في الأول من مارس 1953م، وبعد مأدبة عشاء حضرها مجموعة من أكثر الرجال سلطةً ونفوذًا في الإتحاد السوفيتي، تبعتها سهرة أمام أحد أفلام رعاة البقر التي يهواها ستالين، سقط الرجل الحديدي، الرجل الذي هزم ألمانيا النازية مغشيًا عليه في بركة من بوله، ليُحمل بعدها من مكتبه، حيث استقر إلى أريكة في غرفة مجاورة، وبعدها بيوم، حينما تمكن أخيرًا مساعدوه من إيجاد أطباء -لم يعدمهم ستالين في حملته التطهيرية الأخيرة- ليفحصوا حالة الزعيم الغائب عن الوعي، ولكن لم يفلح أيهم في مساعدته؛ ليتوفى جوزيف ستالين بعدها بثلاثة أيام بادئًا بذلك مرحلة جديدة من المؤامرات والمؤامرات المضادة بين مساعديه السابقين من أجل الاستئثار بالسلطة وإقصاء الطرف الآخر من الحكم، تلك باختصار هي حبكة الفيلم الإنجليزي الكوميدي «The Death of Stalin»، الذي يروي -كما يوحي عنوانه- قصة الساعات الأخيرة في حياة الدكتاتور السوفيتي الأشهر «جوزيف ستالين»، والأسابيع التي تلت وفاته متتبعًا، وفي إطار هزلي صراع السلطة الذي نشب بين معاوني ستالين المقربين وكيف أدى هذا إلى تشكيل مستقبل تلك البلاد لمدة تقرب من النصف القرن.
ولكنّ القارئ لهذه السطور قد ضغط على المقالة متوقعًا سردًا معلوماتيًا للأحداث التي وعد بها العنوان -وهو ما سيأتي دوره بالطبع- فما علاقة فيلم كوميدي-والذي أنصح بمشاهدته بشدة بالمناسبة- أيًا كانت جودته بهذا الغرض؟ والحقيقة أن الإجابة هنا تكمن في أن وصف الفيلم بأنه هزلي أو من وحي خيال كاتبه بالكامل ربما تنقصه الدقة؛ فببحث بسيط يتضح أن أغلب أحداثه، حتى ما يبدوا منها إنه غارق في الخيال والسريالية قد وقع بالفعل بشكل أو بأخر، وعند هذه النقطة ينبغي أن نتوقف ونسأل بعض الأسئلة التي لم يجبها الفيلم بالشكل الكافي، كيف صعد فلاح فقير من أحد أقاليم جورجيا ليصبح أحد أقوى الرجال وأكثرهم دموية في التاريخ المعاصر؟ وما نوع الأشخاص الذين أحاط بهم نفسه ليتقاسم هؤلاء إرثه المشبع بالدماء بعد وفاته، وأخيرًا، كيف كان موت ستالين غريبًا إلى الحد الذي جعل من فيلم ساخر أقرب إلى كونه وثائقيًا منه إلى الكوميديا؟
غالبًا ما يقُال أن السينما هي واقعنا إذا تحرر من بعض القيود، ولكن تلك القصص التي وقعت في روسيا الشيوعية في خريف عام 1953م وما قبله والتي يرويها الفيلم مع بعض التعديلات، تجعلنا نتساءل عن الحد الفاصل بين الواقع والخيال في تلك الأنظمة الدكتاتورية التي ينتحر فيها المنطق جاعلًا السينما بكل خيالها وجموحها نسخة معتدلة لواقع هزلي، تلك القصص والأحداث نروي خلفياتها التي تحدث عن بعضها الفيلم في هذا المقال.
السنوات الأولى.. جوزيف ابن الإسكافي
أحد القواعد الأساسية التي يتبعها المؤرخون وعلماء السياسة عند دراستهم للدوافع الكامنة وراء القرارات التي يصدرها الزعماء والقادة عبر مسيراتهم الحافلة هي النظر إلى تاريخ هؤلاء الأفراد وظروف نشأتهم المبكرة، وفي كثير من الأحوال يتضح من تلك الدراسة أن كثير-إن لم يكن جُلّ- القرارات والسياسات التي يتبعها هؤلاء الزعماء تجد جذورها في موقف أو عدة مواقف تعرضوا لها أثناء مسيرة حياتهم قبل المنصب، وجوزيف ستالين لم يكن استثنائًا لتلك القاعدة.
