ومع ذلك، فهي تدور

5938-f-810x490

|||||||

Eppur si muove.

.And yet, it does move

ومع ذلك، فهي تدور.

جاليليو جاليلي، فلكي إيطالي.

تلك الفاتنة التي حيّرت مئات العلماء والباحثين لآلاف السنين، الفاتنة التي حافظت على رونقها طيلة 4.5 مليار سنة! سامحةً للغزو بكل أنواعه؛ مياه، وبراكين، وكائناتٌ حيّة، مع ظهور لمحاتٍ من الغضب الدفين الذي يحاول الفِكاك من أسر هذه القشرة الأرضية اللعينة، منتظرًا أن يُطلَق سراحه ليمسح ما خلّفته الانفجارات البشرية والحضارية والحيوية والتي صمدت لأكثر من 500 مليون سنة في وجه فاتنتنا الغامضة، والمخيفة في أحيانٍ أخرى!

مقدمة

منذ فجر التاريخ وانبعاث أولى الألسنة المضيئة من أعمدة الإنارة في عقل الإنسان وهو يُدرك أنّ ذلك القرص المضيء يمثل مصدرًا لطاقة الأرض وطاقته، وجُرمنا كوكبٌ وتلك الفراشات اللامعات في السماء ما هي إلا نجوم وأجرام أخرى. وأَدرك أن لها حركةً ظاهريةً عبر السماء، إلا أنَّ مُعظم النّجوم الأُخرى في السماء كانت تبدو ثابتةً تقريبًا، ما عدا شيء واحد؛ فهي تظهرُ كل يومٍ من جهةٍ من الأفق، والتي أصبحت تُسمّى الشرق، ومن ثمَّ تختفي في الجهة المُقابلة لها، والتي تُسمّى الغرب، وتأخذُ كل النجوم والكواكب والشمس والقمر يومًا واحدًا بالضبط لتُعاود الظهور في نفس المكان.

كان التفسير البديهي لهذه الظاهرة أنّ الأرض هي مركز الكون، وأنّ كل ما في العالم من كواكبَ ونجومٍ وأجرامٍ سماويّةٍ تدورُ حولها بصورةٍ لانهائيّة، ومع أنّ بعض الفلاسفة شكَّكوا في هذه الفكرة مُنذ زمن الإغريق القدماء، إلا أنّ تبنِّي الفيلسوف الشهير بطليموس لفكرة أنَّ الأرضَ ثابتةٌ وأنّها مركزُ الكون (في القرن الثاني الميلادي) وتبريره لتلك الفكرة كان سببًا في سيادة هذه الفكرة للعلوم الإنسانيّة لأكثر من أربعة عشر قرنًا، ولم يتمَّ الطعن في مركزيّة الأرض حتّى عام 1444م، عندما ناقش الفيلسوف والرياضياتي الألماني نقولاس الكوزاني فكرة دوران الأرض وبقية الأجرام السماوية. بعد ذلك، دعَّم الفلكي الألماني نيكولوس كوبرنيكوس فكرة مركزية الشمس عندما نشر في عام 1543م كتابًا يتكون من ستة أجزاء يتحدث عن دوران الأجرام السماوية تحت عنوان “orbium coelestium libri VI”، مما أدى إلى بداية إعادة ترسيخ تلك الفكرة، ودعمه العالم الإيطالي جاليليو جاليلي في إثبات تلك النّظرية، مما أدى إلى محاكمته في عام 1633م من قِبَلِ الكنيسة. [1]

دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس

  • دورانُ الأرض حول نفسها

تدور الأرض حول نفسها بمحورٍ مائل بمقدار 23.5 درجة، وهذا الميلانُ يُعبّر عن الاختلاف بين زاوية مِحور دوران الأرض وزاوية مدارِها حول الشّمس، وهذا الدّوران يُسبب تعاقب اللّيل والنّهار؛ فهو يُظهر الشّمس وكأنّها تُشرقُ -ظاهريًّا- من الشرق وتغرب في الغرب، ولأنَّ هذه الحركة مجرد ناتجٍ ظاهري فهي تكونُ مُعاكسةً لاتّجاه دوران الأرض الحقيقي، وذلك يعني أنّ الأرض تدورُ من الغرب إلى الشرق وليس العكس.

