تعتبر الفلسفة طريقة التفكير الأكثر أهمية وشمولية التي طورها الانسان. وهي تختلف كثيرًا عن الدين حيث ان الفلسفة تكون نقدية وشمولية معًّا، أما الدين فيكون شموليّ، ولكن ليس بالضرورة نقديّ. يسعى الدين لتقديم نظرة عامة عن الحياة والكون ويقدم إجابات على معظم، ان لم يكن كل، الأسئلة المهمة والأساسية المطروحة لدى البشر في كل مكان في العالم. تلك الإجابات التي تقدمها الأديان لا تخضع عادة للتمْحيصّ الدقيق للعقل والمنطق. بالتأكيد معتقدات الكثير من الأديان تتحدى المنطق وتعتبر غير عقلانية. ويعتمد الدين على قاعدة من الايمان عكس الفلسفة التي تنقد الايمان والنظم الإيمانية بصفة عامة. وتبحث الفلسفة عن تفسيرات منطقية ومبررات للمعتقدات، كما تعتمد الفلسفة على قاعدة من المنطق.
علم اللاهوت واللاهوتيون
يتعامل علم اللاهوت بالتفكير في معتقدات الأديان بطريقة عقلانية، ولكنها تفترض الإيمان المسبق. يوظف اللاهوتيون العقل ليجعلوا معتقداتهم أكثر وضوحًا، وإن أمكن يجعلوا المعتقد يرضي إملاءات العقل. ويبدأ اللاهوتيون بمجموعة من المعتقدات كأساسيات او مبادئ، تلك الأساسيات والمبادئ لا تخضع لاحتمال الكُفر بها او نقدها بشكلٍ حقيقيّ. على الصعيد الآخر يختبر الفلاسفة ويبحثون -بالتأكيد- عن كل الفرضيات والافتراضات على كل نظام فكريّ او إيمانيّ، لا يمكن قبول فكرة مبنية على الايمان بالنسبة للفلاسفة.
فلسفة الدين
فلسفة الدين هو التفكير العقليّ في القضايا والاهتمامات الدينيّة بغض النظر عن الافتراض المسبق بوجود إله او الاعتماد على الايمان. ويختبر الفلاسفة طبيعة الدين والمعتقدات الدينية. يُرْكِز فلاسفة الغرب على الأفكار المرتبطة بوجود وطبيعة الإله، وذلك لأنها الأفكار المحورية في ديانات الغرب. ويتمركز فكر فلاسفة اللاهوت الغربيين على الحجج او البراهين المتمحورة حول اثبات وجود إله وتوضيح أيّ تناقضات ظاهرة في وصف طبيعة الإله.
وفي القرن المنصرم أعاد الفلاسفة حول العالم تركيزهم حول طبيعة المعتقد الدينيّ ولغته والعقليّة الدينيّة. بالطبع تعرض بعض الفلاسفة لنقد طبيعة وجوهر الدين بحد ذاته. ويمكن القول إن الفلسفة الدينيّة هي عبارة عن التفكير النقديّ حول الدين في كافة جوانبه، والتفكير النقديّ حول المعتقد الدينيّ قد يشير إلى أن المعتقد الدينيّ معيب في اتجاهات عديدة: إنه غير متسق ومتعارض وبدون أي دليل لدعم الادعاءات الأساسية.
ولا يعني هذا أن الفلسفة تسعى لدحض المعتقدات الدينية، إنما جاءت الفلسفة لكشف النقاب عن أن المعتقدات الدينية مجرد معتقدات وليست إدعاءات تجريبية. اللغة الدينيّة ليست لغة عادية وبالتأكيد ليست لغة علم، تساعدنا الفلسفة لفهم هذا.
تعريف الدين
يوجد الكثير من التعاريف للدين، غير أنه ليس من الممكن الوقوف على تعريف يوضح بشكلٍ قاطع ما هو الدين وعلى أن يكون هذا التعريف يظهر التباين بينه وبين السحر والطوائف والمذاهب الأخرى. وقدم كثير من الناس تعريفات دون العلم بالنطاق الواسع للظاهرة الدينية واحتوائها على الكثير من المظاهر الثقافية. من المفاهيم الخاطئة الظن أن الدين مرتبط فقط بالإله أو آلهة أو كائن فوق طبيعي او بُعد فوق طبيعي أو روحاني أو حقيقة أعظم. ليس بالضرورة احتواء الدين علي أي مما سبق على اعتبار وجود أديان بالفعل لا تحتوي على تلك العناصر. بعض هذه الأديان لا يؤمن بوجود إله، وبعضهم لا يؤمن بنجاه الروح، والبعض الآخر يؤمن بتعدد الآلهة. ماذا يملكون إذًا ليكونوا أديان؟
يوجد لدينا تعريف مُلم للأرضية المشتركة للأديان ويفرقهم أيضًا عن المؤسسات والظواهر الأخرى. انها من (فريدرك فير-Frederick Ferre) في كتابه (مبادئ فلسفة الدين الحديثة- Basic Modern Philosophy of Religion)
( «الدين هو النمط الأكثر شمولًا وتركيزًا للقيم عرفه الجنس البشري»- “Religion is the most comprehensive and intensive manner of valuing known to human beings”).