يمكن وصف سنوات حياة ستالين الأولى بأوصاف كثيرة لكن السعادة ليست إحداها، وُلد «جوزيف بيساريو جوغاشفيلي» في 18 ديسمبر 1878م في مدينة جوري شرق جورجيا، والتي كانت في ذلك الوقت جزءً من الإمبراطورية الروسية، ولم يكن المكان ولا الزمان الذي وُلد فيهما ستالين حينها هما الأفضل في العالم، بل على النقيض من ذلك، فقد وُلد ستالين الأبن الثالث لوالدين فقدا طفليهما السابقين بسبب الأمراض، الأب إسكافي (صانع ومصلّح أحذية) والأم تعمل فلاحة.
كان النظام الاجتماعي السائد وقتها في الإمبراطورية الروسية هو النظام الإقطاعي، وفي ظله عاش الملايين من رعايا الإمبراطورية ومن ضمنهم عائلة ستالين في وضع يشبه العبودية المقننة، حيث كان الفلاحون يجبرون على العمل في أراضي كبار الملاك بمقابل زهيد وأحيانًا من أجل الغذاء فحسب، وبطبيعة الحال كانت ظروف هؤلاء الفلاحين وعائلاتهم في غاية السوء وخاصة من الناحية الصحية، فقد كانت معدلات الوفاة عالية في صفوفهم، وأما منزل عائلة جوغاشفيلي نفسه فكانت الأمور فيه أكثر سوءًا؛ حيث كان بيساريو الاسكافي مدمنًا للكحول، دائم التعدي بالضرب على زوجته وابنه جوزيف، واستمر هذا إلى أن قرر الأب السكير في يوم ما أن يهجر عائلته ويرحل حارمًا إياهم بذلك من مصدر إعالتهم الرئيسي. وعندما بلغ جوزيف سن الحادية عشر أرسلته والدته للمدرسة الأرثوذكسية على أمل أن يصبح كاهناً، وهناك بدأ جوزيف في كتابة الشعر وقراءة كتابات هوجو وماركس.
كان التحول الكبير التالي في حياة ستالين هو انضمامه لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي وهو الحزب الذي سيصبح لاحقًا الحزب البلشفي بعدما أُعجب بكتابات ثوريٍ متحمس يُدعى «فلاديمير لينين» وحينها قرر جوزيف جوغاشفيلي ترك دراسته الدينية والانخراط بشكل كامل في العمل الثوري.
سنوات الثورة والحرب
بعد أن تخلي عن دراسته الدينية، حصل جوزيف على عدة وظائف،من كاتب في مركز للأرصاد الجوية في تبليسي عاصمة جورجيا، حيث قام بتحريض العمال على الإضراب لزيادة الأجور، ولكنه ما لبث أن لفت انتباه شرطة القيصر السرية فهرب غربًا ليحصل على وظيفة عامل في مصفاة للنفط وهناك كرر جوزيف ما فعله في تبليسي ولكن الشرطة السرية قبضت عليه هذه المرة وتم نفيه إلى سيبيريا والتي لم يمكث فيها أقل من شهر حيث تمكن من الهروب والعودة إلى تبليسي وواصل نشاطاته الثورية ضد القيصر.
لفت نشاط ستالين أنظار رفاقه من البلاشفة؛ فتم اختياره ليمثل بلاشفة جورجيا في المؤتمر البلشفي العام في القوقاز عام 1906م، وهناك التقى ستالين بقدوته لينين للمرة الأولى ليستمر بعدها إلى جواره حتى وفاة الأخير، وفي هذه الفترة كان من الشائع أن يتبني الثوريون أسماءً كودية يعملون تحتها، حينئذ قرر جوزيف جوغاشفيلي التخلي عن اسم والده الذي يبوح بأصله الجورجي وأن يختار أسمًا أخر روسي الطابع، كان هذا الاسم هو جوزيف ستالين (Stalin) أي الرجل الحديدي.
خلال السنوات التالية أسس ستالين جريدة البرافدا أي جريدة الحقيقة، لتكون صوتًا للبلاشفة، وفيها نادى أيضًا بنبذ الخلافات مع الفرع الأخر من الحزب الشيوعي «الملاشفة» والتركيز على مقاومة السلطة الحاكمة، ولكن في هذا الوقت ومع بدء الحرب العالمية الأولى، بدأت الشرطة القيصرية في محاصرة البلاشفة والقبض على قاداتهم فأضطر لينين إلى الهرب خارج البلاد وتم القبض على ستالين ونفيه إلى سيبيريا مرة أخرى، ولكن تمامًا كما حدث من قبل فقد تمكن من الهرب بعد فترة قصيرة، وعاد ليتولى قيادة الحزب البلشفي في غياب لينين.
