اعتبر الكثير أزمة الصواريخ الكوبية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي التي انتهت في 20 نوفمبر عام 1962، أنها كانت المواجهة الأقرب -خلال الحرب الباردة- للتحول إلى حربٍ نوويةٍ شاملة. وقد استعرضنا لكم خلال الجزء الأول من المقال خلفيةً تاريخيةً حول أزمة الصواريخ الكوبية ونظرةً على أسباب نشر السوفييت للصواريخ في كوبا، وردّ الفعل الأمريكي. وخلال الجزء الثاني، نستكمل رحلتنا في التعرف على أزمة الصواريخ الكوبية وكيف انتهت.
رد الفعل الأمريكي
في الجزء الأول من المقال استعرضنا لكم مسارات العمل التي كانت مقترحةً على اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي، التي تضمنت:
- لا تفعل شيئًا.
- الدبلوماسية: استخدام الضغط الدبلوماسي لحمل الاتحاد السوفييتي على إزالة الصواريخ.
- النهج السري: تقديم عرض إلى كاسترو، إما الانفصال عن الروس أو التعرض للغزو.
- الغزو: غزو كامل لكوبا والإطاحة بكاسترو.
- الضربة الجوية: استخدام سلاح الجو الأمريكي لمهاجمة جميع مواقع الصواريخ المعروفة.
- الحصار: استخدام البحرية الأمريكية لمنع أي صواريخ من الوصول إلى كوبا.
في البداية، وافقت هيئة الأركان المشتركة بالإجماع على أن الهجوم الشامل والغزو هو الحل الوحيد. إذ كانوا يعتقدون أن السوفييت لن يحاولوا منع الولايات المتحدة من غزو كوبا. ولكن كينيدي كان متشككًا إذ قال: «لا يمكنهم، بعد كل تصريحاتهم، السماح لنا بضرب صواريخهم وقتل الكثير من الروس ومن ثم عدم القيام بأي شيء. إذا لم يتخذوا أي إجراءٍ في كوبا، فإنهم سيفعلون بالتأكيد في برلين.»[1]
خلُص كينيدي إلى أن مهاجمة كوبا جوًّا من شأنه أن يُحفِز السوفييت لغزو برلين، واعتقد أن صورة الولايات المتحدة سوف تهتز وسط حلفائها باعتبارهم فقدوا برلين لأنهم لم يتمكنوا من حل الوضع الكوبي سلميًّا.[2]
ثم ناقشت اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي تأثير ذلك على توازن القوى على الصعيدين السياسيّ والعسكريّ. والمقصود بتغير توازن القوى هو استحواذُ دولةٍ على القوة العسكرية الكافية للسيطرة على الدول الأخرى. حيث اعتقدت هيئة الأركان المشتركة أن الصواريخ الكوبية ستغيّر التوازن العسكري بشكلٍ خطير، لكن ماكنمارا (كان مستشارًا مقربًا من كينيدي وقت أزمة الصواريخ الكوبية) اعتقد غير ذلك. ورأى أن 40 صاروخًا لن يُحدثوا فرقًا كبيرًا في توازن القوى، إذ كان لدى الولايات المتحدة بالفعل ما يقرب من 5000 صاروخ، والاتحاد السوفييتي كان لديه 300 فقط. وخلُص إلى أن استحواذ السوفييت على 340 صاروخٍ لن يغير توازن القوى بشكلٍ كبير.[3]
واتفقت اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي على أن الصواريخ ستؤثر على التوازن السياسي. حيث وعد كينيدي صراحةً الشعب الأمريكي قبل أقلّ من شهرٍ من بداية أزمة الصواريخ الكوبية بأنه «إذا كان لكوبا أن تمتلك القدرة على القيام بأعمالٍ هجوميةٍ ضد الولايات المتحدة، فإننا سنتصرف.»[4]
وفي 18 أكتوبر، التقى كينيدي بوزير الخارجية السوفييتي، آندري جروميكو، الذي ادّعى أن الأسلحة كانت لأغراضٍ دفاعية فقط. ولم يكشف كينيدي أنه كان على علمٍ بالفعل ببناء الصواريخ، لعدم رغبته في إثارة الذعر لدى الجمهور الأمريكي. وبحلول 19 أكتوبر، أظهرت رحلات التجسس المتكررة من طراز U-2 أربعة مواقعٍ تشغيلية.[5]
وفي 21 أكتوبر 1962، التقى كينيدي بأعضاء اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي وغيرهم من كبار المستشارين، ووضعوا في الاعتبار خيارين: ضربةٌ جويةٌ ضد قواعد الصواريخ الكوبية أو الحصار البحري لكوبا. وكان مصطلح «الحصار» إشكالية، إذ يعتبر الحصار، وفقًا للقانون الدوليّ، عملًا من أعمال الحرب، لكن إدارة كينيدي لم تعتقد أن السوفييت سيتم استفزازهم للهجوم بمجرد الحصار.[6]
وكان الشاغل الأكبر هو أنه بمجرد تنفيذ الحصار، سوف يندفع السوفييت لإكمال بعض الصواريخ. وبالتالي؛ يمكن للولايات المتحدة أن تجد نفسها تقصف الصواريخ إذا فشل الحصار في إجبار خروتشوف على إزالة الصواريخ الموجودة بالفعل على الجزيرة.[7]
في 22 أكتوبر 1962، ألقى كينيدي خطابًا متلفزًا يعلن عن اكتشاف الصواريخ. وقال:
«يجب أن تكون سياسة هذه الأمةُ اعتبارَ أي صاروخٍ نوويّ يتم إطلاقه من كوبا ضد أي دولةٍ في نصف الكرة الغربي بمثابة هجومٍ من جانب الاتحاد السوفييتي على الولايات المتحدة، مما يتطلب ردًا انتقاميًا كاملاً على الاتحاد السوفييتي».
وأضاف:
«يتم البدء في فرض حصارٍ صارمٍ على جميع المعدات العسكرية التي يتم شحنها إلى كوبا. وسيتم إرجاع جميع السفن المتجهة إلى كوبا، من أي دولة، إذا احتوت على شحنات من الأسلحة الهجومية. سيتم تمديد هذا الحصار، إذا لزم الأمر، إلى أنواعٍ أخرى من البضائع والناقلات.»[8]
تعمق أزمة الصواريخ الكوبية
في 23 أكتوبر 1962، أَرسل الدبلوماسي «جورج بال» برقيةً إلى سفير الولايات المتحدة في تركيا وحلف الناتو يُعلمهم بأنهم يفكرون في تقديم عرض ينطوي على سحب الصواريخ الأمريكية من إيطاليا وتركيا مقابل الانسحاب السوفييتي من كوبا. وردّ المسؤولون الأتراك أنهم «سيستاؤون بشدة» من أي صفقةٍ بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي تنطوي على الصواريخ الأمريكية في البلاد.[9]
وفي 25 أكتوبر 1962، طلبت الولايات المتحدة عقد اجتماعٍ طارئٍ لمجلس الأمن، وطالبَ السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة «أدلاي ستيفنسون» السفيرَ السوفييتي «فاليريان زورين»، بالاعتراف بوجود الصواريخ. ورفض السفير زورين الإجابة. في اليوم التالي، رفعت الولايات المتحدة مستوى استعداد قوات القيادة الجوية الاستراتيجية إلى (ديفكون 2-DEFCON 2)، وهو مقياس أمريكي يحدد درجة التهديد على الأمن القومي الأمريكي ومستوى الإنذار للقوات المسلحة الأمريكية بمختلف فروعها للتعامل مع هذا التهديد.[10]
للمرة الوحيدة المؤكدة في تاريخ الولايات المتحدة، كانت طائرات B-52 في حالة تأهبٍ جويٍّ مستمر، وتم توزيع طائرات B-47 في المطارات العسكرية والمدنية وجُهزت للإقلاع في أي وقت في غضون 15 دقيقة. وكان ثُمن طائرات القيادة الجوية الاستراتيجية البالغ عددها 1436 في حالة تأهبٍ جويّ مستمر، وكان حوالي 145 صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات في حالة تأهبٍ أيضًا.[11]
