والموجة بتجري ورا الموجة (بالعامية المصرية)

الموجة-بتجري-ورا-الموجة

يا سلاااااام يا نااااس 
النهاردة ١١ فبراير ٢٠١٦ من أسعد أيام حياتي الأكاديمية.
النهاردة أعلن فريق عمل مرصد اللايجو:
LIGO
The Laser Interferometer Gravitational-Wave Observatory

أنه تم رصد موجات الجاذبية
Gravitational Waves
لأول مرة منذ أن تنبأ بها أينشتين بحسب معادلات النسبية العامة من مئة سنة.

بس يا معلم والدنيا اتقلبت، الأخبار تناقلتها وكالات الأنباء أسرع من الضوء (مستحيل طبعًا بس أهم بيقولوها كده) والإنترنت والفيسبوك كانوا على وشك الانهيار. والعلماء في جميع أنحاء العالم فتحوا زجاجات الشامپانيا (أو الكركديه لو عايز) وقعدوا يدوا بعض هاي فايڤ.

الحمد لله أنا شفت في حياتي العملية اكتشافات كتير بتحصل، اكتشاف التوپ كوارك، كتلة النيوترينو، الهيجز بوزون. لكن اكتشاف النهاردة ده ليه عندي معزة وغلاوة أكتر بكتير من التانيين، لأسباب كتير من أهمها إن نظرية النسبية العامة لأينشتاين هي حاجة بشتغل بيها تقريبًا شبه يوميًّا. صحيح أنا دراستي الأساسية كانت في نظرية الأوتار الفائقة، لكن الجانب “الجذبوي” منها هو إلي اهتميت بيه أكتر وشدني جدًا وبقيت بشتغل فيه أكتر من أي جانب آخر للأوتار، وذلك لجمال النظرية وعمقها. ولو قعدت من هنا لبكرة أوصف في رونق نظرية النسبية العامة مش هديها حقها. الفكرة الأساسية جميلة جدًا، زي ما شرحت هنا وهنا، والرياضيات بتاعتها من أجمل الرياضيات إلي اتعلمتها في حياتي.

المهم، إيه حكاية الموجات الجذبوية دي بقى؟

شوف يا سيدي، زي ما شرحنا في مقال النسبية العامة، الفضاء الفراغي الثلاثي الأبعاد إلي احنا عايشين فيه ده مرتبط ارتباط وثيق بالزمن، إلي بيحصل لده بيأثر على ده، والإتنين عاملين مع بعض نسيج بنسميه “الزمكان”، زيه زي سطح أملس مرن، حاجة كدة زي الترامپولين. يعني ممكن ينحني ويتقوس وينبعج.

تخيل؟ الفراغ! الفرااااغ! الفاضي ده إلي مافيهوش حاجة، والزمن، يتقوس وينحني، ومعادلات أينشتاين بتحسب هذه التقوسات والانحناءات. شيء مذهل.

المهم، نرجع للسطح المرن. لو سيادتك واقف جنبه وضربت على حتة منه بشاكوش، هتلاقي موجات اتكونت وابتدت تتحرك بعيدًا عن نقطة انطلاقها (الشاكوش) وممكن واحد واقف الناحية التانية حاطط إيده على السطح يحس بيها ويقيسها. عادي زي ماتخبط على حيطة وإلي واقف الناحية التانية يحس بخبطاتك.
هو ده بالظبط إلي حصل النهاردة. من حوالي مليار سنة ثقبين أسودين من الحجم التقيل كانوا بيلفوا حوالين بعض زي الأرض والقمر، وبمرور الوقت اقتربوا من بعض أكتر وأكتر لحد ما التحموا. هذه الواقعة عملت في الزمكان زي ما الشاكوش عمل في الترامپولين. وظهر في الزمكان تموجات انتشرت وأخدت مليار سنة علشان توصلنا، وإحنا كنا مستنيين، واقفين حاطين إيدينا على الزمكان (إيدينا إلي هيا مرصد اللايجو-LIGO) وأول ما الموجة وصلت رصدناها وسجلناها. وأدينا أهو النهاردة بنعلن عن hكتشاف القرن.

خلي بالك إن الhكتشاف ده مش حاجة كدة حلوة ودمها خفيف وعدت وخلاص، لأ ده بداية لعصر جديد تمامًا من العلم. إحنا دلوقتي قادرين على رصد هذه الموجات، زي كدة ما التلسكوپات بترصد الضوء والموجات الكهرومغناطيسية بصفة عامة، يعني اللايجو، والمراصد إلي زيه، تعتبر من الآن تلسكوپات في حد ذاتها. وزي ما بنقدر نستشف من الموجات الكهرومغناطيسية أحداث بتبعد عننا بمئات وآلاف وملايين بل وبلايين السنين الضوئية حنقدر دلوقتي نشوف الكون بعيون جديدة، عيون الجاذبية، وعلى رأي واحد من إلي أعلنوا الاكتشاف: زي ما نكون كنا عميان، وفتحنا.

أنا ممكن خيالي يسرح أكتر من كدة، فيه نظريات كتير بتستدل بالموجات الجذبوية لدراسة حاجات أغرب من الخيال، زي الأكوان الموازية مثلًا، لأن الجاذبية هي القوة الطبيعية الوحيدة إلي ممكن تنتقل من كوننا إلى الأكوان الأخرى، إن وُجِدَت (موضوع كبير نبقي نتكلم فيه بعدين) مين عارف دلوقتي لما بقى رصد الموجات دي في إيدينا هنكتشف إيه ولا إيه. الأفكار والخيالات بتتسارع في رأسي، زي ما أنا متأكد إنها بتتسارع في رؤوس علماء آخرين أحسن وأذكى مني. مين عارف السنين الجاية حنكتشف إيه ولا إيه من تحت راس إلي حصل النهاردة ده.

حد يناولني ورقة وقلم يا جدعان …

إعداد: د. Moataz Emam
أستاذ مساعد، رئيس قسم الفيزياء
جامعة ولاية نيويورك كورتلاند

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي