مرض ألزهايمر
(التاريخ – المرض – والعلاج)
ولنبدأ بالتاريخ:
بدأت ملاحظة المرض عام 1906 على يد الطبيب الألماني «أليوس ألزهايمر»، حينما لاحظ تلك الأعراض على إحدى مريضاته، وحينما قام بتشريح جثتها بعد الوفاة، لاحظ وجود التشابكات واللويحات في دمغها، مما أدى به إلى استنتاج أنها ربما تكون هي من سببت المرض.
كذلك فإنه في كل أربع ثواني يتم تشخيص مصاب بالمرض، ويقدر عدد المصابين بالمرض حاليًا 40 مليون مصاب تقريبًا.
مع مرور الوقت تصير معارفنا بخصوص المرض أكثر وأضح، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنه يجعل الأمر أبسط.
المرض:
ولكن قبل أن نتحدث عن المرض نفسه، دعنا نبدأ بمقدمة قصيرة حول طبائع الأمراض بشكل عام.
الفكرة هنا أن الأمراض تنقسم طبقًا للسبب الذي أدى إليها إلى عدة أنواع، فعلى سبيل المثال هناك تلك الأمراض الناتجة عنن (عدوى ما- Infection (سواء كانت تلك العدوى فيروسية أو بكتيرية، وهناك تلك الأمراض الناتجة عن فشل في وظائف أحد أعضاء الجسم المختلفة مثل الفشل الكلوي أو الكبدي، وهناك أيضًا تلك الأمراض التي تنتج بسبب نوع ما من أنواع الجنون الذي يصيب خلايا الجسم، كالسرطان وألزهايمر الذي نتحدث عنه في هذا المقال.
أما عن كيفية ذاك الجنون فهو ما سنوضحه حالًا ..
أحد أشهر النظريات حول كيفية حدوث المرض، تفترض بأن المسبب الرئيسي للمرض هي مشاكل في بنية المخ بسبب تكونن بروتينات ملتحمة تسمى( لويحات – Plaques)، وتشابكات (ليفية عصبية – Neofibrillary Tangles)، تلك اللويحات والتشابكات تؤدي إلى تحطيم بنية الدماغ.
الفكرة هنا أن البروتين الدهني المحيط بالخلايا العصبية يُقطع إلى شرائح بواسطة إنزيم ما مكونًا بروتينات تٌسمى )بيتا أميلويد –– Beta Amyloid Proteins)، تلك البروتينات تتسم بطبيعة لزجة، مما يعطيها القدرة على التجمع معًا .. تلك التجمعات تكون ما يعرف باللويحات.
المشكلة هنا أن تلك اللويحات تتسبب في إعاقة الإشارات التي يتم إرسالها بين الخلايا وبعضها، وبالتالي تُعيق الاتصال بينن الخلايا، أيضًا فإنه يبدو لنا أن تلك اللويحات تتسبب في إثارة ردود فعل مناعية تؤدي إلى تدمير الخلايا العصبية الغير فعالة.
بالنسبة للتشابكات الليفية العصبية فهي مكونة من بروتين يسمى )تاو – tau).
الفكرة هنا أن الخلايا العصبية للدماغ تحتوى على شبكة أنابيب، تلعب تلك الشبكة دور طريق عام للغذاء، البروتين تاو يعمل علىى حفظ استقامة تلك الأنابيب لمرور جزيئات الغذاء بحرية.
أما في مرض ألزهايمر، فإن البروتين يتهدم إلى خيوط ملتوية ومتشابكة، مما يؤدي إلى تحطم تلك الأنابيب، الأمر الذي يمنع الغذاءء من الوصول إلى الخلايا، وبالتالي يؤدي إلى موتها.
تبدأ اللويحات والتشابكات الليفية العصبية بالتجمع في (الحصين – Hippocampus)، وهي المنطقة المسؤولة عن تشكيلل الذكريات، وبالتالي يبدأ المريض في فقدان الذاكرة قصيرة الأمد، ويُعتبر هذا هو العرض الأول.
بعد ذلك تبدأ التشابكات واللويحات بمهاجمة أجزاء أخرى من المخ مكونة تغيرات أكثر، كل تغيير يشير إلى مرحلة أكثر تقدُمًا منن المرض.
فهو عندما يهاجم مقدمة الدماغ، فذاك يؤدي إلى اضمحلال الأجزاء المسؤولة عن الأفكار المنطقية، بعد ذلك ينتقل المرض إلىى الأجزاء المسؤولة عن العواطف، الأمر الذي يؤدي إلى تغيير المزاج.
