كاترين الثانية أو كما لُقبت بـ«كاترين العظيمة››، أبرز حكام روسيا على مر التاريخ كما يزعم الكثير من المؤرخين، نظرًا لأنها أطول فترة تحكمها امرأة لدولة كبرى، في المقال التالي نلقي الضوء على أبرز ثمان معلومات عن الملكة كاترين ربما لا تعرف الكثير منها.
لم يكن اسمها كاترين، ولم تكن حتى روسية
المرأة التي ذكرها التاريخ باسم ‹‹كاترين العظيمة››، الزعيمة الروسية الأطول حُكمًا، كانت في الواقع الابنة الكبرى لأمير بروسيّ فقير. تمتعت ‹‹صوفي فون أنهالت زيربست›› التي وُلدت عام 1729 بعددٍ هائلٍ من فرص الزواج نظرًا لنسبها المحترم من ناحية الأم، في العام 1744 دعيت ‹‹صوفي›› البالغة من العمر وقتها خمسة عشر عامًا للقدوم إلى روسيا من قبل كازرينا/الإمبراطورة ‹‹إليزابيث››، الابنة الكبرى ل ‹‹بطرس الأكبر›› الذي حاز العرش الروسي بعد انقلاب وقع قبل ثلاثة سنوات فقط. كانت ‹‹إليزابيث›› قد اختارت ابن أخيها ‹‹بيتر›› وريثًا لها كونها لم تتزوج ولم تنجب، وشرعت في البحث عن عروسٍ له. أثرت ‹‹صوفي›› -المدرَبة جيدًا من أمها الطموح الساعية للرضا الملكي- تأثيرًا لحظيًا على ‹‹إليزابيث››، إن لم يكن على زوجها المنشود أيضًا. تم الزواج في الواحد والعشرين من أغسطس عام 1745 بعد أن اعتنقت العروس التي تحمل الآن اسم ‹‹إيكاترينا›› أو ‹‹كاترين›› المسيحية الأرثوذوكسية.
يحتمل أن يكون ابنها الأكبر -ووريثها- ابنًا غير شرعي
لم تحظ ‹‹كاترين›› وزوجها بزواج مستقر منذ البداية. فعلى الرغم من أنه تم استيراد الأميرة البروسية خصيصًا لإنجاب وريث، مرت السنوات الثمانية الأولى دون طفل، يعتقد بعض المؤرخين أن ‹‹بيتر›› لم يكن قادرًا على إتمام الزواج، بينما يظن آخرون أنه كان عقيمًا، ولتعاستهما الشديدة في حياتهما الزوجية؛ بدأ كل من كل من ‹‹كاترين›› و‹‹بيتر›› بعلاقات غرامية خارج إطار الزواج، وكانت علاقة ‹‹كاترين›› الأولى مع الضابط العسكري الروسي ‹‹سيرجي سالتيكوف››. عندما وضعت ‹‹كاترين›› ابنها ‹‹بول›› عام 1754، انتشرت إشاعة أن والد الطفل هو ‹‹سيرجي›› لا ‹‹بيتر››. وقد صدّقت ‹‹كاترين›› بنفسها على صحة هذه الإشاعة في مذكراتها، ووصل بها القول إن الإمبراطورة ‹‹إليزابيث›› كانت متواطئة في السماح بعلاقة ‹‹كاترين›› و‹‹سيرجي››. على أن مؤرخي اليوم يعتقدون أن ادعاءات ‹‹كاترين›› كانت مجرد محاولة لتشويه سمعة ‹‹بيتر››، والد بول الفعلي. إلا أن هناك قليل من الجدل حول أبوة ‹‹بيتر›› لأطفالها الثلاثة الآخرين، فيُعتقد أنه لم ينجب أيًا منهم.
تولت كاترين الحكم بعد انقلاب دموي تحول إلى مميت
توفيت ‹‹إليزابيث›› في يناير من العام 1762 ليتولى ابن أخيها العرش من بعدها حاملًا لقب ‹‹بيتر الثالث››، وتصبح ‹‹كاترين›› بذلك قرينة الملك. حاول ‹‹بيتر›› أن يضفي بصمة خاصة على بلاده، فأنهى الحرب الروسية مع بروسيا سريعًا، الأمر الذي لم يحظ بقبول كبير من الطبقة العسكرية الروسية. كما بدأ برنامج إصلاحات ليبرالية محلية يهدف إلى تحسين حياة الفقراء وعزل أعضاء طبقة النبلاء الأدنى، ولكن تحولت هذه الفصائل غير الراضية إلى جانب ‹‹كاترين›› التي كانت تخشى نوايا ‹‹بيتر›› بدورها، وبتصاعد التوترات، ترسخت خطة الإطاحة ب‹‹بيتر››. عندما كُشفت المؤامرة في يوليو 1762، تحركت ‹‹كاثرين›› سريعًا ورتبت لاعتقال زوجها بعدما حصدت دعم الفوج العسكري الأقوى في البلاد.