لنكون أقل إيجازًا وأكثر إفادة، إذا كانت الفكرة الأولية للدين من الممكن أن تُصاغ من حيثُ خصائصها حيثُ إن الشخص الذي يمتلك أي خبرة بدين من الممكن أن يتعرف على تلك الخصائص والسمات بسهولة.
خصائص الدين
ونستعرض في النقاط التالية الخصائص أو السمات المشتركة للأعضاء من فئة أو عائلة الدين. كأفراد العائلة، لا يمكن أن يحمل كل عضو من الأعضاء نفس السمات، ولكن قد يحمل بعض أو كثير من تلك السمات. كلما احتوت ظواهر إنسانية على تلك الخصائص من الممكن ضمها الى تلك الفئة من المؤسسة الاجتماعية المعروفة بالدين.
الخصائص العامة: (سمات العائلة)
• مفهوم الإله أو المطلق، والذي يستحوذ على الاهتمام والتركيز الأقصى.
• أفكار ومفاهيم حول طبيعة الجنس البشريّ.
• فكرة العناية الإلهية والمصير والقدر.
• الفكرة والمعنى للتاريخ الإنساني.
• تفسير معضلة الشر.
• وصف المشكلة المحورية لحياة الإنسان ومعاناته حول فكرة ما بعد الموت.
• مفهوم العالم.
• أفكار حول المجتمع الإنساني والقيم- الشريعة الأخلاقية.
كلما زادت الظاهرة من عرض تلك الخصائص، إذًا من المرجح قبولها على أنها دين. أما مع قلة ظهور تلك السمات، فمن المرجح عدم إطلاق عليها لقب دين، فمن الممكن أن تكون سحر، أو شعوذة، أو طائفة ما، أو أيّ وصف اخر، ولكن لن يرتقي ليكون دين.
أديان الغرب: الإله الواحد
أديان الغرب (اليهودية، المسيحية، الإسلام) يتشاركون في بعض السمات العامة او الخصائص التي تفرقهم عن باقي أديان العالم.
• الايمان بإله واحد.
• الإيمان بالتاريخ الخطيّ (في اتجاه واحد).
• الإيمان بنص مقدس: الكتاب.
تلك المميزات المشتركة ربطت هذه الأديان الغربية الثلاثة مع بعض، أنهم يشتركون في أفكار متشابهة كثيرة، ونجد منها: إله واحد خلق الكون، ومع الكون ابتدأ الزمان وأن هذا الإله سينهي هذا الكون. كل انسان له روح، وعند موت الجسم الروح ستنفصل من الجسد وتنتقل الى بُعد آخر. سيكون هناك حساب بخصوص صلاحية الأخلاق الخاصة بالروح عند الموت لأجل ثواب أو عقاب أبدى. الزمن خطيّ ولا يوجد غير فترة واحدة من الوجود للأفراد والكون كله.
قد يكون هناك اختلافات في المبادئ الأساسية للعقيدة أو المعتقدات الدينية لتلك الأديان، ولكن تلك الأفكار متطابقة الى حدٍ بعيد في معظم أديان الغرب.
يوجد أيضًا ديانات أخرى تعتقد في آلهة متعددة او انعدام وجودها إطلاقًا. هناك من يعتقد أن الزمن قد يكون دوريّ ويؤمن أيضًا بتناسخ الأرواح، حتى أن تناسخ الأرواح هذا قد يكون متعددًا. وبعض الأديان حتى لا تمتلك أيّ فكرة عن وجود إله والبعض الآخر لا يؤمن بنجاه الروح. كلما تم اختبار الأديان المعاصرة والحيّة على كل اختلافاتهم، سيقودنا ذلك الى فهم أن تلك الأديان تبرز تلك الخصائص للدين -المنصوصة أعلاه- بشكلٍ كافٍ لوضعها في المجموعة أو الفئة المُعنونة بالدين.