وردًا على برقية خروتشوف، التي حذر فيها من أن «التدخل السافر» للولايات المتحدة سيؤدي إلى الحرب، صرّح كينيدي في 25 أكتوبر عام 1962، إن الولايات المتحدة اضطرت إلى اتخاذ هذا الإجراء، بعد تلقي تأكيداتٍ من الجانب السوفييتي بعدم وجود صواريخٍ هجوميةٍ في كوبا، وثبوت أن هذه التأكيدات خاطئة.[12]
وفي نفس اليوم، أصدرت وكالة المخابرات المركزية أن الصواريخ في كوبا لا تزال قيد العمل، وأنه ليس هناك أي تباطؤٍ على الإطلاق. وردًا على ذلك، أصدر كينيدي مذكرة العمل الأمنيّ رقم 199، التي سمحت بتحميل أسلحةٍ نوويةٍ على متن طائرةٍ تابعةٍ للقائد الأعلى للحلفاء في أوروبا (SACEUR)، وقد تم تكليفها لتنفيذ الضربات الجوية الأولى على الاتحاد السوفييتي. وشعر كينيدي أن الحصار قد نجح، عندما أعاد الاتحاد السوفييتي أربع عشرة سفينةً يُفترض أنها تحمل أسلحةً هجومية.[13]
في صباح اليوم التالي، 26 أكتوبر 1962، أبلغ كينيدي اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي بأنه يعتقد أن الغزو وحده هو الذي سيزيل الصواريخ من كوبا. ولمواصلة الضغط العسكريّ والدبلوماسيّ، وافق كينيدي على زيادة الرحلات الجوية المنخفضة المستوى فوق الجزيرة من رحلتين في اليوم إلى مرةٍ واحدةٍ كلّ ساعتين. كما أمر بوضع برنامجٍ لتأسيس حكومةٍ مدنيةٍ جديدةٍ في كوبا إذا ما تم الغزو.
في هذه المرحلة، كانت أزمة الصواريخ الكوبية -على ما يبدو- دخلت إلى طريقٍ مسدود. حيث لم يُظهر السوفييت أي مؤشرٍ على أنهم سيتراجعون، ولم يكن لدى الولايات المتحدة أي سببٍ للاعتقاد بخلاف ذلك، وكانت في المراحل الأولى من الاستعداد لغزو كوبا، وتوجيه ضربةٍ نوويةٍ على الاتحاد السوفييتي إذا ردت عسكريًا. ولم يكن لدى كينيدي أي نيةٍ لإخفاء هذه الخطط، وسرعان ما أدرك خروتشوف هذا الخطر الذي يلوح في الأفق.[14]
بداية المفاوضات السرية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي
في 26 أكتوبر عام 1962، التقى «جون سكالي» من إيه بي سي نيوز، بـ«ألكسندر فيكليسوف» من الاستخبارات السوفييتية، حيث قال الأخير إنه «يبدو أن الحرب على وشك الاندلاع». وطلب من سكالي استخدام اتصالاته في وزارة الخارجية، لمعرفة ما إذا كانت الولايات المتحدة مهتمةً بحلٍ دبلوماسيّ. وأشار إلى أن الصفقة ستتضمن تأكيدًا من الاتحاد السوفييتي لإزالة الصواريخ تحت إشراف الأمم المتحدة وأن كاسترو سيصرّح علنًا أنه لن يقبل مثل هذه الأسلحة مرةً أخرى في مقابل تصريحٍ عامٍ من قِبل الولايات المتحدة بأنها لن تغزو كوبا. وردّت الولايات المتحدة بمطالبة الحكومة البرازيلية بتمرير رسالةٍ إلى كاسترو مفادها أنه «من غير المرجح أن تغزو كوبا» إذا تمت إزالة الصواريخ.[15]
وفي نفس اليوم، تلقت وزارة الخارجية الأمريكية، رسالةً يبدو أن خروتشوف كتبها شخصيًا. وصف روبرت كينيدي، الرسالة بأنها «طويلة جدًا وعاطفية»، حيث قال خروتشوف:
«من جانبنا، سنعلن أن سفننا المتجهة إلى كوبا لا تحمل أي أسلحة. وسوف تعلن أن الولايات المتحدة لن تغزو كوبا بقواتها ولن تدعم أي قوًى أخرى قد تنوي غزو كوبا، وعندها ستختفي ضرورة وجود متخصصينا العسكريين في كوبا.»[16]
من ناحيةٍ أخرى، كان كاسترو مقتنعًا بأن غزو كوبا كان قريبًا، وفي نفس اليوم، أرسل برقيةً إلى خروتشوف بدا أنها تدعو إلى توجيه ضربةٍ نوويةٍ استباقيةٍ للولايات المتحدة في حالة الهجوم على كوبا.
وفي 27 أكتوبر عام 1962، بدأ راديو موسكو بثّ رسالةٍ من خروتشوف. وعلى عكس خطاب الليلة السابقة، قدم عرضًا جديدًا: «ستتم إزالة الصواريخ من كوبا مقابل إزالة صواريخ جوبيتر من إيطاليا وتركيا». وفي نفس اليوم، اجتمعت اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القوميّ لمناقشة الوضع، وتوصلت إلى استنتاجٍ مفاده أن التغيير في الرسالة كان بسبب النقاش الداخلي بين خروتشوف ومسؤولي الحزب في الكرملين. ورأي كينيدي في هذه الصفقة صفقةً عادلة.[17]
في نفس اليوم، تعرضت إحدى طائرات U-2F، بقيادة الرائد «رودولف أندرسون»، إلى صاروخ «أرض-جو» تم إطلاقه من كوبا. أُسقِطت الطائرة وقُتِل أندرسون، واشتد التوتر بين الولايات المتحدة والسوفييت، حيث ساد الاعتقاد أن قرار الإطلاق اتخذه قائد سوفييتي. وفي وقتٍ لاحقٍ من ذلك اليوم، تم إطلاق النار على عدة طائراتٍ أمريكيةٍ أثناء مهام الاستطلاع التي كانت تقوم بها.
وفي 28 أكتوبر عام 1962، أخبر خروتشوف ابنه سيرجي أن إسقاط طائرةِ أندرسون كان من قِبل «الجيش الكوبي بتوجيه من راؤول كاسترو».[18] وفي نفس اليوم، استدعى كينيدي أعضاء اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القوميّ إلى البيت الأبيض، وأمر بإرسال رسالةٍ على الفور إلى «يو ثانت»، الأمين العام للأمم المتحدة وقتها، يطلب من السوفييت تعليق العمل على الصواريخ أثناء إجراء المفاوضات. خلال الاجتماع، ألقى الجنرال ماكسويل تايلور نبأ إسقاط الطائرة. وكان كينيدي قد ادّعى في وقتٍ سابقٍ أنه سيأمر بمهاجمة مثل هذه المواقع إذا تم إطلاق النار، لكنه قرر عدم اتخاذ قرارٍ ما لم يتم شنّ هجومٍ آخر.
وافق المبعوثون المرسلون من قبل كينيدي وخروتشوف على الاجتماع في مطعم “Yenching Palace” الصيني في حي كليفلاند بارك بواشنطن العاصمة، واقترح كينيدي الموافقة على عرض خروتشوف. وعارضت اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي، الاقتراح لأنه سيقوض سلطة الناتو، وقد صرحت الحكومة التركية مرارًا وتكرارًا أنها ضد أي مقايضةٍ من هذا القبيل.[19]
مع تقدم الاجتماع، ظهرت خطةٌ جديدة دعت إلى تجاهلِ الرسالة الأخيرة والعودة بدلاً من ذلك إلى رسالة خروتشوف السابقة. كان كينيدي مترددًا في البداية، حيث شعر أن خروتشوف لن يقبل الصفقة لأن صفقةً جديدة قد عُرضت. بعد اجتماع اللجنة التنفيذية، استمر اجتماعٌ أصغر في المكتب البيضاوي، حيث أكدوا على ضرورة التأكيد على الرسالةِ برسالةٍ شفوية إلى دوبرينين تنصّ على أنه إذا لم يتم سحب الصواريخ، فسيتم استخدام العمل العسكري لإزالتها.[20]
انتهاء أزمة الصواريخ الكوبية
في 27 أكتوبر عام 1962، بعد الكثير من المداولات بين الاتحاد السوفيتي ووزراء كينيدي، وافق كينيدي سراً على إزالة جميع الصواريخ الموضوعة في تركيا وربما جنوب إيطاليا، مقابل تفكيك خروتشوف لجميع الصواريخ في كوبا.[21]
في هذه المرحلة، كان خروتشوف على علم بأشياء لا تعرفها الولايات المتحدة:
- أولًا، أن إسقاط U-2 بصاروخ سوفيتي انتهك الأوامر المباشرة من موسكو إلى هافانا، كما أن النيران الكوبية المضادة للطائرات ضد طائرات استطلاع أمريكية أخرى انتهكت الأوامر المباشرة من خروتشوف إلى كاسترو.
- ثانيًا، كان لدى السوفييت بالفعل 162 رأسًا نوويًا في كوبا لم تكن الولايات المتحدة تعلم بوجودها هناك.