وفي التاسع من يوليو، وبعد ستة أشهر فقط من توليه منصب القيصر، تنازل ‹‹بيتر›› عن العرش لتصبح ‹‹كاترين›› الحاكم الوحيد للبلاد. على أي حال، إن ما بدأ كانقلاب أبيض سرعان ما تحول إلى مميت، ففي السابع عشر من يوليو توفي ‹‹بيتر››، ويحتمل أن ذلك تم بيد ‹‹أليكسي أورلوف›› شقيق ‹‹جريجوري›› عشيق ‹‹كاترين›› في ذلك الوقت. ورغم عدم وجود دليل على معرفة ‹‹كاترين›› بجريمة القتل المزعومة قبل حدوثها، فقد أضفت تلك الحادثة غموضًا على فترة حكمها منذ البداية.
واجهت كاترين أكثر من اثنتي عشرة انتفاضة في عهدها
بين انتفاضات مختلفة هددت حكم ‹‹كاترين››، كان أخطرها انتفاضة عام 1773 عندما تمردت مجموعة من القوزاق والفلاحين المسلحين بقيادة ‹‹إميليان بوجاتشيف›› على الظروف الاجتماعية، والاقتصادية القاسية لطبقة روسيا الأدنى، الأقنان. كما هو الحال مع العديد من الانتفاضات التي واجهتها كاثرين، شكك تمرد ‹‹بوجاتشيف›› في صحة حكمها. ادعى ‹‹بوجاتشيف›› وهو ضابط سابق في الجيش، أنه المخلوع (المعتقد بوفاته) ‹‹بيتر الثالث››، وبالتالي فهو الوريث الشرعي للعرش الروسي.
في غضون عام استقطب ‹‹بوجاتشيف›› آلاف المؤيدين واستولوا على مساحة كبيرة من الأراضي، بما في ذلك مدينة كازان. في البداية لم تكن ‹‹كاترين›› مهتمة بحركة التمرد هذه، لكنها سرعان ما ردت بقوة هائلة. ما اضطر أنصار ‹‹بوجاتشيف›› للتخلي عنه في النهاية في مواجهة قوة الجيش الروسي، ليتم القبض عليه وإعدامه علنًا في يناير 1775.
أن تكون من عشاق كاترين العظيمة يعطيك امتيازات هائلة
عُرفت ‹‹كاترين›› بولائها لعشاقها سواءً أثناء علاقتهم أو بعد انتهائها. فكانت تفارق دائمًا محتفظةً بعلاقات طيبة، ومنحتهم ألقابًا وأراضٍ وقصورًا وحتى بشرًا -منحت أحد عشاقها السابقين أكثر من ألف قنّ أو خادم متعهد.
لكن ربما لم يجن أحد فضلها أكثر من ‹‹ستانيسلاو بوناتوفسكي››، أحد عشاقها الأوائل ووالد أحد أطفالها. ارتبط ‹‹بوناتوفسكي›› النبيل البولندي ب‹‹كاترين›› (التي لم تكن تولت الامبراطورية بعد آنذاك) للمرة الأولى عندما خدم في السفارة البريطانية في سانت بطرسبرغ. وظلا مقربين حتى بعد فضيحة ناجمة جزئيًا عن علاقتهما أجبرته على الخروج من المحكمة الروسية. في عام 1763 وبعد فترة طويلة من انتهاء علاقتهما وبعد عام من وصولها إلى السلطة، نجحت ‹‹كاترين›› في تقديم دعمها (العسكري والمالي) لمؤازرة ‹‹بوناتوفسكي›› في جهوده ليصبح ملكًا لبولندا. ما جعل ‹‹كاترين›› وغيرها يعتقدون أنه سيكوم مجرد دمية للمصالح الروسية، لكنه بدأ وبمجرد تنصيبه على العرش سلسلة من الإصلاحات تهدف لتعزيز استقلال بلاده. فسرعان ما توتر ما كان رابطًا قويًا بين العاشقين السابقين، حيث أجبرت ‹‹كاثرين›› ‹‹بوناتوفسكي›› على التنازل عن العرش وقادت روسيا الجهود لتفكيك وحل الكومنولث البولندي الليتواني التي تم تشكيلها حديثًا.