تحتاج الأرض لتدور حول نفسها مدّةً تبلغُ 23 ساعة و56 دقيقة حسب الساعة العادية، وهذا يعني أنَّ أدوات حساب الوقت لدى الإنسان تتأخّرُ أربع دقائق في كلّ يوم، ولمُعالَجة ذلك يتمّ إضافة يومٍ جديد إلى التّقويم مرةً كلّ أربع سنواتٍ لتعويض النّقص، وتُسمّى السّنة التي أُضِيف إليها اليوم بالسّنة الكبيسة. [2]

  • دورانُ الأرض حول الشّمس

تدور الأرض حول الشّمس من الغرب إلى الشرق في مدارٍ إهليجيّ (أي بيضاويّ) بحيث تقع الشّمس في إحدى بؤرتيه، وتُتم دورةً كاملة كلّ 365.25 يومٍ تقريبًا، وبهذا الدّوران تُحسب السّنة الميلاديّة. وعلى عكسِ الاعتقاد السَّائد، فإنَّ دوران الأرض حول الشّمس ليسَ سببًا لتعاقُب الفصول الأربعة، بل هو ميلانُ مِحور دورانها حولَ نفسها [3]، ولأنَّ شكل هذا المدار بيضاويّ؛ فإنَّ الأرض لا تبقى على نفسِ المسافة من الشّمس، بل في الحقيقة تتغيّرُ المسافة بين الأرض والشّمس بأكثر من خمسة ملايين كيلومترًا بين أقرب نقطةٍ لهما وأبعد نُقطة، وأثناء هذا تتغيّرُ أيضًا سُرعة دوران الأرض؛ فكُلَّما اقتربت الأرض من الشّمس تزداد سرعتها، وكُلَّما ابتعدت تتباطأ، وذلك بسبب ازدياد أو انخفاض قوّة الجاذبيّة المُؤثّرة بها، لكن وسطيًّا تبلغ هذه السرعة 108,000 كم/ساعة، بحيثُ تَقطع الأرض 940 مليون كيلومترًا كل عام. [4]

لماذا تدور الأرض حول نفسها؟

عرفنا أنّ الأرض تدور حول نفسها، وتَوصّل الإنسان في الأزمنة القديمة إلى هذه الحقيقة أيضًا، ولكن، لماذا تدور الأرض حول نفسها؟ ولماذا كلُّ شيءٍ في النظام الشمسي يدور؟ ولماذا يدور معظمه في نفس الاتجاه؟ إذ لا يمكن أن يكون كل هذا جرّاء صدفةٍ بحتة، حيث إننا إذا نظرنا لنظامنا الشمسيّ من نافذةٍ عُلويّة فسنرى أنّ الأرض تدور عكس عقارب الساعة ومعها الشمس والمريخ ومعظم الكواكب!

الجاذبية؟ حسنًا.. الجاذبية تجعل الأرض تدور حول الشمس، ولكن ماذا عن دورانها حول محورها؟!

قبل 4.54 مليار عام تَشكّل نظامنا الشمسي داخل سحابةٍ من الهيدروجين والهيليوم وبعض من العناصر الأخرى، تشبه سديم الجوزاء أو سديم النّسر، وتَطَلّب الأمر دفعةً كالصّدمات القادمة من السوبر نوفا لجعل موقع السحابة الغازية الباردة يسقط داخل جاذبيتها المشتركة، وأثناء انهيارها بدأت بالدوران.. ولكن لماذا؟

حدث ذلك بسبب الحفاظ على قوة الزخم الزاويّ (angular momentum).
فَكّر في الذرات المنفردة في سحابة الهيدروجين، إنّ كلَّ جسيمٍ ينجرف خلال الفراغ لديه قوة عزمٍ خاصة به، وبينما تلتصق هذه الذرات ببعضها بعضًا بسبب جاذبيتها المتبادَلة فإنها تحتاج أن تستقرّ من حيث قوة العزم، ومن الممكن أن تستقرّ حتى تصل إلى الصفر، ولكن من الصعب جدًا أن يحدث هذا، وهذا يعني بأنه سيتبقى القليل منه، وبالتالي يبدأ النظام الشمسي الأوّلي في الدوران بشكلٍ أسرع فأسرع، وبينما يدور النظام الشمسي بشكلٍ أسرع يبدأ بالتسطّح ليأخذ شكل اسطوانةٍ ذات انتفاخٍ في وسطها.