وحين تتجه التشابكات واللويحات إلى أعلى المخ فإن ذلك يسبب ظهور أعراض جنون الارتياب على المريض –(Paranoia)، كذلكك فإنه يؤدي إلى ظهور بعض أعراض الهلوسة.
وعندما يصاب خلفية الدماغ بالمرض، فإن هذا يؤدي إلى فقدان المريض لأعمق ذكرياته، وفي نهاية الأمر تتدمر مراكز التحكم فيي ضربات القلب والتنفس، مما يؤدي إلى الوفاة.
أيضًا فإنه يمكننا معرفة المرض من خلال بعض الأعراض الأخرى مثل:
- الصعوبة في النوم
- الذاكرة مشوشة
- بعض التغيرات الجذرية في المزاج
- ازدياد الارتباك
بشكل عام فإنه لا يمكننا أن نعتبر جميع أنواع الخرف عبارة عن مرض ألزهايمر، ذلك أن القلق والاكتئاب ونقصان إفراز هرمون )الثايرويد – Hypothyroidism (والسُكْر، كلها قد تؤدي إلى أعراض مشابهة، ولكن كل تلك الظروف يمكن علاجها.
بالإضافة إلى السابق ذكره فإن المرض يُعد هو السبب الرئيسي للخرف فوق سن ال65، كذلك فإنه يُعد السبب السادس للوفاة في الولايات المتحدة.
التنبؤ بالمرض:
يمكن اعتبار التجهم والنسيان والتشتت -الذي عادةً ما يؤدي إلى الارتباك- والتغيرات المزاجية والشك في الأصدقاء نوعًا من الإنذار مبكر للمرض.
أيضًا فقد استطاع بعض الباحثون مؤخرًا في
)المركز الطبي بجامعة دوك – (Duke University Medical Center، أن يقوموا بتحديد ثلاثة مناطق كروموسومية تلعب دورًا هامًا في تنشيط المرض، والأجزاء المختلفة في كل منطقة من تلك المناطق تزيد احتمالات الإصابة بالخرف في فترة إحدي الفترات المحددة في الحياة، ومن خلال التركيز على تلك المناطق، فهم على وشك تحديد من هم الأكثر عرضة للإصابة بالمرض، ومتى يبدأ.
الأهم من ذلك، أن منطقتين من الثلاثة الذين تم اكتشافهم في هذه الدراسة لم يتم العثور عليهم في أي دراسات سابقة، أحد تلك المناطق تشير لنوع من الألزهايمر يظهر متأخرًا جدًا، ذاك أن أعراضه تبدأ بالظهور بعد سن الثمانين، أم المنطقتين الأخريين فهما يشيران لأعراض تظهر مبكرًا أكثر، أي بين عمر الخمسين والستين.
الدراسة السابقة نٌشرت في )الجريدة الأمريكية للجينوم البشري – The American Journal Of The Human Genetics) ، والتي شملت فحصًا ل4377 عائلة، كل عائلة احتوت على فردين مصابين بالمرض على الأقل.
وقد كان تحديد تلك المناطق عن طريق وسيلة تُسمى
)تحليل المرتبطات الفرعية – (Ordered Subset Linkage Analysis, حيث تبين أن أحد المناطق على الكروموسوم 15 كانت مسؤولة عن النوع المتأخر من ألزهايمر بين عمر الستين والخمسة والسبعين، بينما مناطق أخرى على الكروموسوم الثاني كانت مسؤولة عن الأنواع المبكرة.
هل يمكن الوقاية من المرض؟!
لاحظ بعض الباحثين وجود ضعف في الإدراك عند لاعبي كرة القدم الأمريكية الذين عانوا من صدمات متكررة بالرأس، وقد لوحظ ضعف الإدراك هذا قديمًا في لاعبي الملاكمة، حيث أُطلق مصطلح (ارتجاج الخرف – Dementia Pugilistic) على أولئك الملاكمين الذين كانوا يتعرضون لصدمات متوالية.
كما أظهرت بعض الدراسات الحديثة أن الخرف مرتبط بإفراز هرمون بيتا أميلويد والتشابكات الليفية العصبية, وهي نفسها الأعراض التقليدية لمرض ألزهايمر، وبالتالي فقد ظهرت فرضية تقول بوجود علاقة بين إصابات المخ وإفراز البروتين، وأن تلك التشابكات هي العرض الطبيعي لإفرازات البروتين تلك.