كانت كاترين ترى نفسها حاكمةً مستنيرة
تميز عهد ‹‹كاترين›› بالتوسع الإقليمي الكبير، ما أضاف لخزائن روسيا إلى حد كبير ولكنه لم يخفف معاناة شعبها بشكل يذكر. حتى محاولاتها لإجراء إصلاحات حكومية غالبًا ما تعثرت بسبب البيروقراطية الروسية الواسعة. رغم ذلك، اعتبرت ‹‹كاترين›› نفسها واحدةً من أكثر حكام أوروبا استنارةً، ويتفق عديد من المؤرخين معها في ذلك. كما كتبت العديد من الكتب، والنشرات، والمواد التعليمية التي تهدف إلى تحسين نظام التعليم في روسيا. كانت أيضًا نصيرةً للفنون، حيث حافظت على مراسلات مدى الحياة مع ‹‹فولتير›› وعقول أخرى بارزة في ذلك العصر، وشكلت واحدة من أكثر المجموعات الفنية إثارة للإعجاب في العالم في قصر الشتاء بسانت بطرسبرغ (يعرف الآن بمتحف هيرميتاج/الإرميتاج الشهير)، حتى أنها جربت تأليف الموسيقا الأوبرالية.
عكس الأسطورة الشائعة.. ماتت كاترين موتًا طبيعيًا وهادئًا إلى حدٍ ما
نظرًا للسمعة الصادمة للإمبراطورة، ربما ليس من المستغرب أن يتبعها القيل والقال أينما ذهبت، حتى إلى القبر. بعد وفاتها في السابع عشر من نوفمبر عام 1796، بدأ أعداء ‹‹كاترين›› في المحكمة بنشر مختلف الشائعات حول أيامها الأخيرة. فادعى البعض أن الحاكمة القوية ماتت أثناء وجودها في المرحاض. وأخذ آخرون رواياتهم المروعة إلى أبعد من ذلك، مخلدين أسطورة استمرت لقرون: أن ‹‹كاترين››-التي كانت حياتها الشهوانية سرًا مكشوفًا- قد ماتت أثناء ممارسة الجنس مع حيوان، يُعتقد عادةً أنه حصان، وبالطبع لا صحة لهذه الإشاعة. على الرغم من أن أعدائها كانوا يأملون في نهاية فاضحة، إلا أن الحقيقة البسيطة هي أن ‹‹كاترين›› عانت ذات يوم من سكتة دماغية وتوفيت بهدوء في سريرها في اليوم التالي.
لاقى ابن كاترين الأكبر ذات مصير والده المروع
كانت علاقة ‹‹كاترين›› بابنها الأكبر ‹‹بول››علاقة شهيرة بتقلباتها، فقد أُبعد الصبي عن رعاية والدته بعد وقت قصير من ميلاده، وتربي بشكل أساسي على يد الإمبراطورة السابقة ‹‹إليزابيث›› ومجموعة من المعلمين. بعد توليها العرش، أبقت ‹‹كاترين›› ‹‹بول›› بعيدًا عن شؤون الدولة، خوفًا من أن يطاله الانتقام على خلع ‹‹بيتر الثالث›› وموته، ما أدى لعزل الصبي. نمت العلاقة بينهما شديدة السوء حتى أن ‹‹بول›› كان مقتنعًا في بعض الأحيان أن والدته تخطط لقتله. على حين لم يكن لدى ‹‹كاترين›› مثل هذه المخططات، وإنما فقط كانت تخشى كون ‹‹بول›› حاكمًا غير كفء، فبحثت عن بدلاء لولاية العهد.
وكمثل ‹‹إليزابيث›› مِن قَبلها، تحكمت ‹‹كاترين›› في تنشئة أبناء بول وتعليمهم، وسرت الشائعات أنها تنوي تنصيبهم ورثة للحكم متجاوزةً ‹‹بول››. في الحقيقة يعتقد أن ‹‹كاترين›› كانت تنوي فعل ذلك بشكل رسمي في أواخر عام 1797، لكنها توفيت قبل أن تتمكن من القيام بذلك. وخوفًا من أن تتضمن وصية والدته أحكامًا تنص على ذلك، صادر ‹‹بول›› وصية والدته قبل نشرها على الملأ. كان ‹‹أليكسندر››، الابن الأكبر ل‹‹بول››، على علم بمخططات جدته لكنه رضخ للضغط فلم يقف في طريق والده. وبالفعل أصبح بول قيصرًا، لكنه سرعان ما حقق مخاوف ‹‹كاترين››، فكان غير منتظم ولا يحظى بشعبية كبيرة، ليتم اغتياله بعد خمس سنوات من حكمه، ويتولى ابنه ‹‹أليكسندر›› البالغ من العمر ثلاثة وعشرين عامًا آنذاك مقاليد السلطة، حاملًا اسم ‹‹أليكسندر الأول››.