هل تقودنا المضادات الحيوية إلى الهلاك؟

freestocks-org-126848-unsplash-1
هل تقودنا المضادات الحيوية للهلاك؟|هل تقودنا المضادات الحيوية إلى الهلاك؟

في الشارع المصري تعتبر هي الدواء لكل داء، متى أُصبت بالإنفلونزا أو شعرت بالحمى تجد من ينصحك بهذا المضاد الحيوي أو ذاك، فآثاره أكيدة ومفعوله سريع. لكن هل يُعد استخدامنا ذاك صحيحًا؟ أم قد ينقلب علينا الأمر ليتحول الدواء السحري إلى أحد أعداء البشرية؟ وكيف يؤثر استخدامنا الخاطئ للمضادات الحيوية في ظهور البكتيريا المقاومة؟

كيفية عمل المضادات الحيوية؟

تستخدم المضادات الحيوية للقضاء على البكتيريا بأنواعها المختلفة، إما عن طريق قتل الخلايا البكتيرية أو منع نموها بإتلاف الحمض النووي الصبغي (DNA) أو الحمض النووي الريبوزي (RNA). كما تقوم بعض المضادات الحيوية بإتلاف الجدار الخلوي للبكتيريا ومنع تصنيع البروتينات اللازمة لها.[1] وللمضادات الحيوية أنواع عدة، فمنها المضادات الحيوية واسعة الطيف (Broad spectrum) والتي تعمل ضد جميع أنواع البكتيريا موجبة الجرام و سالبه الجرام (Gram-positive and Gram-negative) ومنها المضادات ضيقة الطيف (Narrow spectrum) وهي متخصصة ضد نوعية معينة من البكتيريا موجبة الجرام أو سالبة الجرام (Gram-positive or Gram-negative) وبحسب نوع البكتيريا المسببة للمرض، مع الأخذ بالاعتبار حالة المريض وعمره وقوة جهازه المناعي، يختار الطبيب بين استخدام مضاد حيوي واحد أو الجمع بين نوعين، و بين استخدام مضاد حيوي ضيق أو واسع الطيف.

أضرار الاستخدام الزائد للمضادات الحيوية

التأثير على البكتيريا النافعة

تعيش داخل جسم الإنسان الآلاف من البكتيريا النافعة سواء على الجلد أو في أجزاء الجهاز الهضمي، والجهاز التنفسي، والجهاز البولي. ولتلك البكتيريا فوائد عديدة فهي تساعد على حماية الجسم من البكتيريا الضارة عن طريق ما يعرف باسم المناهضة الجرثومية (Bacterial antagonism). و لهذه المناهضة ثلاثة مراحل داخل الجسم، أولها التنافس على الغذاء، وثانيها التأثير على الأوضاع المتيحة لنمو البكتيريا الضارة كتغيير درجة الحموضة (pH) وكمية الأكسجين المتاحة، وثالثها تصنيع البكتيريا النافعة لمواد يمكنها قتل البكتيريا الضارة. [2]

وللأسف، تقوم المضادات الحيوية بالانتشار في أجزاء الجسم عن طريق الدم، فتقتل البكتيريا النافعة كما الضارة، تاركةً الجسم بمواجهة أنواع أخرى من البكتيريا الضارة. على سبيل المثال، يحتوي المهبل على نوع من البكتيريا المفيدة تحافظ على درجة حموضة 4 (مجال حمضي) مانعةً نمو فطر المبيضة البيضاء (Candida albicans yeasts). إذا استطاعت المضادات الحيوية، أو عوامل أخرى، تدمير هذه البكتيريا، تتحول درجة حموضة المهبل إلى 7 (درجة متعادلة، كالمياه)، مما يسمح بنمو الفطريات والإصابة بالعدوى المهبلية. [2], [3]

البكتيريا المقاومة

مع اكتشاف البنسيلين أول المضادات الحيوية في العام 1920، ظهر الأمل في حياة خالية من البكتيريا و الأمراض التي قد تسببها. ولكن في العام 1940 ظهرت أولى العوائق وهي البكتيريا المقاومة للبنسلين. للمقاومة البكتيرية طرق عدة، أشهرها يكون عن طريق التحور الجيني (Mutation). يبدأ الأمر بتغير في تكوين الحمض النووي الصبغي لإحدى الخلايا البكتيرية، ما قد يمنحها خصائصًا مضادة لعمل المضادات الحيوية.[5] يظل عدد تلك الأنواع المتحورة محدودًا، فالبكتيريا العادية هي الأكثر انتشارًا، بالتالي تحصل على الجزء الأكبر من الغذاء. لكن مع الاستخدام الخاطئ والمتزايد للمضادات الحيوية، يتم القضاء على البكتيريا العادية، فيصبح المجال متاحًا للبكتيريا المقاومة للتكاثر والانتشار ونقل الجينات الخاصه بمقاومة المضادات الحيويه لسلالات جديده من البكتريا. و حتى العام 2018، تم تسجيل ظهور أنواع وسلالات عدة من البكتيريا المقاومة لأغلب المضادات الحيوية المعروفة.

سوء استخدام المضادات الحيوية

ينتشر الاستعمال الخاطئ للمضادات الحيوية في العالم أجمع وبخاصة في الدول النامية. بالتالي، يمكن أن نظن للوهلة الأولى أن استعمال المضادات الحيوية الرخيصة وواسعة المفعول هو السبب الأساسي لظهور المشاكل السالفة، لكن يبدو أن الأمر أكثر تعقيدًا. إذًا فما هي الأسباب الأخرى؟

أولًا: سوء الاستخدام من قبل الأطباء

أحد أسباب ظهور البكتيريا المقاومة هو وصف الأطباء للمضادات الحيوية بصورة تزيد عن الحاجة الفعلية. ينتشر هذا النوع من سوء الاستعمال في المنشآت الصحية الخاصة أكثر منها في المنشآت الحكومية، لعدة عوامل منها توافر الأنواع المختلفة من المضادات الحيوية بصورة أكبر إلى جانب القدرة المادية الأعلى لمرتادي تلك المنشآت. وعلى الرغم من أنه عامل مهم، إلا أنّ سوء استعمال الأطباء للمضادات الحيوية هو أقل الأسباب تأثيرًا في ظهور البكتيريا المقاومة (إحصائيًا).[4]

ثانيًا: العاملين بالصحة

في الدول النامية، ولقلة عدد الأطباء أو ضعف المستوى المادي، يلجأ الكثير من المرضى إلى مساعدي الصيادلة أو الممرضين أو العاملين في الصحة بشكل عام من غير المختصين للمشورة الطبية. وكما هو متوقع، فلغير المختصين دراية أقل بمخاطر المضادات الحيوية وطريقة عملها، بالتالي غالبًا ما يتم وصف دواء غير مناسب للحالة. في أحيانٍ أخرى، يقوم بعض الافراد غير المؤهلّين بتقديم دواء بديل للمرضى في حال عدم توفر الدواء الموصوف من قبل الطبيب دون الرجوع إليه. [4]

ثالثًا: العامة وغير المختصين

كما هو حال أغلب أنواع الأدوية في الدول النامية، يمكن شراء المضادات الحيوية من الصيدلية بدون وصفة طبية. توفيًرا للوقت و المال يلجأ الكثيرون لشراء المضاد الحيوي اعتمادًا على رأي الآخرين أو تجاربهم السابقة، ويهم بوقف استخدامه ما إن يشعر بالتحسن. من الجدير بالذكر أنّ تحسن الأعراض لا يُعد دليلًا على تخلص الجسم من البكتيريا الضارة، بل إنّ للمضادات الحيوية جرعة محددة لا بد أن تؤخذ كاملة لضمان القضاء على البكتيريا تمامًا. ومن الأساطيرالمنتشرة بشدة بين الناس، قدرة المضادات الحيوية على علاج الأمراض والأعراض المختلفة كالإنفلونزا الموسمية، وسوء الهضم وحتى الصداع. والنتيجة المتوقعة هي انتشار البكتيريا المقاومة بكثرة حتى ظهرت سلالات حالية مقاومة لجميع أنواع المضادات الحيوية المعروفة! [4]

المضادات الحيوية: دواء أم داء؟

من الواضح أنّ للمضادات الحيوية استخدامات لا يمكن الاستغناء عنها، إذًا فكيف نحمي أنفسنا من أخطارها؟ [4], [5]

  1. الامتناع عن استخدام المضادات الحيوية للأمراض غير البكتيرية كالإنفلونزا الموسمية.
  2. استشارة الطبيب عند الشعور بأعراض مرضية، وعدم استخدام أي نوع من المضادات الحيوية بدون وصفة طبية.
  3. استكمال جرعة المضاد الحيوي كما وصفها الطبيب، وعدم إيقاف الدواء عند الشعور بالتحسن.
  4. المتابعة مع الطبيب خلال وبعد انتهاء العلاج للتأكد من فعاليته.

إعداد: وفاء علي
مراجعة علمية: مرثا فارس
تدقيق لغوي: رنا السعدني

المصادر:

  1. Kohanski MA, Dwyer DJ, Collins JJ. How antibiotics kill bacteria: from targets to networks. Nature Reviews Microbiology [Internet]. 2010 Jun [cited 2018 Dec 18];8(6):423–35. Available from: https://www.nature.com/articles/nrmicro2333
  2. Microbiology: An Introduction [Internet]. [cited 2018 Dec 18]. Available from: https://www.pearson.com/us/higher-education/product/Tortora-Microbiology-An-Introduction-12th-Edition/9780321929150.html
  3. Blaser M. Antibiotic overuse: Stop the killing of beneficial bacteria. Nature [Internet]. 2011 Aug 24 [cited 2018 Dec 18];476:393–4. Available from: https://www.nature.com/articles/476393a
  4. Okeke IN, Lamikanra A, Edelman R. Socioeconomic and Behavioral Factors Leading to Acquired Bacterial Resistance to Antibiotics in Developing Countries. Emerg Infect Dis [Internet]. 1999 [cited 2018 Dec 18];5(1):18–27. Available from: https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2627681/
  5. Davies J, Davies D. Origins and Evolution of Antibiotic Resistance. Microbiol Mol Biol Rev [Internet]. 2010 Sep 1 [cited 2018 Dec 18];74(3):417–33. Available from: https://mmbr.asm.org/content/74/3/417

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي