بدايةً مع انتشار الخبر بأنّ شخصًا من أصولٍ مهاجرةٍ سيتولّى منصبًا في الحكومة النمساويّة لأوّل مرّةٍ، بدأت وزيرة العدل، التابعة للحزب الأخضر ألما زاديتش (بالإنجليزيَّة: Alma Zadić)، تتلقّى تهديداتٍ بالقتل، وطلبات متعصبة بعودتها إلى البوسنة. الآن، تريد الاستفادة من تجربتها مع التمييز والتعصّب في حماية الآخرين عبر الإنترنت، وفقًا لتقرير يوراكتيف (بالإنجليزيَّة: EURACTIV) ألمانيا.
وزيرة تتعرض للعنصريّة
في مقابلةٍ مع ألكسندرا ستانيتش (بالإنجليزيَّة: Alexandra Stanić)، كبيرة مراسلي ڤَايس (بالإنجليزيَّة: VICE) في البلدان الناطقة بالألمانية، صرّحت زاديتش أن تكرار سؤالها عن أصولها قد أزعجها لفترةٍ طويلةٍ.
عانت زاديتش من التلميحات والإشارات إلى أصولها منذ سنٍّ مبكرةٍ، لكنّ الأمور ساءت بشكلٍ كبيرٍ بمجرد أن أصبح معروفًا أنّها ستتولّى منصب وزيرة العدل، عندها قوبلت بموجةٍ من الكراهية على أساس العنصر والجنس.
نشر أحد مستخدمي فيسبوك أنّه قد حُجِزَت رصاصةٌ لزاديتش، في حين أشار آخرون أنّها تستحقّ عقوبة الإعدام بتهمة الخيانة بعد أن قالت أنّ البلقان -رقعةٌ جغرافيةٌ في جنوب شرق أوروبا- تبدأ من فيينا عاصمة النمسا. في هذه الأيام، هي تحت حمايةٍ شخصيةٍ مستمرةٍ ويرافقها دائمًا حراسٌ شخصيون.
تدابيرٌ ضدّ جرائم الإنترنت
أما الآن، تريد زاديتش اتّخاذ إجراءاتٍ ضدّ الكراهية عبر الإنترنت. وأكّدت في خطابٍ بمناسبة «اليوم الأوروبي لضحايا الجريمة» في 22 فبراير على أهمية مكافحة تلك الكراهية. فعلى سبيل المثال، أظهرت الهجمات في هاناو (بالإنجليزيَّة: Hanau) مدى السرعة التي يمكن أن يتحوّل بها العنف الرقميُّ إلى عنفٍ جسديٍّ.
وأعلنت عن مجموعةٍ من الإجراءات التي تركّز على الحماية القانونيّة للضحايا، لضمان أن يتم ذلك بسرعةٍ وبفعاليةٍ من حيث التكلفة.
تطالب «زاديتش» بفرض واجب التحقيق على الشرطة والمدّعين العامّين بحيث يباشرون التحقيق بشأن ناشري الكراهية بشكلٍ مستقلٍّ لتجنّب اضطرار الضحايا إلى رفع دعوىً قانونيّةٍ. ليس هذا فحسب، فهي تدعو أيضًا إلى أن تصبح الجريمة عبر الإنترنت مستوفيةً للعقاب بسرعةٍ أكبر.
علاوةً على ذلك، يقترح البرنامج الحكوميُّ، الذي تقدّمه زاديتش، التركيز على جعل المنصّات الإلكترونيّة متحمّلةً للمسؤوليّة بشكلٍ أكبر، على سبيل المثال، عن طريق حذف المحتوى غير القانونيّ أو من خلال توفير مساراتٍ فعّالةٍ لإجراءات وإدارة الشكاوى.
تُعوِّل وزيرة العدل ألما زاديتش أيضًا على التعاون الدوليّ في توفير الحماية القانونيّة للأفراد لأنّها، كما ذكرت في مسودّتها، ترغب في دمج التجربة الألمانيّة في قانون «إنفاذ القانون على الشبكة» أو (Netz-DG)، والذي أصبح أكثر صرامةً مؤخرًا.
لا تحتاج أن تختار هويّةً
كان على زاديتش أن تتعلّم مبكّرًا أنّ الكلمات قد تكون شكلًا من أشكال العنف. ولدت في البوسنة، جاءت إلى النمسا في سنّ العاشرة عام 1994 م، عندما هرب والداها من الحرب في يوغوسلافيا.
تتذكّر بوضوحٍ تعليقًا عنصريًا سمعته في التّرام في فيينا. بعد أن طلبت التوجيهات من السائق، أخبرها أنّ التشوتشين (بالألمانيّة: Tschuschen) [مصطلحٌ نمطيٌّ مهينٌ للأشخاص الذين تكمن جذورهم في البلدان اليوغوسلافيّة السّابقة] لا مكان لهم هنا.
في أيّام دراستها، كان عليها أن تتحمّل ما يحدث ضدّها من الاستبعاد، لأنّها كانت الشخص الوحيد الذي لا يتحدّث الألمانيّة كلغةٍ أمّ، في فصلها. ولم تستطع تعلّم اللغة الألمانيّة بسرعةٍ، إلا بعد الانتقال من المدرسة والاختلاط بعددٍ أكبر من الأطفال من أصولٍ مهاجرةٍ. في عام 2017 م، حوّلت مسارها إلى السياسة، ثمّ درَست القانون، حيث أمضت عامين في نيويورك في جامعة كولومبيا. وهي ترى أنّ هذه التجربة تركت أثرًا عميقًا عليها، حيث أنّ الجامعة المليئة بمختلف الثقافات والهويّات في نيويورك لم تختزلها إلى أصولها.
تعلَّمَت هناك أنّها لم يكن عليها أن تختار هويّةً، بل بالإمكان أن تكون «بوسنيّة» و«نمساويّة» معًا.
الانتقال إلى السياسة
بعد العودة إلى أوروبا، بدأت زاديتش مسيرتها القانونيّة. بعد أن أكملت تدريبها في المحكمة الجنائيّة الدوليّة لـيوغوسلافيا سابقًا (ICTY)، بدأت العمل كمحاميّةٍ في شركة محاماةٍ كبرى.
ولكن في عام 2017 م، حوّلت مسارها إلى السياسة وساعدت في بناء حزب ليست بيلز (بالإنجليزيَّة: Liste Pilz) لمؤسّسه العضو السابق بالحزب الأخضر النمساويّ، بيتر بيلز.
وفي عام 2019 م، عندما كان الحزب على وشك أن يحلَّ، انتقلت زاديتش أخيرًا إلى الحزب الأخضر.