يعتبر دير كلوني الذي يقع في جنوب مقاطعة برجندي بفرنسا موطنًا لأكبر كنيسة للمسيحية، فبعد بدايته المتواضعة كهيكل بسيط وصغيرٍ نسبيًا، سرعان ما نمى هذا الموقع ليصبح في العصور الوسطى أكبر كنائس المسيحية وأكثرها قيمة دينية لمدة تجاوزت المائتي عام، وحوى هذا الدير فيما بعد تجمعًا من المباني السكنية والدينية لخدمة الرهبان والراهبات الذين كان يجمعهم نظام ديني محدد ينظم حياتهم داخل الدير.
احتفظ هذا الدير بنصيبه الكبير من الألغاز التاريخية كما أثبتت الدراسات الأثرية الحديثة، فقد اكتشف الباحثون كنزًا حقيقيًا من العملات الفضية والذهبية يحوي حوالي 2200 عملة مخبأة في المستوصف القديم المرفق بالدير، بما فيها بعض العملات الإسلامية التي يعود تاريخها إلى القرن الـ12 الميلادي.
ومن المثير للاهتمام أن هذا المستوصف كان معرضًا للهدم في القرن الثامن عشر الميلادي وفقًا لما أورده الباحثون في المركز الوطني للبحوث الوطنية بفرنسا، وأن فرصة بقاء المستوصف على قيد الحياة كانت معدومة لولا بقاؤه على بعد سنتيمترات من موقع الهدم، تلك الفرصة التي انتهت باكتشاف ذلك الكنز في القرن الحادي والعشرون، وقد حوي هذا الكنز حوالي 2200 قطعة من الفضة بالإضافة إلى 21 قطعة من الدينار الذهبي الإسلامي وخاتم من الذهب يظهر عليه نقش لأحد الآلهة الرومانية وتمثال صغير من الذهب.
وحسب ما أفاد به علماء الآثار فكل ما تم اكتشافه يعتبر سابقة من نوعها من حيث اكتشاف عملات إسلامية من الذهب والفضة في نفس المكان مع خاتم روماني من الذهب، وتجدر الإشارة إلى أن دير كلوني في عصوره الوسطى كان يتمتع بشبكة من الأديرة والهياكل المعمارية المحيطة به والتي لم يتم اكتشاف العديد منها في العصر الحديث، لذا قرر علماء الآثار تخصيص مشروع أثري خاص بهذا الدير، وخلال عملية الحفر اكتشف أحد طلاب الماجستير إحدى هذه العملات في طبقة من طبقات الحفر، توالى بعدها العثور على باقي العملات يدويًا في باقي الطبقات.
وبالنسبة إلى أصل هذه العملات المكتشفة؛ فقد كان الباحثون على دراية كاملة بتلك الشهرة التي تمتع بها دير كلوني في سك العملات الخاصة به منذ القرن الـ11 الميلادي، تلك الشهرة التي ارتبطت بتوفر هذه العملات نتيجة ما عُرف بـ دخل الدير( وهي شبكة من المعاملات المالية سادت أوروبا أنذاك) حيث كان يتم إرسال هذه العملات كهبة أو هدية للدير، وبالرغم من ذلك لم تكن العملة الذهبية معيارًا ثابت الوجود في هذا النظام النقدي حتى القرن الثالث عشر وخاصة عند ظهوره في مدينة فلورنسا عام 1252م.
وفي هذا الصدد، تعود هذه العملات الذهبية القيمة تلك والتي اكتُشفت عامي 1121م و 1131م إلى سلالة البربر المرابطين الذين سيطروا على مناطق كبيرة من المغرب وإسبانيا خلال تلك الفترة، وربما تكون هذه العملات المكتشفة وجدت طريقها إلى الدير عبر المعاملات التجارية بين الأندلسيين ومقاطعة برجندي أو ربما كانت عبارة عن تبرعات من الملوك الأسبان المسيحيين باعتبارها غنيمة من غنائم حروبهم مع المسلمين في تلك الفترة.
أما الآن وبالنسبة إلى النطاق التاريخي للعملات المكتشفة داخل دير كلوني يتبادر إلى الذهن سؤال مهم، إلى أي مدى كانت قيمة الذهب والفضة في ذلك الوقت؟ في الواقع يصعب التأكد من تلك القيمة إذا تعلق الأمر بفترات تاريخية مختلفة ومعينة، ولكن يرى فينسنت بوريل -وهو طالب للدكتوراه مهتم بتلك القضية- أن الخاتم الذهبي الروماني المكتشف يفوق في قيمته المادية والتاريخية باقي العناصر المكتشفة مجتمعة، ورغم اكتشاف كل هذه العناصر يظل الغموض حول ذلك الاكتشاف مرتبطًا بسبب إخفاء هذا الكنز داخل الدير بكل تفاصيله بما فيه الدينارات الذهبية الإسلامية أضف إلى ذلك من هو صاحب هذا الكنز المدفون؟ وهو التساؤل الذي طرحه أحد أعضاء الفريق آن فلامين.
ترجمة: عمر بكر.
تدقيق لغوي: مريم سمير.
تحرير: هدير جابر.
المصادر:
1- https://www.realmofhistory.com/2017/11/17/islamic-gold-dinars-abbey-of-cluny/