في هذه الأثناء كانت الأوضاع تتدهور بسرعة في الإمبراطورية الروسية؛ فعلى الجبهة خسر الروس ملايين الرجال واضطروا لتوقيع هدنة مذلة مع الألمان انتهت بانسحابهم من الحرب بعد أن احتل الألمان أجزاء واسعة من أراضي الإمبراطورية، أما داخليًا، بدا أن البلاد على شفا مجاعة كبرى وخصوصًا مع عودة الملايين من الجنود المحطمين من الجبهة والذين أضافوا عبئًا جديدًا من أجل إطعامهم وتشغيلهم، وعندما اندلعت المظاهرات المنددة بحكم القيصر أدرك البلاشفة أنه الوقت المناسب للتحرك، فقاد ستالين قوات البلاشفة واقتحم قصر الشتاء مقر الحكومة الروسية واستولى الشيوعيون على السلطة.
على الفور بعد استيلاء الشيوعيين على السلطة، عادت الانشقاقات تظهر بين البلاشفة والملاشفة، والتي زادها تأييد بقايا النظام القيصري والدول الغربية للجناح الملشفي، وصلت الأمور حد اللاعودة لكي تنطلق الرصاصات الأولى وتبدأ مسيرة الحرب الأهلية الروسية الدامية، خلال الحرب ازدادت قوة ستالين فأصبح أحد قادة الجيش البلشفي بالإضافة إلى كونه أحد ثمانية عينهم لينين وهم أعضاء المكتب السياسي الأعلى للحزب الشيوعي، وخلال الحرب تمكن ستالين من إحراز عدة انتصارات هامة ساهمت في انتصار البلاشفة في النهاية، كان أحد أبرز تلك الانتصارات عندما تمكن من تأمين مدينة «تساريتسين» على نهر الفولغا والتي تتحكم بإمدادات النفط والحبوب نحو موسكو، لاحقًا عندما تولى ستالين السلطة تغير اسم المدينة إلى «ستالينغراد» أو مدينة ستالين.
بانتهاء الحرب الأهلية عام 1923م أصبح للشيوعيين البلاشفة السيطرة المطلقة على البلاد التي أعادوا تسميتها لتصبح «الإتحاد السوفيتي»، وتولي لينين رئاسة الدولة الوليدة، غير أن الحفاظ على السلطة أصعب من الحصول عليها، وهي حقيقة لم يستطع الثوري القديم الإفلات منها، ففي عام 1922م أُصيب لينين بجلطته الأولى نتيجة رصاصة عجز الأطباء عن إزالتها من لوح كتفه قبل عامين، وهى الجلطة التي تركته شبه قعيد في منزله، وأصبح ستالين هو صلة لينين الوحيدة بالحزب والبلاد وسرعان ما بدأ ستالين في التعبير عن آراء مخالفة لرؤية لينين الأصلية في إدارة الإتحاد السوفيتي، حاول لينين انتقاد سياسات ستالين الجديدة بل أنه قام في آخر أيامه بكتابة رسالة رسمية لقيادة الحزب تندد بستالين وتطالب بعزله، غير أن لينين لم يعش ليرى رغبته تتحقق حيث أصيب الرجل الذي أسقطت كلماته القيصر بعدة جلطات متتالية لم يتحملها جسده المرهق ليموت في 21 يناير 1924م.
لم يترك ستالين مجالًا لغيره للقيام بأي عمل قد يهدد مخططاته، وبمجرد وفاة لينين صدّر ستالين نفسه كتلميذ لينين ورفيقه الأشد تمسكًا بمبادئه وتحت هذا الزعم تحرك للإطاحة بمنافسيه على زعامة الإتحاد السوفييتي عن طريق التحالف مع بعضهم وضمهم إلى صفه والإطاحة بمن يقف في طريقه إما بالرفد من الحزب أو النفي أو القتل، وهكذا انفرد ستالين بالسلطة بشكل مطلق ليبدأ عهد أحد أشد النظم شمولية وسلطوية في التاريخ الحديث.
