على مستوى الكون في أي مكان وفي أي اتجاه. ونستطيع قياسه بسهولة، وذلك بدراسة خواص أشعة الميكرويف، وهو ما تم بالفعل؛ حيث استطاع علماء الكونيات من خلالها حساب عمر الكون وهو 13.799 مليار عام.
المُتَّجَه الزمني
نستطيع الآن رسم محور الزمن الكوني حيث نقطة بدايته الانفجار العظيم ويستمر في التقدم14 مليار سنة تقريبًا. ولكن يبقى السؤال المحير والمربك، فنحن قد عرفنا متى بدأ الزمن الكوني ومقداره، ولكن ماهو الزمن؟
وللإجابة على هذا السؤال يجب علينا معرفة خواص البعد المكاني والبعد الزمني. في البعد المكاني تستطيع الذهاب والعودة كيفما تشاء تنتقل من نقطة ثم تعود إليها تكرارًا؛ لكن هذا يختلف في البعد الزمني؛ حيث أن البعد الزمني غير انعكاسي أي لا تستطيع أن تعود إلى النقطة السابقة أو اللحظة السابقة. ولتوضيح لماذا البعد الزمني غير انعكاسي يجب علينا أن نجد في الطبيعة عملية أخرى غير انعكاسية، ويساعدنا في ذلك علم الفيزياء؛ حيث يخبرنا أنَّ الأشياء في الطبيعة تميل إلى أن تكون غير مرتبة أي تفقد نظاميتها، وتكون أكثر عشوائية، وهو ما يطلق عليه إنتروبي «Entropy»، وهو ما يصف مدى انتظامية الأشياء.
ولكي نفهم الفكرة بوضوح ونتخيل معنى الإنتروبي(Entropy)؛ نفترض أن لدينا صندوق زجاجي مغلق، ووضعنا في ركن منه كمية من الغاز؛ حيث تكون في حالة منتظمة. سنلاحظ بمرور الوقت أنَّ الغاز بدأ في الانتشار في جميع اتجاهات الصندوق، وأصبحت جزيئات الغاز في حالة حركة عشوائية، وكلما زاد الزمن زادت عشوائية الجزيئات، فإذا أردنا الرجوع بمحور الزمن يجب أن نعيد ترتيب جزيئات الغاز للوضع التي كانت عليه عند هذه اللحظة الأولى، وهو صعب للغاية إن لم يكن مستحيلًا. إنَّه مثل كسر بيضة لعمل بيضًا مقليًا، فبعد أن كَسَرْتَ البيضة ووضعتها في المقلاة تريد أن تُرجِعها بيضة سليمة مرةً أخرى!
الآن نستطيع أن نتخيل حجم التغيرات التي تحدث في الكون في كل جزءٍ مِن الثانية، حيث يتطور الكون باستمرار ويزداد معه الإنتروبي (Entropy) الخاص به.
الآن أصبح لدينا فكرة رائعة لتوضيح مفهوم المتجه الزمني. لكن بينما ننظر إلى الكون، بالرغم من أنَّه يبدو إلينا أنَّه أصبح أكثر انتظامًا؛ حيث انتقل من مرحلة الانفجار، ودرجة الحرارة العالية، والتمدد الغير منتظم إلى مرحلة النجوم والكواكب والبشرية والأدوات؛ فمن المحتمل أيضًا أنَّه يزداد عشوائيةً واضطرابًا.
يمكن تفسير احتمالية أنَّه يزداد عشوائيةً واضطرابًا إلى الجاذبية المرتبطة بالكتل الكبيرة التي من الممكن أن تجذب المادة إلى أوضاع تبدو وكأنها منتظمة، ومع زيادة عدم الترتيب الذي نظن أنَّه يحدث بطريقة أو ترتيب ما يختفي بعيدًا في مجالات الجاذبية؛ فتزداد العشوائية حتى وإن لم نلاحظها.
ولكن هنا سؤال محير، وهو إذا كانت الطبيعة تميل إلى أن تكون غير مرتبة؛ فلماذا الكون بدأ من هذه الحالة المنتظمة؟
للأسف ما زالت الإجابة على هذا السؤال غامضة، حتى أنَّ بعض الباحثين يجادلون في أنَّ البداية لم تكن هي الانفجار الكبير وأنَّه ربما هناك أكوان موازية حيث الزمن يتقدم في اتجاه مختلف.
علمنا أنَّ نقطة بداية متجه الزمن هي الانفجار الكبير، فما هي نقطة النهاية؟
إجابة هذا السؤال تعتمد على طبيعة الطاقة المظلمة التي تسبب تمدد الكون بمعدل تسارع معين؛ فمن المحتمل أن يستمر تمدد الكون إلى أن يتمزق إلى قطع، لتكون النهاية هي التمزق الكبير كما كانت البداية الانفجار الكبير، أو أن تضمحل الطاقة المظلمة وينتهى الكون في عملية سحق؛ حيث ينهار على نفسه، أو أنَّ الكون بكل بساطة يستمر في تمدده إلى مالانهاية.
لكن أيًا من هذه السيناريوهات المستقبلية سيعطينا نقطة النهاية لِمُتَّجه الزمن؟
تبعًا لمباديء ميكانيكا الكم الغريبة من الممكن أن ينتج من الفراغ جسيمات متناهية في الصغر وعشوائية تتسبب في انفجار جديد ينهي الخط الزمني ويبدأ خط جديد.
ولكن كل هذا تكهنات مبالغ فيها لدرجة كبيىرة وغير مستحبة. لكن نستطيع الإجابة على ذلك عندما نفهم جيدًا طبيعة الطاقة المظلمة؛ وعندها نستطيع أن نعرف النهاية الحتمية لهذا الكون.
فما هو الاستنتاج الأوفر حظًا؟
الزمن هو فقط من يحمل الإجابه في طياته.
ترجمة: محمد عبدالعال عبدالعزيز
مراجعة لُغَويَّة وتصميم: Omnea Abd El-Aleem
المصادر: http://sc.egyres.com/deBN9