عند ذكر كلمة الذهب يتبادر إلى الذهن الجمال والقيمة، وهذه الصور مستمدة من خاصيتين للذهب لونه وثباته الكيميائي، حيث يُعلل لون الذهب إلى التركيب الإلكتروني لذرة الذهب، بينما يعتمد الثبات الكيميائي للذهب على عدم الاستقرار النسبي لمركبات المعادن الأخرى، وهي خاصية تسمح بتكرير الذهب عن طريق أكسدة المعادن الأخرى ثم فصلها عن الذهب المذاب .⁽¹⁾

يتم إذابة الذهب بسهولة في عدد من المذيبات مثل حمض الهيدروكلوريك والمحاليل المخففة من سيانيد الصوديوم بسبب تكوين أيونات معقدة مستقرة للغاية. ⁽¹⁾

تاريخ الذهب

يمتد تاريخ الذهب إلى ما لا يقل عن (6000) عام، وهو من أقدم الاكتشافات في مصر وبلاد الرافدين، حيث تظهر النقوش الجدارية المصرية الذهب في مراحل مختلفة من التكرير، المٌستخرج من الطمي ورمال النهر، حيث تُغسل رمال النهر الخفيفة بالماء، تاركة وراءها جزيئات الذهب الثقيلة، والتي يمكن بعد ذلك تركيزها عن طريق الذوبان. ⁽¹⁾

اكتُشفت رواسب ذهب كبيرة خلال أوائل القرن الثامن عشر في البرازيل وعلى المنحدرات الشرقية لجبال الأورال في روسيا، كما عُثر على رواسب نهرية  في سيبيريا في عام 1840 . ⁽¹⁾

اكتُشف أكبر منجم للذهب في التاريخ في (Witwatersrand) بجنوب أفريقيا في عام 1886، حيث أنتج (25%) من الذهب في العالم بحلول عام 1899 و(40%) بحلول عام 1985، وتزامن ذلك مع اختراع طريقة السيانيد. ⁽¹⁾

خامات الذهب

يتشكل خام الذهب في بيئتين إحداهما خارجية على سطح الأرض، والأخرى داخل الأرض، حيث أن أشهر الخامات الخارجية هي الذهب النهري (Alluvial gold) الموجود في مجرى الأنهار، ويتكون عادة من جزيئات دقيقة جدًا، ويتشكل من خلال أعمال التجوية وتغير درجات الحرارة على الصخور التي تحتوي على الذهب. ⁽¹⁾

تشمل خامات الذهب داخلية المنشأ تحت سطح الأرض رواسب على شكل أوردة من الذهب مع (الكوارتز- Quartz) أو الكوارتزيت ومعادن مختلفة من كبريتيد الحديد، خاصة (البايرايت- Pyrite) و(البيروتيت- Pyrrhotite).
(1)

يتواجد الذهب في سبيكة (Electrum) وهي عبارة عن سبيكة ذهبية فضية تحتوي على (20% – 45%) من الفضة، وهي تتراوح من الأصفر إلى الأبيض الفضي في اللون وعادة ما ترتبط مع الرواسب المعدنية ككبريتيد الفضة.⁽¹⁾

يتواجد الذهب أيضًا مع مركبات عنصر (التيلوريوم- Tellurium) مثل (كالافيرايت- Calaverite) و(سيلفانيت- Sylvanite)، بينما المعادن الأخرى للذهب نادرة بما فيه الكفاية لأنها ذات أهمية اقتصادية قليلة. ⁽¹⁾

استخراج الذهب

مرحلة تعدين وتجهيز خام الذهب

يأتي معظم خام الذهب إما من مناجم مفتوحة أو مناجم تحت الأرض، وتحدد طبيعة الخام طريقة التعدين والمعالجة، وغالبًا ما تكون رواسب الخام منخفضة الدرجة من (3 – 10) أجزاء لكل مليون، بحيث تكون عملية المعالجة مكلفة اقتصاديًا، في هذه الحالة؛ يتم تفجيرها بالمتفجرات ثم تجميعها في أكوام تصل أحيانًا إلى مئات الأمتار ثم يتم معالجتها بطريقة السيانيد. ⁽¹⁾

أما الرواسب النهرية فهي عادةً ما تستخدم طريقة الجاذبية، حيث يتم تمرير الخليط خلال مرشحات والتي تحتفظ بجزيئات الذهب الأكثر كثافة بينما تسمح بمرور الرمال والحصى الأقل كثافة. ⁽¹⁾

تحتوي الرواسب داخلية المنشأ غالبًا على الذهب مع كبريتيد معدن آخر، ويتم استخراج هذه الرواسب وتكسيرها، ثم يتم تركيزها أولًا عن طريق الجاذبية لاستعادة الجزيئات الخشنة من الذهب، ثم يتم تعريضها للتعويم الرغوي لتركيز الجزء الذي يحتوي على الذهب، ويتم العثور على الذهب بمفرده أو مخلوطًا بالزئبق أو الفضة، وعادة ما يتم غسل الخام وتصفيته في المنجم، ثم إرساله إلى المطحنة، حيث يتم طحن الخام إلى جزيئات أصغر مع الماء، ثم يتم طحنه مرة أخرى لمزيد من سحق الخام. ⁽¹⁾

مرحلة تركيز الذهب

طريقة الدمج (Amalgamation)

الذهب قابل للذوبان في الزئبق، وعندما يتم ملامسة جزيئات المعدن مع الزئبق يتم تشكيل سبيكة تسمى (الخليط – Amalgam)، حيث يتم استغلال هذه الظاهرة من أجل تركيز الذهب.

يتم الدمج عن طريق تمرير الخام على ألواح نحاس مغطاة بالزئبق في وعاء أسطواني أو مخروطي، أو عن طريق طحن الخام ثم إضافة الزئبق مع الطحن حتى يذوب الذهب في الزئبق. ⁽¹⁾

ثم يتم فصل الخليط الأكثر كثافة عن الخام، ويتم الترشيح والغسيل لإزالة الشوائب، بينما يتم تسخين الخليط لتقطير الزئبق لإعادة استخدامه. ⁽¹⁾

على الرغم من أن عملية الدمج لا تزال تمارس على نطاق واسع في تنقية الذهب، إلا أن هناك خطورة بسبب الزئبق على صحة العمال والبيئة. ⁽¹⁾

طريقة السيانيد (Cyanidation)

تعتبر هذه الطريقة الأكثر شيوعًا حيث يتم استخدامها لفصل الذهب عن الشوائب بالسانيد عن طريق وضع الخام في خزان يحتوي على محلول من السيانيد ويضاف إليه الزنك، ويؤدي الزنك إلى تفاعل كيميائي يفصل الذهب عن الخام، ثم تتم إزالة الذهب بمرشح. ^{(1) (2)}

يوجد أيضًا طريقة الكربون، حيث يتم خلط الخام بالماء قبل إضافة السيانيد، ثم يضاف الكربون، ويتم وضع جزيئات الكربون والذهب في محلول كربوني، فيتم فصل الذهب. ^{(1) (2)}

طريقة التعويم (Flotation)

تعتمد ميكانيكية هذه الطريقة على تغيير طبيعة الخام من (محب للماء -hydrophilic) بمعنى أنه يغطس في الماء إلى (كاره للماء- hydrophobic) بمعنى أنه لا يغطس في الماء، وذلك باستخدام عامل مساعد على سطحه يسمى المجمع (collector)، حيث يغير من طبيعته ويجعلة كاره للماء ومن ثم يتم ضخ هواء من خلال الأنابيب فيتم تكوين فقاعات في الماء وتصعد هذه الفقاعات إلى السطح وتأخذ معها حبيبات الذهب الكارهة للماء ومن ثم يتم جمعها لتكوين خام نظيف من الشوائب. ^{(1) (2)}

مرحلة تنقية الذهب

يحتوي الذهب الُمستخرج عن طريق الدمج أو السيانيد على مجموعة متنوعة من الشوائب مثل الزنك، والنحاس، والفضة، والحديد، ولفصل الذهب عن الشوائب والمعادن الأخرى عادةً ما يتم استخدام طريقتين للتنقية: ^{(1) (2)}

طريقة  (فولويل- Wohlwill)

طور الدكتور إميل فولويل في عام 1874 طريقة لتنقية الذهب من خلال التحليل الكهربائي، حيث تستخدم شريط الذهب الخالص بنسبة (95%) كأنود وصحائف صغيرة من الذهب الخالص عيار 24 قيراط كاثود، يمر التيار عبر النظام الذي يستخدم حمض الكلوريك، ويتجمع الذهب الخالص على الكاثود، والذي يمكن بعد ذلك صهره أو معالجته. ^{(1) (2)}

تزيد هذه الطريقة من درجة النقاء إلى حوالي (99.99%)، وعلى الرغم من أنها  تنتج ذهبًا عالي النقاء، إلا أنها تتطلب الاحتفاظ بمخزون كبير من الذهب، وهذا مكلف للغاية.^{(1) (2)}

طريقة  (ميلر- Miller)

ابتكر فرانسيس بوير ميلر هذه الطريقة وهي قادرة على تكرير الذهب إلى نقاء بنسبة (99.95%)، حيث يتم تمرير غاز الكلور من خلال الذهب المصهور، مما يتسبب في تحول الفضة والمعادن الأساسية الأخرى الصلبة وتطفو إلى الأعلى حيث يتم كشطها. والنتيجة هي ذهب خالص، والذي يتم بعد ذلك تكريره كهربائيًا لإزالة البلاتين والبلاديوم. ^{(1) (2)}

تواجد الذهب

الذهب واسع الانتشار بتركيزات منخفضة في جميع الصخور البركانية، وتقدر وفرة في قشرة الأرض بنحو (0.005) جزء في المليون.

كانت الصين في أوائل القرن الحادي والعشرين رائدة على مستوى العالم في إنتاج الذهب، وخلال هذه الفترة، واصلت أستراليا، والولايات المتحدة، وروسيا، وكندا، وجنوب أفريقيا أيضًا توفير كميات كبيرة من المعدن الثمين. ⁽¹⁾

يوجد (50%) من احتياطي العالم من الذهب في جنوب أفريقيا، ومعظم البقية مقسمة بين روسيا، وكندا، وأستراليا، والبرازيل، والولايات المتحدة. ⁽¹⁾

الذهب في مصر

تُعد الصحراء الشرقية هي المنطقة الرئيسية لاستخراج الذهب فى مصر، وتتمثل فى جبل السكري ومنطقة حمش ووادي العلاقي، حيث يتواجد في مصر بنسبة (70%) في الجنوب وبالتحديد في حلايب، وشلاتين، ومرسى علم، وسلسلة جبال البحر الأحمر، وغارب. والـ(30%) الأخرى منتشرة في الصحراء الشرقية في مناطق غارب، وجبل الزيت، ومداخل البحر الأحمر، ويتم أيضًا البحث في مناطق أم عود، وعتود، والبراميا، وحنجيلية، وأم الروس.⁽³⁾

يعد منجم السكري من أشهر المناجم المتواجدة فى الوقت الحالي والذي اكتُشف عام 1995، فيما تم بدء العمل فيه عام (2009)، حيث يقع في منطقة جبل السكري الواقعة في الصحراء الشرقية 30 كيلو متر جنوبي مرسى علم. ⁽³⁾

إعداد: محمد خميس بركي.

مراجعة علمية: الحسين ابراهيم.

مراجعة لغوية: حمزة مطالقة.

تحرير: هدير جابر.

المصادر:-

1- Gold processing [Internet]. Encyclopedia Britannica. [cited 2019 Sep 19]. Available from: https://www.britannica.com/technology/gold-processing

2- Marsden J, House I. The Chemistry of Gold Extraction. SME; 2006. 688 p.  Available from https://books.google.com.kw/books?id=OuoV-o_Xf- EC&printsec=frontcover&dq=gold+extraction&hl=ar&sa=X&ved=0ahUKEwimqdHdltfkAhWB2aQKHbpuDfsQ6AEIKDAA#v=onepage&q=gold%20extraction&f=false      

3- Nagy S, Botros NS. A new classification of the gold deposits of Egypt. Ore Geology Reviews – ORE GEOL REV. 2004 Mar 7;25. Available from https://www.google.com/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=1&cad=rja&uact=8&ved=2ahUKEwid0KCi697kAhUL6OAKHSSmD_AQFjAAegQIARAC&url=http%3A%2F%2Fwww.utdallas.edu%2F~rjstern%2Fegypt%2FPDFs%2FGeneral%2FBotrosGoldOGR04.pdf&usg=AOvVaw1M3cNzOMy2JdFdA_o0I8ya