يوم تموت الحياة
تخيّل معي مشهد النّهاية، المكان: كوكب الأرض، والزّمان: الحادي والعشرين من شهر (آب) أغسطس سنة 2126، حيث اقترب الفناءُ. يحاول البشرُ الاختباء يائسين، مليارات النّاس لا يجدون مكانًا يذهبون إليه، يهرب البعض يائسًا إلى تحت الأرض بحثًا عن كهوفٍ يختبؤون بها، أو مداخل مناجم مهجورةٍ يحتمون داخلها، ويتمطّى آخرون غوّاصاتٍ إلى أعماق البحار، وآخرون هائجون، بل منهم من فَقَدَ عقلَه وصار غيرَ مبالٍ ولا مهتمٍّ، فكأنّما غلبته سكراتُ الموت قبل أن يموت. في حين تكتفي الأكثريّة بالجلوس متجهّمةً ذاهلةً، تنتظر النّهاية.
وفي السّماء، يقترب جسمٌ متّجهٌ إلى الأرض بسرعة 40.000 ميلٍ في السّاعة، ومُقدَّرٌ له أن يصطدم بالأرض بسرعةٍ تفوق سرعة الصّوت بمائةٍ وخمسين مرّةً. ولا يسع بنو البشر سوى المراقبة والانتظار. أمّا العلماء، فقد أوقفوا حساباتهم وأجهزتهم بهدوءٍ بعد أن كانوا قد هجروا مراصدَهم منذ فترةٍ طويلةٍ، فما عاد يُجدي العلمُ نفعًا، وما عادت تغني الأرصدة شيئًا عن الكارثة الّتي تنتظر البشريّة جمعاء،[1] فأسلم العلماءُ وسلّموا بهدوءٍ تمامًا كما فعل رجل الأعمال الأمريكيّ «بنيامين جوجنهايم – Benjamin Guggenheim» حين كان على ظهر سفينة تيتانك، عندما تيقّن من مصيره المحتوم، فلم يجد بُدًّا إلّا أن يموت عزيزًا، فارتدى هو وخادمه أفضل ما لديهم من ملابس، وتزيّنوا كأجمل ما يكون الرّجال في زينةٍ وبهاءٍ، وجلسا في غرفتهما ينتظران الموت بكلّ عزّةٍ وكبرياءٍ حتّى غرقت تيتانك وهما جالسان في جلالٍ حتّى غطّاهما الماء واختنقا وهما على هذه الحال.[2]
وإذا أردنا صورةً حقيقيّةً لحال النّاس وقت اقتراب النّهاية وتفاوتهم في تصرّفاتهم ومواقفهم، فربّما ما ذكره المؤرّخ المصريّ عبدالرحمن الجبرتيّ في كتابه «عجايب الآثار في التّراجم والأخبار» سيكون خير مثالٍ على ذلك. يقول الجبرتيّ:
حدث أن أُشيع في مصر يوم الأربعاء، الرّابع والعشرين من شهر ذي الحجّة لعام 1147 هجريًّا، أُشيع أنّ يومَ القيامة سيكون يوم الجمعة التّالية، وفشا هذا الكلامُ في النّاس قاطبةً، حتّى في القرى والأرياف، وودّع النّاسُ بعضَهم بعضًا، وكان يقول الإنسان لرفيقه: «بقي من عمرنا يومان»، وخرج الكثير من النّاس والمخاليع إلى الغيطان والمنتزهات يقول بعضهُم لبعضٍ: «دعونا نعمل حظًّا ونودّع الدّنيا قبل أن تقوم القيامة» وطلع أهل الجيزة نساءً ورجالًا وصاروا يغتسلون في البحر، ومن النّاس من علاه الحزن ودَاخَلَهُ الوهم، ومنهم من صار يتوب من ذنوبه ويدعو ويبتهل ويصلّي، واعتقدوا ذلك ووقع صدقه في نفوسِهم. ومَن قال لهم خلافَ ذلك أو قال هذا كذبٌ، كانوا لا يلتفتون لقوله… وكثر فيهم الهرْج والمرْج إلى يوم الجمعة المُعيّن المذكور، فلم يقع فيه شيءٌ. وعندما وجد النّاسُ أنّ القيامةَ لم تقم، أرجعوا السّببَ في عدم قيام القيامة إلى أنّ السّيّد البدويّ والإمام الشّافعيّ تشفّعوا في ذلك عند اللّه، وقبل اللّه شفاعتهم ولم يُقِم السّاعةَ. ففرح النّاسُ بشفاعة الإمام الشّافعيّ وقالوا «اللّهمّ انفعنا بهم، فإنّنا يا أخي، لم نشبع من الدّنيا، وشارعون نعمل حظًّا.»[3]
كان ذلك وصفًا لحال المصريّين عند اقتراب النّهاية، ما بين مُصلٍّ وتائبٍ وعابدٍ، وما بين يائسٍ من الرّحمة والمغفرة، فزاد من الملذّات والشّهوات، فقد أدرك أنّ مصيره النّار لا محالة، فزاد في العصيان وغرق في (الحظّ) -على حدّ وصف الجبرتيّ-، ومنهم من هام على وجهه، لا يدري ماذا يفعل ولا كيف يتصرّف، فقط ذهولٌ وتعجّبٌ، فالأمر عصيٌّ على التّصديق وأكبر من استيعاب العقول.
مذنب «سويفت تتل» واصطدامه بالأرض
ما ذكرته في الأسطر السّابقة ليس خيالًا علميًّا ولا نسيجًا من روايات الرّعب الّتي تتحدّث عن نهاية العالم، ولكنّه توقّعٌ علميٌّ لحركة مذنّب سويفت تتل (Swift-Tuttle) الّذي اكتُشف عام 1862 بشكلٍ مستقلٍّ من قِبل كلٍّ من «لويس سويفت – Lewis Swift» و«هوراس تتل – Horace Tuttle». يستغرق ذلك المذنَّب 133 سنةً ليكمل دورةً واحدةً حول الشّمس، حيث كان آخر وصولٍ له لنقطة الحضيض (أقرب نهجٍ إلى الشّمس) عام 1992 ليعود إليها مرّةً أخرى عام 2126. المذنّب كبير الحجم جدًّا حيث يبلغ قطره 26 كيلومترًا (ما يعني أنّ حجمه يساوي ضعفي النّيزك الّذي من المفترض أنّه تسبّب في انقراض الدّيناصورات)، وعندما يمرّ بالقرب من الأرض، فإنّه يندفع عبر الفضاء بسرعة (58 كم/ثانية)، أي أكثر من 150 ضعفًا من سرعة الصّوت. ما يعني أنّه لو اصطدم هذا المذنّب بالأرض فإنّ اصطدامه سيكون أقوى بـ 300 مرّةٍ من اصطدام النّيزك الّذي تسبّب في انقراض الدّيناصورات منذ ما يقرب من 65 مليون سنةٍ. وهو ما يؤدّي إلى نهاية الجنس البشريّ كلّه، بل جميع الأجناس على كوكب الأرض، إنّه حرفيًّا يوم القيامة الّذي تُدكّ فيه الأرض دكًّا، وتُنسف فيه الجبال نسفًا.
في عام 1973، تنبّأ العالم الإنجليزيّ «براين مارسدن – Brian Marsden» الّذي كان يعمل في جامعة هارفارد الأمريكيّة أنّ المذنّب سيمرّ بنا عام 1992، وسيمرّ لاحقًا بعد ذلك ليصطدم بكوكب الأرض عام 2126، وهو ما حدث فعلًا وصحّت توقّعاته بمرور المذنّب عام 1992، فهل ستصحّ حساباته ليصطدم بنا عام 2126؟
أثار هذا الأمر قلقَ الكثيرين من العلماء، ما دفعهم لمراجعة حسابات مارسدن مرّةً بعد مرّةٍ، بل أعاد مارسدن حسابته بنفسِه ثانيةً، ولحسن الحظّ، بعد إعادة الحسابات، من المتوقّع أنّنا سننجو من الفناء الشّامل بفارق أسبوعين فقط، حيث سيمرّ المذنّب في أقرب نقطةٍ للأرض يوم الخامس من (آب) أغسطس 2126 وليس الـ 21 من أغسطس كما توقّع مارسدن.[4]
في هذا الشّكل التّوضيحيّ، يمكنكم مشاهدة المدار عن قربٍ، وسترون مدى قرب المذنّب من الأرض عام 2126 أي بعد أكثر من قرنٍ من الآن.
نستطيع الآن أن نتنفّس الصّعداء، فقد نجونا بأعجوبةٍ من فنائنا المحتوم، ولكن قبل أن يأخذ القارئُ أنفاسَه ويهدأ قلبُه وينعم، تعالوا بنا نعرّج على موعد فنائنا المُحقّق، الّذي لا جدال فيه ولا شكّ.
مصير كوكب الأرض
يرتبط مصير كوكب الأرض بالشّمس بشكلٍ أساسيٍّ ورئيسيٍّ، وكذلك بحركة القمر وتأثير كلٍّ منهما على الآخر، وعلى الرّغم من توقّع حدوث تغيّراتٍ جذريّةٍ في حركة ومدار الأرض بسبب المدّ والجزر، فمثلًا من المتوقّع في خلال الـ 250 مليون سنةٍ القادمة أن يطول اليومُ على الأرض ليصبح 25.5 ساعةٍ بدلًا من 24 ساعةً. وكذلك التّغيّرات الّتي ستحدث لمدار الأرض، فستنحرف الأرضُ عن مدارها قليلًا أو كثيرًا.[5] بل حتّى التّغيّرات الجذريّة في شكل الأرض، حيث ستذوب القارّات السّبع معًا مكوّنةً قارّةً واحدةً تُسمَّى «بانجيا التّالية – Pangaea Proxima» نتيجة اندماجها.[6]
كما تنبّأت وكالة ناسا بأنّه لن يعود بالإمكان حدوث كسوفٍ للشّمس بعد 563 مليون سنةٍ.[7] ولكن حيث أنّنا في هذا المقال سنتحدّث عن يوم القيامة، -أي اليوم الّذي سيفنى فيه الجنس البشريّ-، فإنّ هذه الأحداث البسيطة لن نعطيها اهتمامًا بالغًا وإنّما سيكون التّركيز على المراحل الّتي ستؤدّي إلى فناء البشريّة.
يمكننا القول أنّ البشريّة لن تستطيع الحياة على كوكب الأرض بعد مليار سنةٍ بأيّ حالٍ من الأحوال، وذلك لعوامل عدّةٍ، أهمّها زيادة سطوع الشّمس ممّا سيؤثّر بشكلٍ مباشرٍ على الحياة النّباتيّة وعمليّة التّمثيل الضّوئيّ، وستموت 99% من الكائنات الموجودة الآن في غضون 600 إلى 800 مليون سنةٍ.[8] ولن تتبقّى بعد ذلك حياةٌ، لا لإنسانٍ ولا لحيوانٍ ولا لنباتٍ، عدا عن بعض الكائنات وحيدة الخليّة.[9] وستستمرّ الأرض في الاحترار حتّى يتبخّر كلّ الماء الّذي فيها، ولن تبقى عليها قطرةُ ماءٍ واحدةٍ، لتصبح صخرةً صمّاء، لا زرع فيها ولا ماء.[10]
لذلك نقول: لن تبقى حياةٌ إنسانيّةٌ بعد مليار سنةٍ من الآن. ولن تبقى هناك أيّةُ حياةٍ، لا لإنسانٍ ولا لنباتٍ ولا لكائناتٍ دقيقةٍ خلال 2 مليار سنةٍ بأيّ حالٍ، وستُبدّل الأرضُ غير الأرض.
موت الشمس
أما وإن لم تكن هذه الصّورة لمستقبل الحياة على كوكب الأرض قاتمة السّواد، أو لم تكن بالقدر الكافي من السّوء، فدعني أزِدْك، عزيزي القارئ، من السّوء سوءًا على سوءٍ، فإن ظنّ أحدٌ أنّه قد ينجو يومًا من هذا المستقبل المحتوم، أو قد يحيا في هذا اليوم الّذي لا مَرَدّ له، فدعني أؤكّد لك أنّك حتّى وإن نجوت من هذا كلّه -وهذا مستحيلٌ- فإنّك لن تنجو من مصيرٍ آخر أكثر بؤسًا. فالشّمس الآن في منتصف عمرها المتوقّع لنجمٍ بحجمها وكتلتها، وهو 10 مليار سنةٍ، حيث مضى على وجودها حوالي 4.5 مليار سنةٍ تقريبًا، ما يعني أنّه بقي لها أقلّ من 6 مليار سنةٍ قبل أن تموت. وإذا علمنا أنّ بقاء الشّمس يعتمد بشكلٍ رئيسيٍّ على مقدار مخزونها من الهيدروجين، فما إن ينفد الهيدروجين منها حتّى تبدأ بالدّخول في مرحلة الخطر؛ حيث تعتمد طاقة الشّمس على دمج ذرّات الهيدروجين وتحويلها إلى هيليوم داخل قلبها ونواتها.
لكن ما إن يبدأ مخزون الهيدروجين بالنّفاد من قلب الشّمس حتّى يختلّ التّوازن بين قوّة الجاذبيّة السّاحقة وقوّة الدّمج النّوويّ الطّاردة، وتصبح قوّة الدّفع الخارجيّة من القلب أضعف من قوّة الجاذبيّة ويبدأ عندها القلب بالتّقلّص تحت تأثير الجاذبيّة. لكن على الرّغم من توقّف عمليّة الدّمج النّوويّ في القلب إلّا أنّها تستمرّ في القشرة المحيطة بالقلب، الواقعة بين القلب وطبقة الإشعاع. في هذه القشرة يستمرّ دمج الهيدروجين إلى هيليوم والطّاقة النّاتجة من هذا الدّمج الجديد تعمل على تضخيم حجم الشّمس بشكلٍ هائلٍ بين 200 إلى 250 مرّةً أكبر من حجمها الحاليّ، ويميل لونها إلى الاحمرار ويزداد لمعانها وإضاءتها 100 مرّةٍ عمّا هي عليه الآن، حيث يطلق العلماء على هذه المرحلة مرحلة العملاق الأحمر (Red Giant Phase). وتستمرّ هذه المرحلة عدّة ملايين من السّنين.
في هذه المرحلة، ستبدأ الشّمس بالتهام جميع الكواكب الّتي حولها، ستلتهم الشّمس كوكبَي عطارد والزّهرة، ثمّ يأتي دور كوكبنا، فتبتلع القمرَ ابتداءً، ومن المرجح أنها ستلتهم الأرض كذلك، وحتى إن لم يكن، فستكون قريبة جدًا من الأرض بحيث تحرقها حرقًا وتذوب الأرض من شدة النار ذوبانًا. وحينئذٍ ستتدمّر المجموعة الشّمسيّة تمامًا.
وحينئذٍ يمكننا أن نقول إنّ القيامة قد حان موعدها، بل لقد حان موعدها من قبل ذلك بملايين السّنين، مع موت آخر كائنٍ حيٍّ على كوكب الأرض، ليعمّ في الكون سكونٌ دامسٌ. ولكن رغم هذا المستقبل المؤلم، وقصّة الموت الحزينة، سواءً لكوكبنا وشمسنا وقمرنا وباقي كواكب المجموعة الشّمسيّة، أقول: رغم هذه الصّورة شديدة الحزن إلّا أنّ الشّمس ستترك في الكون بصمةً رائعةً، حين تتحوّل إلى سديمٍ كوكبيٍّ على شكل زهرةٍ جميلةٍ رائعة الجمال، لتظلّ هذه الوردة حين يفنى العالم، وليبقى هذا الجمال حين تندثر الحياة.[11]
مصير الكون
كانت تلك إذن لمحةً على مصير البشريّة المحتوم، مصير كوكبنا وقمرنا ومجموعتنا الشّمسيّة، ولكن ماذا عن مصير الكون كلّه، بمجرّاته ونجومه؟
ذاك سؤالٌ لم يحسم العلمُ إجابتَه بعد، وسأضع بين أيديكم مجموعةَ الفرضيّات الّتي توصّل إليها العلماء حتّى يومنا هذا ليكتبوا بأيديهم آخر فصلٍ من تلك الرّواية الّتي بدأت بلحظة الانفجار العظيم، ليحاولوا رسم نهايةٍ صادقةٍ لها.
• الموت الحراري للكون (Heat death)
تعتمد فرضيّة الموت الحراريّ في جوهرها على القانون الثّاني للدّيناميكا الحراريّة، فمع زيادة الكون في التّمدّد، ستتحوّل طاقة الحركة إلى طاقة حرارةٍ، ثمّ تنتشر في الكون كلّه لتتعادل درجة الحرارة في جميع أجزائه، وستهدأ الحركة، بل ستُشلّ حركة الكون، ونتيجةً لمعادلة الحرارة سيبرد الكون حتّى يصل إلى الصّفر المطلق، وستموت النّجوم وستتحلّل كلّ المواد تقريبًا، وسيكون الفصل الأخير في قصّة الكون أنّه سيموت ميتةً ممرضةً، سيكون الكون فارغًا مظلمًا، فلا طاقة فيه ولا ضوء، ولا حركة فيه ولا حرارة.[12]
• الانسحاق الكبير (Big Crunch)
يعتقد العلماء أنّ الانسحاق الكبير هو نتيجةٌ حتميّةٌ للانفجار الكبير، وأنّه بعد فترةٍ زمنيّةٍ معيّنةٍ (ربّما مليارات السّنين)، إذا كان متوسّط كثافة الكون كافيًا لإيقاف التّوسّع، فإنّ الكون سيبدأ عمليّة الانهيار على نفسه. وستنتصر قوى الجاذبيّة على قوى التّمدّد. وفي النّهاية، ستتجمّع كلّ المادّة والجسيمات الموجودة معًا في حالةٍ فائقة الكثافة، أو ربّما نقطة تفرّدٍ (singularity) كما كانت بداية الكون (أو تشبه حالة التّفرّد كما في أيّ ثقبٍ أسودٍ).
ربّما من المثير للعجب في هذه الفرضيّة، أنّ بعض العلماء قد افترضوا أنّ هذا السّيناريو قد حدث بالفعل، ويعتقد البعض أنّ الكون الّذي نعيش فيه هو نتاج انهيار كونٍ سابقٍ، تحوّل إلى مفردةٍ، ثمّ أنتج كونًا جديدًا، وسيضمحلّ هذا الكون، ليعود مفردةً، وسينتج عنها كونٌ جديدٌ. ما يعني أنّ الأكوان ستستمرّ في الظّهور والانسحاق إلى ما لا نهايةٍ.
يمكنك تخيّل هذه الفرضيّة باعتبار أنّ الكون شبيهٌ برئةٍ، كلّما تنفّست شهيقًا كبر حجمها، وكلّما أخرجت زفيرًا قلّ حجمها واضمحلّ، وهذا مع كلّ نفسٍ تأخذه. ينشأ الكون ويضمحلّ، وينشأ الكون ثانيةً ويضمحلّ، وهكذا دواليك.[12]
• الابتلاع الكبير (Big Slurp)
ظهرت هذه الفرضيّة قبل بضع سنواتٍ فقط، بعد الكشف عن الطّبيعة الحقيقيّة لبوزون هيجز (Higgs Boson)، وهو الجسيم الّذي يمنح الكتلة للجسيمات الأوّليّة.
يعتقد العلماء أنّه إذا كانت كتلة جسيمات هيجز مساويةً للكتلة الحرجة، فإنّ كوننا قد يكون في مصيبةٍ عظيمةٍ؛ لأنّ هذا قد يشير إلى أنّ طبيعة الفراغ نفسه قد تكون غير مستقرّةٍ أصلًا، وما يجعل هذا الأمر كارثيًّا، أنّه فجأةً وبدون أدنى إنذارٍ، قد تنبثق فقّاعةٌ من فراغٍ تامٍّ من كونٍ آخر داخل كوننا، وإن كانت كثافة هذه الفقّاعة أصغر من كثافة الكون، فسيفنى الكون بأكمله بين عشيّةٍ وضحاها.[12]
• التمزق الكبير (Big Rip)
انطلاقًا من حقيقة أنّ كوننا يتوسّع ويتمدّد، يفترض العلماء أنّ الكون سيستمرّ في التّوسّع إلى الحدّ الّذي لن تستطيع عنده المادّة من مجرّاتٍ ونجومٍ وكواكب (بل حتّى الموادّ ما دون الذّرّيّة) أن تتماسك، ولذلك ستتمزّق، يعني أنّ الجهاز الّذي تقرأ منه هذا المقال سوف ينشقّ إلى نصفين، بما فيه منزلكم ومدينتكم، ولكن دعني أسُق لك خبرًا رائعًا، وهو أنّك لن تعيش تجربة أن يمزَّق جسدك هكذا؛ لأنّ البشريّة ستكون قد فنيت بالفعل، قبل حدوث هذا التّمزُّق.
فلتفرح عزيزي القارئ لأنّك حينها ستكون ميتًا ولن يحدث لك مكروهٌ، فمن المتوقّع أن يحدث ذلك بعد حوالي 22 مليار سنةٍ، والبشريّة لن يكون لها وجودٌ بعد مليار سنةٍ من الآن؛ (فما لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ) كما قال المتنبي.
وحتّى لو افترضنا وجود الأرض في هذا التّوقيت – وهو مستحيلٌ – فإنّها ستنفجر قبل نصف ساعةٍ من نهاية الكون.[12]
خاتمة
كان ذلك عرضًا لنهاية كلّ شيءٍ، إمّا بنهاية الحياة على الأرض، أو نهاية الشّمس، أو نهاية الكون ككلٍّ. أعلم أنّ جميعها فرضيّاتٌ حزينةٌ، وأنّ مصيرنا جميعنا لا يُبَشِّر أبدًا، ولكنّ هذا كلّ ما لدى العلم الآن عن التصورات المتوقّعة ليوم القيامة.
الدور | الاسم |
---|---|
إعداد | محمد رضا |