سنين السلطة.. جوزيف ستالين الرجل الحديدي
خلال سنوات حكمه الأولى بذل ستالين جهده من أجل إظهار نفسه في صورة التابع المخلص لتعاليم لينين، ولكن بمجرد أن تمكن من تعزيز قبضته على السلطة بدأ ستالين في تطبيق سياساته الخاصة، هَدَف ستالين إلى تحويل الإتحاد السوفيتي إلى قوة اقتصادية عظمى وهو ما كان يعني بالنسبة له إعادة هيكلة الزراعة والصناعة في البلاد بشكل كامل، ففي قطاع الزراعة أعاد ستالين فكرة التعاونيات الزراعية، فتم إجبار الملايين من المزارعين الروس على الانتقال للعمل في مزارع جماعية في حين تعرض كبار ملاك الأراضي للقتل أو النفي، في نهاية المطاف تسببت تلك السياسة في حدوث مجاعة كبرى راح ضحيتها الملايين، وخصوصًا في أوكرانيا حيث قضت المجاعة على نحو 10 ملايين أوكراني.
وكانت الصناعة ثاني أهداف ستالين، وفي عام 1931م أعلن ستالين أن الإتحاد السوفييتي متأخر بقرن من الزمان على الأقل عن بقية الدول الكبرى وأن هذه الفجوة الصناعية يجب تجاوزها خلال عشر سنوات فحسب، في سبيل ذلك تقرر بناء عشرات المصانع والمدن الجديدة، ولتحفيز العمال من أجل زيادة الإنتاج كانت المصانع تضع حصصًا إنتاجية يجب على العمال الوصول إليها خلال مدة محددة وكان الفشل في بلوغ هذه الحصص أو التخلف في مواعيد الإنتاج يقابل بالنفي أو بالإعدام، وفي أحيان أخرى كان يتم القبض على مديري تلك المصانع التي تتخلف وإجبارهم على الاعتراف بجرائم مثل التآمر من أجل تعطيل الإتحاد السوفيتي قبل أن يتم إعدامهم أو نفيهم من أجل إخافة البقية، وبرغم كل ذلك فقد نجح سياسات ستالين الراديكالية في جعل الإتحاد السوفييتي ثاني قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة.
بحلول العام 1934م، بدا لكثير من السوفييت أن الجزء الأسوأ في حكم ستالين كان قد مر ولكن سريعًا ثبت خطأ هذا الاعتقاد عندما اُغتيل أبرز منافسي ستالين المحتملين على السلطة داخل الحزب وهو «سيرجي كيروف»، وسريعًا تم القبض على زوجة سيرجي ووالدته وإعدامهم بتهمة اغتياله، كانت تلك بداية سلسلة طويلة ودموية من حملات الاعتقال والنفي والإعدام عُرفت باسم «التطهير الكبير – The Great Purges». خلال تلك الفترة وضع ستالين- كما فعل مع عمال المصانع- حدًا أدنى للاعتقالات تلتزم به كل مناطق البلاد، مع تشجيع كل منطقة على التفوق على غيرها في عدد الاعتقالات، طالت تلك الاعتقالات جميع الفئات ولم تنجُ منها حتى قيادات الجيش وهو ما نتج عنه انخفاض عدد القادة الأكفاء في الجيش السوفييتي الأمر الذي سيظهر أثره بشكل جلي في بداية الحرب العالمية الثانية.
بدأ الغزو الألماني للاتحاد السوفيتي في 22 يونيو 1941م، وفي غضون بضعة أشهر كانت القوات الألمانية على بعد أربعين كيلومترًا فقط من قلب موسكو. قبل الحرب لم يكن ستالين يتوقع مثل هذا الهجوم خصوصُا بعد أن وقع معاهدة عدم اعتداء سرية مع هتلر، وعندما أصبحت القوات الألمانية على وشك دخول موسكو أُصيب ستالين بحالة من الاكتئاب وقرر الانعزال في مكتبه متوقعًا أن ينقلب عليه قادته في أي لحظة، ولكن على عكس ما توقع ستالين تقدم إليه كبار رجال الحزب طالبين منه العودة وقيادة البلاد للنصر.
عاد ستالين ليدير الحرب والدفاع ضد ألمانيا النازية وأعلن أنه لابد من هزيمة النازيين بأي ثمن ولو استلزم الأمر التضحية بملايين الروس، مصدرًا قراره باعتبار أي جندي ينسحب أو حتى يقع أسيرًا في أيدي الألمان خائنًا يتم إعدامه أو إرساله للعمل في معسكرات للاعتقال، وعندما قبض الألمان على أبن ستالين «ياكوف ستالين» وحاولوا مبادلته بعدد من الأسرى الألمان فجاء رد ستالين بأنه ليس لديه أبناء بهذا الاسم ليقوم الألمان بإعدام ياكوف رميًا بالرصاص، استمرت الحرب لمدة ثلاث سنوات بعد ذلك تمكن خلالها السوفيت من تحقيق الانتصار على الألمان ولكن بثمن باهظ قارب الـ 26 مليون قتيل، رغم ذلك خرج الإتحاد السوفيتي من الحرب كالقوة العظمى الوحيدة في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، بعد الحرب تعهد ستالين بأنه لن يسمح بأن يتعرض الإتحاد السوفيتي لمثل هذا التهديد مجددًا فقام بمد بنفوذه على دول أوروبا الشرقية مطبقًا فيها نفس السياسات الشمولية التي نفذها في الإتحاد السوفيتي عن طريق مجموعة من الحكومات الموالية له ليُأجج بذلك الصراع الطويل المعروف بالحرب الباردة.
ازدادت شعبية ستالين في الإتحاد السوفييتي بشكل كبير بعد الحرب، لكن رغم ذلك زاد من ارتياب ستالين وعادت حملات التطهير مرة أخرى، وتم اعتقال ملايين الجنود العائدين من الحرب بالإضافة إلى قادتهم خوفًا من أن يشكلوا نواة لأي انقلاب عسكري محتمل ضد حكم ستالين، وفي بدايات عام 1953م بدأ ستالين في التخطيط لحملة تطهيرية كبرى أوسع نطاقًا من سابقتها، وهذه المرة قرر البدء بمجموعة من الأطباء الكبار -كان معظمهم يهودًا- في موسكو، وتم إعداد قوائم طويلة من الأسماء تمهيدًا للبدء في حملة الاعتقالات ولكن لم يتسن لستالين التوقيع على هذه القوائم قط؛ ففي الأول من مارس 1953م سقط ستالين في غيبوبة عميقة نتيجة إصابته بنزيف دماغي، ورغم أن حارساه الشخصيين سمعا صوت ارتطام جسده بالأرض إلا أن أي منهما لم يجرؤ على اقتحام غرفة الزعيم ليظل جسد ستالين ممددًا على الأرض طوال الليل.
وخلال الأيام التالية عانى مساعدو ستالين في إيجاد طبيب كفؤ لم يتم اعتقاله بعد لتكون أخر أعمال ستالين واحدة من أسباب موته وفي 5 مارس 1953م، وبعد أن استفاق من غيبوبته لعدة دقائق، أغلق الرجل الحديدي عينيه للمرة الأخيرة، ليبدأ بعدها صراع على السلطة بين رجاله انتهى بسيطرة «ميخائيل غورباتشوف» أحد أقرب رجال ستالين على السلطة في عام 1956م، لتكون أحد أولى أعمال القائد الجديد هي إدانة كل أعمال ستالين أمام الحزب محطمًا هالة القداسة والخوف المحيطة بالزعيم الراحل، وفي أكتوبر 1961م تم نقل جثمان ستالين من مرقده في ضريح لينين ليتم دفنه في قبر صغير تخفيه الأشجار بجوار سور الكرملين.
إن حياة ستالين وموته مليئة بعشرات القصص الأخرى التي لا يسع المجال لذكرها هنا، وتظل سيرته الطويلة حقلًا خصبًا ومستمرًا للدراسة والجدل حول رجل استطاع حفر اسمه في التاريخ بالعرق والنار والدم.
إعداد: محمد عزام
مراجعة علمية: عمر بكر
تدقيق لغوي: مريم سمير
تحرير: سامح منصور
المصادر
- جوزيف ستالين، الموسوعة البريطانية. https://www.britannica.com/biography/Joseph-Stalin
- القصة الحقيقية لموت ستالين. https://www.smithsonianmag.com/history/true-story-death-stalin-180965119/
- الحقيقة والخيال في فيلم «موت ستالين». https://slate.com/culture/2018/03/whats-fact-and-whats-fiction-in-the-death-of-stalin.html