ومثل كل الأمراض المزمنة فإن هذا ليس السبب الوحيد، ولكن يمكن اعتبار إصابات الرأس كأحد الأسباب الرئيسية التي تتسبب فيه، وبالتالي فإن محاولة تفادي إصابات الرأس قد يساعد في خفض احتمالات الإصابة بمرض ألزهايمر.
العلاج:
قام أستاذ الأعصاب مدير (مركز إيستون – Easton center) لأبحاث ألزهايمر بجامعة كاليفورنيا باختبار برنامج علاجي جديد يركز بشكل رئيسي على النوم والنظام الغذائي، والضغط الحياتي والتمرين.
فقد قام باختبارات على 10 مرضى يعانون من فقدان ذاكرة تسبب في طردهم من وظائفهم -أو تقاعدهم- مما أدى إلى افساد حياتهم الشخصية، وكانت النتائج مبهرة.
تحسنت وظيفة الذاكرة في 9 من العشر مرضى بشكل ملحوظ، والستة الذين تم طردهم من العمل بسبب ذلك، كانوا قادرين على العودة لوظائفهم، والمريض الوحيد الذي لم يكن قادرًا على التحسن كانت الأعراض لديه متقدمة للغاية.
تضمن البرنامج 36 نقطة، كانت بعضًا منها متخصصة بالمريض نفسه كفرد، والبعض الآخر كان عامًا، من هذه النقاط التالي:
- إزالة الكربوهيدرات البسيطة، الجلونين، والطعام المعالج من نظامهم الغذائي.
- ممارسة اليوجا والتأمل، والرياضة.
- إضافة فواكه أكثر وخضراوات وأسماك إلى نظامهم الغذائي.
- النوم لمدة من سبع إلى ثمانِ ساعات على الأقل باليوم.
- الحصول على (الميثيل كوبل أمين – Methylcobalamine)، وهو ما يعرف بفيتامين ب12، وأيضًا فيتامين(د3 -Vit D3)، زيت السمك ومرافق الانزيم Q10 – coenzyme – Q10 بالنهار، و(الميلاتونين – Melatonin) بالليل
- الانتال من العسيل اليدوي للأسنان لاستخدام خيط كهربي وفرشاة أسنان كهربائية.
- الاعتماد على علاج هرموني بديل.
- الصيام لمدة 12 ساعة بين العشاء والإفطار، وثلاث ساعات بين العشاء ووقت النوم.
بالطبع لازال هناك العديد من النقاط للمناقشة، فتلك الدراسة ركزت على علاج الإدراك، خصوصًا وأن مرض ألزهايمر لا يمكن تشخيصه إلا عن طريق التشريح، وبالتالي لا يمكننا التأكد من أن كل العينات مصابة حقًا بالألزهايمر، فحوالي 25% – 30% من الحالات تعتبر حالات ضعف إدراك، وبالتالي فهي ليست مصابة بمرض ألزهايمر ويمكن علاجها، باختصار أعداد مرضى ألزهايمر ليست مؤكدة بنسبة 100%.
بشكل أكثر وضوحًا فإننا نحتاج إلى المزيد من التجارب السريرية على نطاق واسع لتوضيح إذا كانت تلك التغيرات ليست مجرد تحسن، وإنما تقدُم فعلي لعلاج أمراض المخ المرتبطة بالألزهايمر وضعف الإدراك، ولكن بالرغم من ذلك تعتبر تلك دراسة جديدة مشوقة.
في المطلق فإن معظم الأطباء في الوقت الحالي يركزون على إبطاء تقدُم المرض تمامًا، فعلى سبيل المثال: أحد العلاجات المؤقتة يساعد في التقليل من تحلل إنزيم الأسيتيل كولين، والذي يقل أصلًا في مرضى ألزهايمر بسبب موت الخلايا العصبية التي تنتجه.
هناك علاج آخر أيضًا عبارة عن لقاح يدرب نظام المناعة في جسم الإنسان على مهاجمة لويحات بروتين البيتا أميلويد قبل قيامها بتشكيل مجموعات.
ولكن يبقى الأمر معلقًا حتى الآن بعد وجود علاج نهائي للألزهايمر، علَّ الباحثون في المستقبل القريب يستطيعون الوصول لحل تلك المعضلة، للتخفيف من آلام الناس الذين كان قدرهم أن يصابوا بالمرض.
المصادر:
https://goo.gl/W2V19c
https://goo.gl/FZiFXa
https://goo.gl/ofDKby
إعداد وتصميم: Mohannad M. Abd ElFattah
مراجعة علمية: ماريا عبد المسيح
مراجعة لغوية: Israa Adel
تحرير: يُمنى أكرم
#الباحثون_المصريون