- ثالثًا، من شبه المؤكد أن السوفييت والكوبيين في الجزيرة كانوا سيردون على الغزو باستخدام تلك الأسلحة النووية، على الرغم من أن كاسترو كان يعتقد أن الجميع في كوبا سيموت نتيجة لذلك.
عندما سمع خروتشوف تهديدات كينيدي التي نقلها روبرت كينيدي إلى السفير السوفييتي دوبرينين، صاغ على الفور رسالةَ قبوله لشروط كينيدي الأخيرة، دون إشراك المكتب السياسي، كما فعل سابقًا، وقام ببثها على الفور عبر راديو موسكو، حيث صرح خروتشوف أن «الحكومة السوفيتية، بالإضافة إلى التعليمات الصادرة مسبقًا بشأن وقف المزيد من أعمال بناء الصواريخ، قد أصدرت أمرًا جديدًا بشأن تفكيك الصواريخ، وإعادتها إلى الاتحاد السوفيتي.»[22]
في 28 أكتوبر صباحًا، علم كينيدي لأول مرة بحلّ خروتشوف لأزمة الصواريخ الكوبية مع قيام الولايات المتحدة بإزالة 15 من صواريخها الباليستية في تركيا وفي المقابل سيقوم السوفييت بإزالة الصواريخ من كوبا. وعلى الرغم من المعارضة القوية من كبار مستشاريه، سرعان ما تبنى كينيدي العرض السوفيتي.[23]
استجاب كينيدي على الفور لرسالة خروتشوف، وأصدر بيانًا وصفه بأنه «مساهمةٌ مهمةٌ وبناءةٌ في السلام». حيث ذُكر في البيان:
«أعتبر رسالتي إليكم في السابع والعشرين من أكتوبر وردَكم اليوم تعهداتٍ راسخة من جانب حكومتينا يجب تنفيذها على الفور.»
وتابع:
«ستدلي الولايات المتحدة ببيان في مجلس الأمن على النحو التالي: ستعلن أن الولايات المتحدة ستحترم حرمة الحدود الكوبية وسيادتها، وأنها تتعهد بعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وعدم السماح باستخدام أراضينا كجسرٍ لغزو كوبا، وكبح جماح أولئك الذين يخططون لشن عدوانٍ على كوبا، سواء من الأراضي الأمريكية أو من أراضي البلدان الأخرى المجاورة لكوبا.»[24]
واصلت الولايات المتحدة الحصار، وفي الأيام التالية، أثبت الاستطلاع الجوي أن السوفييت يحرزون تقدمًا في إزالة أنظمة الصواريخ. تم تحميل 42 صاروخًا ومعدات دعمهم على ثماني سفنٍ سوفييتية. وغادرت السفن كوبا في الفترة من 5 إلى 9 نوفمبر 1962. وعليه، أعلنت الحكومة الأمريكية نهاية الحصار في 20 نوفمبر 1962.[25]
وفي الوقت الذي اعتقدت فيه إدارة كينيدي أن أزمة الصواريخ الكوبية قد حُلّت، بقيت الصواريخ التكتيكية النووية في كوبا لأنها لم تكن جزءًا من تفاهمات كينيدي وخروتشوف ولم يكن الأمريكيون يعرفون عنها. ولكن غير السوفييت رأيهم، خوفًا من خطواتٍ كوبيةٍ عسكريةٍ محتملة، وفي 22 نوفمبر 1962، قال نائب رئيس وزراء الاتحاد السوفييتي «أنستاس ميكويان» لكاسترو إن الصواريخ ذات الرؤوس الحربية النووية قد أُزيلت أيضًا.[26]
بدا أن خروتشوف قد خسر الصراع وأصبح ضعيفًا، لأن سحب صواريخ جوبيتر من قواعد الناتو في إيطاليا وتركيا لم يتم الإعلان عنه في ذلك الوقت. ولكن، يمكن القول أن كلًا من كينيدي وخروتشوف اتخذا جميع الخطوات الممكنة لتجنب الصراع على الرغم من الضغوط من حكومتيهما. وانتهت أزمة الصواريخ الكوبية بعد أن استمرت لمدة شهر، خلالها شعر الجميع بأن هناك حربٌ نوويةٌ شاملةٌ قادمة، ولكنها انتهت في النهاية وأصبحت جزءًا من التاريخ.