يستخدم باحثو جامعة روتشستر (University of Rochester) الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنتاج مادة جديدة صديقة للبيئة مصنوعة من الطحالب. لهذه المادة تطبيقات ليس فقط في مجاليّ الطاقة والطب، ولكن أيضًا في مجالي الأزياء واستكشاف الفضاء.
اكتسبت المواد الحية، التي يتم تصنيعها عن طريق كساء الخلايا البيولوجية داخل مادة خلالية غير حية (Nonliving Matrix)، شعبية في السنوات الأخيرة؛ حيث يدرك العلماء أن غالبًا ما تكون المواد الأكثر قوة هي تلك التي تحاكي الطبيعة. واستخدم باحثون في جامعة روتشستر وجامعة دلفت للتكنولوجيا (Delft University of Technology) في هولندا لأول مرة طابعات ثلاثية الأبعاد وتقنية جديدة للطباعة الحيوية، لتحويل الطحالب إلى مواد حيّة ضوئية التخليق (Photosynthetic Living Materials)، تتسم بالقوة والمرونة. لهذه المواد مجموعة متنوعة من التطبيقات في مجالات الطاقة، والطب، والأزياء. ونُشِر البحث في مجلة المواد الوظيفية المتقدمة (Advanced Functional Materials).
تقول آن س. ماير (Anne S. Meyer)، وهي أستاذة مساعدة في علم الأحياء في جامعة روتشستر: «لقد أثبتت الطباعة ثلاثية الأبعاد أنها تقنية فعالة لتصنيع المواد الحية التي لها العديد من المنافع البيئية وغيرها من المنافع.» وتضيف: «تعد المواد الحية ضوئية التخليق التي ننتجها خطوة كبيرة إلى الأمام في هذا المجال، لأنها أول تجربة لمادة حيَّة ضوئيَّة التخليق، معدلة هندسيًا، تتميز بالقوة المادية الكافية لتوسيع نطاق استخدامها في تطبيقات الحياة اليومية.» والسعي لتطوير مادة على أساس بيولوجي هو الأحدث في سلسلة الجهود البحثية المبذولة، تحت إشراف مختبر ماير. حيثُ كان لماير وفريقها البحثيّ الريادة في استخدام البكتيريا لتطوير مواد ذات أهمية صناعية، مثل الصدف الاصطناعي (Artificial Nacre) والجرافين.
كيفية إنشاء مواد جديدة: مواد حيّة وغير حيّة
لإنشاء مواد ضوئيَّة التخليق، بدأ الباحثون بسليلوز بكتيريّ غير حي (Nonliving Bacterial Cellulose)، وهو مركب عضوي يُنتج ويُفرز بواسطة البكتيريا. يمتلك السليلوز البكتيري العديد من الخواص الميكانيكية، وتشمل المرونة، والمتانة، والقوة، والقدرة على الاحتفاظ بشكله، حتى عند الالتواء، أو التكسير، أو التشويه المادي. استخدمت ماير وزملاؤها طابعة ثلاثية الأبعاد لوضع الطحالب الحيّة على السليلوز البكتيريّ. يحاكي السليلوز البكتيريّ الورق الموجود في الطابعة، بينما تؤدي الطحالب الدقيقة الحية (Living Microalgae) دور الحبر.
نتج عن الجمع بين المكونات الحيّة (الطحالب الدقيقة) وغير الحيّة (السليلوز البكتيري) مادة فريدة تتميز بجودة التمثيل الضوئيّ للطحالب وقوة السليلوز البكتيري. المادة صلبة ومرنة لكنها أيضًا صديقة للبيئة، وقابلة للتحلل البيولوجي، وبسيطة، وسهلة الإنتاج، وقابلة للتطوير. تعني طبيعتها الشبيهة بطبيعة النباتات أن بإمكانها استخدام التمثيل الضوئيّ لتغذية نفسها على مدى عدة أسابيع، كما أنها قابلة للتجدد؛ حيث يمكن زراعة عينة صغيرة من المادة في الموقع لإنتاج المزيد منها.
أوراق شجر اصطناعية وجلود ضوئية التخليق وملابس حيوية
تجعل خواص هذه المادة منها مرشحًا مثاليًا لمجموعة متنوعة من التطبيقات، بما في ذلك المنتجات الجديدة مثل أوراق الشجر الاصطناعية، أو الجلود ضوئية التخليق، أو الملابس الحيوية ضوئية التخليق. الأوراق الاصطناعية هي مواد تحاكي أوراق الشجر الحقيقية من حيث أنها تستخدم ضوء الشمس لتحويل الماء وثاني أكسيد الكربون – المحرك الرئيسي لتغير المناخ – إلى أكسجين وطاقة، تمامًا مثل الأوراق أثناء عملية التمثيل الضوئيّ. تخزن الأوراق الطاقة في صورة كيميائية على شكل سكريات، والتي يمكن بعد ذلك تحويلها إلى وقود. لذلك توفر الأوراق الاصطناعية طريقة لإنتاج الطاقة المستدامة في الأماكن التي لا تنمو فيها النباتات بشكل جيد، بما في ذلك، مستعمرات الفضاء الخارجي. كما أن الأوراق الاصطناعية التي تنتجها ماير وزملاؤها مصنوعة أيضًا من مواد صديقة للبيئة، على عكس معظم تقنيات الأوراق الاصطناعية التي يتم إنتاجها حاليًا، والتي يتم إنتاجها باستخدام طرق كيميائية سامة.
تقول ماير: «بالنسبة للأوراق الاصطناعية، يشبه الأمر أخذ أفضل أجزاء النباتات (الأوراق) التي يمكنها توليد طاقة مستدامة، دون الحاجة إلى استهلاك الموارد في إنتاج أجزاء النباتات (السيقان والجذور) التي تحتاج إلى موارد ولكنها لا تولد طاقة.» وتضيف: «نحن نصنع مادة تركز فقط على الإنتاج المستدام للطاقة.»
تقول ماير أن من التطبيقات الأخرى لهذه المادة الجلود ضوئية التخليق، والتي يمكن استخدامها في ترقيع الجلد: «سيساعد الأكسجين المتولد على بدء التئام المنطقة المتضررة، أو قد يكون قادرًا على تحفيز التئام الجروح عن طريق الضوء.»
إلى جانب توفير الطاقة المستدامة والعلاجات الطبية، يمكن لهذه المواد أيضًا أن تؤثر على الموضة. ستعالج الملابس الحيوية المصنوعة من الطحالب بعض الآثار البيئية السلبية لصناعة المنسوجات الحالية؛ حيث ستجعل منها أقمشة عالية الجودة مُنتجة بشكل مُستدام وقابلة للتحلل البيولوجي بشكلٍ كامل. سوف تعمل أيضًا على تنقية الهواء عن طريق إزالة ثاني أكسيد الكربون من خلال عملية التمثيل الضوئي، ولن تحتاج إلى الغسيل كثيرًا مثل الملابس التقليدية، مما يقلل من استهلاك المياه.
تقول ماير: «إن موادنا الحية مثيرة للاهتمام، لأنها يمكن أن تحافظ على نفسها على مدى أسابيع ويمكن مضاعفتها في الموقع؛ بحيث يكون لديها القدرة على أن تكون مُستدامة حقًا، ويمكن مشاركتها في جميع أنحاء العالم بسهولة مثل محفز الخميرة (Sourdough Starter).»