نرى نفس هذا التشكيل خلال الكون، فشكل المجرّات مسطح بسبب الدوران السريع.
تشكّلت الشمس بسبب الانتفاخ الذي في منتصف الاسطوانة، وتشكّلت الكواكب بعيدًا عنها وحصلت على دورانها من الحركة الكليّة للنظام الشمسي نفسه.

خلال دورة مائة مليون عام، تجمّعت كل الموادّ في النّظام الشمسي لتصبح كواكبَ وكويكباتٍ وأقمارًا ومذنّبات، ومن ثمّ أزالت الإشعاعات القوية والرياح الشمسية من الشمسِ حديثة التشكُّل ما تبقّى من هذه الموادّ.
وبدون أيّ قوىً خارجيةٍ غير متوازنة تُطبَّق عليها استمر لبّ الشمس والكواكب في الدوران لمليارات السنين، وستستمرّ في الدوران بسبب قصورها الذاتي إلا إذا اصطدمت بجسمٍ ما في المستقبل .

إذًا هل مازلت تتساءل لماذا تدور الأرض؟
تدور الأرض لأنها تشكّلت في قرصٍ متنامٍ لسحابة غازٍ من الهيدروجين انهارت بسبب الجاذبية المتبادلَة واحتاجت للحفاظ على عزم الدوران الزاويّ، وهي تستمر في الدوران بسبب لبّها.
والسبب في دورانها بنفس الاتجاه أنّها تشكّلت كلّها في نفس السديم الشمسي تحت نفس الظروف قبل مليارات السنين.

ملاحظة: لا يدور كل شيءٍ في الكون عكس عقارب الساعة كما يدّعي البعض، في الواقع كوكب الزهرة نفسه (وأورانوس) يدور مع عقارب الساعة “مع أنّه تَشكّل في نفس القرص الشمسي” ولا يزال هناك نظريات تحاول تفسير ذلك وعلى الأرجح أنه تعرّض لاصطدامٍ في مراحل تكوّنه الأولى. [5]

تفسير دوران الأرض حول الشمس

هناك الكثير من العوامل المعقّدة لدوران الأرض (وسائر الكواكب الأخرى) حول الشّمس، وهذه الأسباب مُشتركة في جميع حركات الدّوران الفلكيّة؛ فهيَ أيضًا تُفسّر دوران القمر حول الأرض، ودوران الشمس حول مركز مجرّة درب التبّانة، والسبب الأكثر بساطةً وأهميّةً في هذه الحركات هو قوّة الجاذبيّة التي تربط بين هذه الأجسام؛ فمثلما تجعلُ جاذبية الأرض الأشياء تسقط نحو سطحها، تُؤثّر الشّمس أيضًا بقوة جاذبيّةٍ شديدةٍ على الأرض، وكي لا تسقط الأرض نحو الشمس بخطٍّ مُستقيمٍ وتصطدم بها فإنَّ عليها أن تستمرَّ بالحركة، والمسارُ الدائريّ -وبالأدقّ البيضاوي- يسمحُ لها بتجنّب السقوط نحو الشمس، حتى ولو كانت عاجزةً عن الإفلات من مجال جاذبيّتها. [6]

عزيزي ألم تسأل نفسك في لحظة صفاء مابعد منتصف الليل، ماذا سيحدث إذا انعكس دوران الارض؟

علميًا، لا يوجد سببٌ مقنع أو قوةٌ كافية لعكس دوران الكرة الأرضية، وإذا ما حدث هذا فإنه سيسبب فَناء الكائنات الحيّة بأجمعها مباشرةً من على سطح الأرض، باستثناء تلك الموجودة في القطبين، والكائنات المجهرية التي ستواجه الموت أيضًا ولكن بطريقةٍ غير مباشرة، خطر الموت المباشر يتعلّق بمقدار الكوارث التي تنشأ عندما تتوقف الأرض عن الدوران وتبدأ بالدوران العكسيّ حول محورها، سرعة دوران الأرض حول محورها متغيّرةٌ وغير ثابتة فهي تبلغ أقصى سرعةٍ عند خط الاستواء (1700 كم بالساعة) وتنعدم تقريبًا في القطبين.

ماذا سيحدث عند دوران الأرض بالاتجاه المعاكس

عندما تعكس الأرض دورتها مع بقاء محورها بالشكل الحالي فإن هذا يعني أن تتباطأ دورتها الحالية إلى الصفر، ثمّ تبدأ بالدوران حول نفس المحور ولكن بالاتجاه المعاكس، ويتعلق الخطر ونوعه بمعدّل التباطؤ ثم التسارع بالاتجاه المعاكس، وكذلك بمكان الأجسام على دائرة العرض.

انعكاس الدوران المفاجئ

إذا كانت عملية التباطؤ وانعكاس الدوران مفاجئة، سيكون مايحدث عند خط الاستواء أشبهَ بسيارةٍ تسير بسرعةِ 1700 كم بالساعة وترتطم فجأةً بجدارٍ صلبٍ وقويٍ جدًا، ولك أن تتخيل ما سيحدث حينها، السيّارة هنا هي الكرة الأرضية بما تحتويه من جبالٍ وصخورٍ وأشجارٍ وبحارٍ ومحيطاتٍ وكائناتٍ حيّةٍ وبشر، وما في داخل الأرض من صخورٍ وحمم بركانية، كل تلك الأشياء ستُقذَف بعيدًا، وستُقتلَع الجبال من جذورها لتبدو كأنها أحجارٌ صغيرة تُقذف في الهواء، وحتى الهواء سيتحوّل فجأةً إلى أعاصيرَ مدمّرة كفيلة وحدها بالقضاء على كل شيءٍ حيّ، كما ستشهد الأرض براكينَ وزلازلَ مروّعة بقوةٍ لم تشهدها من قبل.

ماذا لو تمّت العملية ببطء

في حال كانت عملية انعكاس الدوران تدريجيةً فإن الموت أيضًا سيكون بانتظار كل ما على الأرض من كائناتٍ حية لأسبابٍ أخرى، فستطول فترات الليل والنهار بشكلٍ كبير، ونتيجةً لذلك سترتفع درجة الحرارة في النهار إلى ما فوق المائة درجة، وتنخفض في الليل عشرات الدرجات تحت الصفر.
طبعًا يتطلّب حدوث عملية الانعكاس المأساويّةِ السابقة كمية طاقةٍ هائلة كأن يصطدم كوكبٌ بحجم كوكبنا بالأرض جانبيًا، وهو أمرٌ مستبعد.

لذلك عزيزي القارئ، إذا كنتَ قد سألتَ نفسك سابقًا (أو لم تسأل) ماذا سيحدث إذا انعكس محور دوران الأرض، فالجواب وبكلمةٍ واحدة هو الفناء لجميع الكائنات الحية، اصنع ملجأك من الآن، ناسا لا تصنع المعجزاتِ كما أننا لسنا بمنتصف فيلم interstellar، الواقع مرٌّ وأشدّ قسوة.

إعداد: عبدالرحمن قاسم
مراجعة علمية: أحمد فكري
تدقيق لغوي: هاجر زكريا
تحرير: سامح منصور / نسمة محمود

المراجع

  1. “Heliocentric system | Astronomy”, Britannica, Retrieved 06-11-2016.
  2. “Earth’s Rotation”, Iowa State University, Retrieved 06-11-2016.
  3. Bryan Nelson, “Everything you need to know about Earth’s orbit and climate change”، Mother Nature Network, Retrieved 06-11-2016.
  4. “EARTH’S ORBIT AROUND THE SUN”, Universe Today, Retrieved 06-11-2016.
  5. Matt Williams, “WHAT IS THE ROTATION OF THE EARTH?”، Universe Today, Retrieved 06-11-2016.
  6. “Why do the planets go around the Sun?”, NASA, Retrieved 06-11-2016.

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي