هل فكرت يومًا كيف ترى الكائنات وحيدة الخلية غذائها؟

High-res

كائنات وحيدة الخلية|Chemotaxis|تأثير الانجذاب الكيميائي لأنواع مختلفة من المحاليل الجاذبة على الأميبا|effect of chemorepellents, chemoattractants

الجسم البشري معقد التركيب، فهو يتكون من مجموعة من الأجهزة كل جهاز يؤدي وظيفة معينة كالهضم (الجهاز الهضمي)، الإخراج (الجهاز الإخراجي)، التنفس (الجهاز التنفسي)، الإحساس واتخاذ القرارات (الجهاز العصبي)،… الخ،وكل جهاز يتكون من مجموعة من الأعضاء المختلفة، وكل عضو يتكون من مجموعة من الأنسجة، وكل نسيج يتكون من مجموعة من الخلايا. ومن هنا نستنتج أن الجسم البشري يتكون من مجموعات من الخلايا كل مجموعة تقوم بوظيفة معينة. ويمكن القول أن الخلايا تتميز بالتخصص بشكل كبير.

أما في الكائنات وحيدة الخلية فالأمر مختلف. جسم الكائن كله يتكون من خلية واحدة. وهي بالتأكيد خلية غير متخصصة، فهي تقوم بكل وظائف الكائن الحي بطريقة بدائية. لا تمتلك جهاز بصري أو عيون لترى، ولا تمتلك نسيج عصبي للإحساس بالمؤثرات المختلفة ولا عقل لاتخاذ قرارات. ومع ذلك تجد تلك الكائنات تتجه مباشرة نحو الغذاء أو للكائنات الأخرى في عملية التزاوج أوفي الاتجاه المضاد للمخاطر. فكيف يحدث ذلك؟

يرجع ذلك بشكل كبير إلى ظاهرة تسمى (الانجذاب الكيميائي – chemotaxis).

ما هي ظاهرة الانجذاب الكيميائي؟

ظاهرة الانجذاب الكيميائي هي ميكانيكية تقوم بها الكائنات وحيدة الخلية عن طريق الاستجابة للتغير في التركيب الكيميائي للوسط المحيط بها بشكل سريع وبكفاءة عالية.

Chemotaxis
Chemotaxis

تقوم الكائنات بالاقتراب من الأوساط ذات التركيب الكيميائي المفضل وتتجنب الأوساط الكيميائية غير المفضلة وتبتعد عنها. تقوم هذه الظاهرة على فكرة التدرج في تركيز المواد الكيميائية داخل الوسط. كمثال توضيحي: عند وضع قطعة من السكر في كوب من الماء بدون تحريك، تبدأ قطعة السكر في الذوبان في الماء بشكل بطيء وينتشر تركيز السكر في كوب الماء كله بتركيزات متفاوتة. وعند تحليل عينات عشوائية من الماء في مناطق مختلفة في البعد عن قطعة السكر يظهر تدرج في تركيز السكر في الماء. يكون أقل ما يمكن في أبعد نقطة عن المصدر وأكبر ما يمكن عند المصدر نفسه.

تقوم فكرة الانجذاب الكيميائي على هذا الأساس، فعند وجود كائن وحيد الخلية على سطح كوب الماء كالأميبا مثلًا تصل تركيزات منخفضة جدًا من المصدر (قطعة السكر) إلى السطح الغشائي لهذا الكائن تُقدر بجزء في المليون. ترتبط تلك الأجزاء بمستقبلات كيميائية على سطح الكائن الغشائي. هذه العملية تُحفز الخلية لتكوين ما يسمى (الأقدام الكاذبة – Pseudopods) وهي امتدادات مؤقتة تنشأ من سطح الأميبا عند مواضع اتصال المستقبلات بجزيئات الغذاء وتعمل على سحب باقي الخلية في ناحية الأقدام الكاذبة المتكونة وبالتالي ناحية مصدر الغذاء، حيث يزيد تركيز الغذاء الذائب وبالتالي وجود كمية أكبر من جزيئات الغذاء لترتبط مع المستقبلات الكيميائية لتعيد الكَرة. والنتيجة النهائية هي مشاهدة الأميبا تتجه ناحية مصدر الغذاء في أي اتجاه وتقوم بإحاطته بالأقدام الكاذبة وابتلاعه بداخلها عن طريق عملية phagocytosis.

للتوضيح أكثر، قام العلماء بتجربة لمعرفة مدى التأثير الجاذب لأنواع مختلفة من المحاليل عن طريق مزجها بكمية من الأجار السائل (مادة جيلاتينية) ووضعها بداخل ماصة دقيقة اتساع فوهتها يبلغ 15 -20 ميكروميتر قبل تصلب الأجار، ثم دفع المادة لداخل وسط مائي موجودة به الأميبا وملاحظة تكّون الأقدام الكاذبة ناحية طرف الماصة. لاحظت التجربة أن كلما قل حجم فوهة الماصة قل ظهور الأقدام الكاذبة ناحيتها والعكس صحيح. وأن ظهور الأقدام يكون واضح أكثر كلما قلت المسافة بين طرف الماصة والأميبا.

تأثير الانجذاب الكيميائي لأنواع مختلفة من المحاليل الجاذبة على الأميبا
تأثير الانجذاب الكيميائي لأنواع مختلفة من المحاليل الجاذبة على الأميبا

 

الانجذاب الكيميائي في البكتيريا:

يفسر الانجذاب الكيميائي قدرة بعض أنواع من البكتيريا المتحركة من الاتجاه مباشرة نحو الهدف. يحدث ذلك عن طريق تنظيم دوران وحركة الأسواط في البكتيريا. آلية عمل الانجذاب الكيميائي في هذه الحالة يشبه آلية عمل الانجذاب الكيميائي في الأميبا بشكل كبير، حيث يعتمد تنظيم دوران وحركة الأسواط في البكتيريا على بروتين خاص بالانجذاب الكيميائي يسمى (CheY). تحدث عملية تنشيط لهذا البروتين عن طريق إنزيم يسمى(كيناز- Kinase) الذى يعمل على نقل مجموعة فوسفات من مركبات عالية الطاقة إلى هذا البروتين. نشاط إنزيم الكيناز يعتمد على المستقبلات الكيميائية الموجودة على سطح الخلية البكتيرية.

عند ارتباط المستقبلات الكيميائية ببعض جزيئات الهدف، يحدث تنشيط لإنزيم الكيناز الذي يعمل على نقل مجموعة فوسفات من مركبات الطاقة في الخلية إلى البروتين (CheY) مما يحرر البروتين ليتحد مع قاعدة الأسواط المتحركة ويغير من حركة دوران الأسواط وبالتالي يتغير اتجاه حركة البكتيريا.

عملية الانجذاب الكيميائي لا تقتصر فقط على الكائنات وحيدة الخلية ولكن يمكن مشاهدتها بوضوح في الكثير من العمليات الحيوية في (الكائنات عديدة الخلايا – multicellular organisms) كالإنسان مثلًا، ومثال على الانجذاب الكيميائي في الكائنات عديدة الخلايا:

الانجذاب الكيميائي في الخلايا الحُبيبية المتعادلة في الدم:

(الخلايا المتعادلة –neutrophils) من أكثر أنواع كريات الدم البيضاء أهمية لدى الإنسان وهي تعتبر الاستجابة الأولية من الجسم في حالة الإصابة البكتيرية أو حالات الالتهاب الأخرى. وتعتبر من العوامل الأساسية في الاستجابة المناعية للجسم. تتميز الخلايا المتعادلة بقدرتها على تتبع تدرج تركيزات منخفضة جدا من بعض المواد الجاذبة الناتجة عن البكتيريا أو المواد المسببة للالتهابات بسرعة كبيرة داخل جسم الكائن الحي. يتطلب الأمر تنظيمات فراغية ومؤقتة تحدث بسرعة كبيرة داخل كل خلية من الخلايا المتعادلة حيث يكون هناك تركيز من المواد المرتبطة بالمستقبلات الكيميائية في جهة من الخلية أكبر من باقي الجهات الأخرى ويكون هذا بشكل مؤقت ليمكنها من اكتشاف التدرج في تركيز المادة الكيميائية الجاذبة لها، فتحدث عملية استقطاب داخل الخلية وتتحرك بسرعة كبيرة جدًا في اتجاه أعلى تركيز من المادة الجاذبة لها لتصل إلى مصدر العدوى وتتخلص منه.

الانجذاب الكيميائي في الحيوانات المنوية:

مثال آخر يُظهر أهمية هذه العملية في الكائنات عديدة الخلايا هو عملية الإرشاد الكيميائي الذي يوفره الانجذاب الكيميائي للحيوانات المنوية للوصول إلى البويضة لتخصيبها. يحدث ذلك عن طريق إفراز الخلايا المحيطة بالبويضة تركيزات منخفضة جدًا من هرمون (البروجسترون -Progesterone)، لتقوم الحيوانات المنوية بتتبع تدرج تركيز هذا الهرمون حتى الوصول إلى سطح البويضة لتخصيبها.

توجد أنواع أخرى من أنواع الانجذاب فهناك مثلا (الانجذاب للهواء –aerotaxis) أو (الانجذاب للضوء –phototaxis) أو (الانجذاب للحرارة –thermotaxis) وغيرها. فإذا كان الانجذاب في اتجاه المصدر كان الانجذاب إيجابي، وإذا كان في عكس اتجاه المصدر كان الانجذاب سلبي.

effect of chemorepellents, chemoattractants
effect of chemo-repellents, chemo-attractants

وتظهر حاليًا اتجاهات مختلفة في استخدام تلك الظاهرة في علاج الكثير من الأمراض كالسرطان مثلًا، حيث يمكن اختيار خلايا مناعية معينة مُصنعة في المعمل قادرة على الاتجاه للخلايا السرطانية بفاعلية أكبر وحقنها داخل شخص مريض. أظهرت هذه الطريقة نجاحًا مع عدد قليل من المرضى حتى الآن، ولكن إذا كانت تلك الخلايا مُعدلة بشكل يجعلها أكثر قابلية للانجذاب الكيميائي للخلايا السرطانية، وإذا كانت قادرة على الإحساس بالمواد الكيميائية البسيطة التي تفرزها هذه الخلايا فستكون أكثر كفاءة في تدمير تلك الخلايا السرطانية.

 

إعداد: ابانوب ادوارد

مراجعة علمية: محمد جاد الله

مراجعة لغوية: Amany Elshabasy

تحرير: علي صلاح

المصادر: 

goo.gl/DCXVDt

goo.gl/7W1Wci

goo.gl/nSzH6ry

goo.gl/gNwb8d

goo.gl/2KQobt

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي