طريق الحرير

طريق الحرير.

كان طريق الحرير شبكةً من طرق التجارة التي تربط الصين والشرق الأقصى بأوروبا والشرق الأوسط. وأسّست أسرة «هان» الصينية طريق الحرير عندما فَتحت التجارةَ مع الغرب بشكلٍ رسميّ عام 130 قبل الميلاد، وظلّ قيد الاستخدام حتى العام 1453 ميلادية، عندما أوقفت الإمبراطورية العثمانية العملياتِ التجارية مع الصين وقاطعتها. ورغم مرور حوالي ستمائة عام على المرة الأخيرة التي كان فيها طَريق الحَريْر طريقًا للتجارة الدولية، فإن صدى تأثيرِه على التجارة والثقافة والتاريخ لا يزال باقيًا حتى اليوم.

الطريق الملكي

يُرجح أن طريق الحرير فَتح التجارة بين الشرق الأقصى وأوروبا بشكل رسميّ في عهد أسرة هان التي حكمت الصين منذ العام 206 قبل الميلاد وحتى العام 220 ميلادية. فقد أرسل الإمبراطور ‹‹وو›› إمبراطور أسرة ‹‹هان›› مبعوثًا إمبراطوريًا يدعى ‹‹تشانغ تشيان›› إلى آسيا الوسطى ليتصل بثقافاتها في العام 138 قبل الميلاد، فكانت تقاريره عن رحلاته فيما يخص شعوبَ وبلادَ الغرب عظيمة القيمة. على أن تاريخ نقل البضائع والخدمات بطول هذه الطرق يعود إلى أبعد من ذلك.

فقبل حوالي ثلاثمائة عام من افتتاح طريق الحرير، أنشأ الحاكم الفارسي ‹‹داريوس الأول›› خلال حكمه للإمبراطورية الأخمينية طريقًا عُرف بـ«الطريق الملكي»، الذي امتدّ بدايةً من الشوش (إيران حاليًا) وحتى 1600 ميل غربًا وصولًا إلى سارد (قرب البحر المتوسط بتركيا حديثًا). كما وسّع الفرس الطريق الملكي ليشمل طرقًا أصغر تربط بلاد ما بين النهرين بشبه القارة الهندية وكذلك شمال إفريقيا عن طريق مِصر.

وقد دُمجت أجزاءٌ من الطريق الملكي -في نهاية المطاف- مع طَريْق الحَريْر عندما قام ‹‹الإسكندر الأكبر›› حاكم مملكة مقدونيا اليونانية القديمة بتوسيع سيطرته إلى بلاد فارسَ من خلاله.

تاريخ طريق الحرير

بدأ انفتاح طُرق الشرق والغرب التجارية بين اليونان والصين خلال القرنين الأول والثاني قبل الميلاد. وقد عادت التجارة التي أنشأها هذا الطريق -بطول طريق الحرير- بالنفع على الإمبراطورية الرومانية والكوشانية (التي حكمت الأراضي المعروفة حاليًا بأراضي شمال الهند).

ومن المثير للاهتمام أن المرادف اليوناني لكلمة الصين هو «سيريس»، ويعني حرفيًّا: «أرض الحرير». على أية حال ورغم الارتباط الواضح بالاسم، لم يُصغ مصطلح طَريق الحَريْر حتى العام 1877، حين استعمله للمرة الأولى الجغرافيّ والمؤرخ الألمانيّ ‹‹فرديناند فون ريشتهوفين›› لوصف الطرق التجارية. ويفضِّل مؤرخو اليوم مصطلح «طرق الحرير»، الذي يعكس بشكل أكثر دقةٍ حقيقة وجود أكثر من طريق واحد.

طريق الحرير إلى الصين

تضمنت تشعّبات طَريق الحَريْر شبكةً كبيرةً من المراكز التجارية والأسواق والشوارع ذات المواقع الاستراتيجية المصممة لتسهيل نقل البضائع، وتبادلها، وتوزيعها، وتخزينها.

وقد امتدت هذه الطرق من المدينة اليونانية الرومانية أنطاكيا مرورًا بالصحراء السورية عبر تدمر وصولًا إلى العاصمة البارثية طيسفون ومدينة سلوقية على ضفاف نهر دجلة، أحد مدنِ ما بين النهرين في العراق كما نعرفها حديثًا. ومن سلوقية، مرت الطرق شرقا فوق جبال زاغروس إلى مدينتي إكباتان (إيران) ومرو الشاهجان (تركمانستان)، ومنها تفرعت مزيد من الطرق إلى ما تعرف حاليًا باسم أفغانستان وشرقًا إلى منغوليا والصين.

ومن طريق الحرير أيضًا تفرعت طرقٌ أخرى مؤدية إلى بعض موانئ الخليج العربي، لتُنقل البضائع بعد ذلك عبر نهري دجلة والفرات. كما اتصلت طرق هذه المدن بموانئٍ على طول البحر المتوسط، ومنها كانت تُشحن البضائع إلى المدن في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية وإلى أوروبا.

امتداد طريق الحرير.

الحزام الاقتصادي لطريق الحرير

رغم اشتقاق اسم «طريق الحرير» من شعبية الحرير الصيني بين تجار الإمبراطورية الرومانية وغيرها من الأماكن في أوروبا، لم تكن مادة الحرير وحدها أهم صادرات الشرق إلى الغرب. فقد تضمّنت التجارةُ على طول ما يسمى الحزام الاقتصادي لطَريق الحَريْر الفواكهَ والخَضراوات، والماشية، والحبوب، والجلود والإهاب، والأدوات، والمتعلقات الدينية، والأعمال الفنية، والأحجار الكريمة والمعادن، والأهم من ذلك، اللغة والثقافة، والمعتقدات الدينية، والفلسفة والعلوم.

كان لسلعٍ مثل الورق والبارود أثرها الثقافيّ والتاريخيّ الواضح في الغرب، فكِلا السلعتين مُخترَعٌ صينيّ ظهر في عهد أسرة ‹‹هان››، وكان من أكثر السلع التجارية تداولًا بين الشرق والغرب.

ابتُكر الورق في الصين خلال القرن الثالث قبل الميلاد، وانتشر استخدامه عبر طَريق الحَريْر، فوصل أولًا إلى سمرقند حوالي عام 700 من الميلاد، لينتقل بعدها إلى أوروبا عبر الموانئ -الإسلاميةِ آنذاك- في صقلية وإسبانيا.

بالتأكيد عزز وصول الورق لأوروبا تغييرها الصناعي الكبير، فقد أصبحت الكلمةُ المكتوبة للمرة الأولى صورةً رئيسية من صور الاتصال الجماهيريّ. كما سمح التطور النهائي لآلة جوتنبرج الطابعة بإنتاجٍ ضخمٍ للكتبِ ثم الصحفِ لاحقًا، ما أتاح تبادلًا أوسع للأخبار والمعلومات.

توابل طريق الحرير

بالإضافة إلى ذلك، فقد لاقت توابل الشرق الغنية انتشارًا سريعًا في الغرب، وغيرت شكل المطبخ في معظم أنحاء أوروبا. وبالمثل، هاجرت تقنيات صناعة الزجاج من العالم الإسلاميّ شرقًا إلى الصين.

أما أصل صناعة البارود فنعرفه بشكلٍ زهيد، فرغم وجود إشاراتٍ إلى الألعاب والأسلحة النارية في الصين في وقت مبكر يعود للقرن السادس، يرى المؤرخون أن البارود صُدّر بطول طريق الحرير إلى أوروبا، حيث كان يُعاد تكريره ليستخدم بشكلٍ أكبر في المدافع في إنجلترا وفرنسا وغيرهما في القرن الثالث عشر.

كان للدول والقوميات التي أتيح البارود لها أفضليةً واضحةً في الحروب، وبناءً عليه كان لاستيراد البارود أثرٌ هائل في تاريخ أوروبا السياسي.

استكشاف الشرق

مهدت تشعّبات طَريق الحَريْر أيضًا سبلًا للمستكشفين الساعين إلى فهمٍ أفضل لجغرافيا الشرق الأقصى وثقافته. فقد سلك مستكشف البندقية ‹‹ماركو بولو›› طريق الحرير في رحلته الشهيرة من إيطاليا إلى الصين، التي حكمتها الإمبراطورية المنغولية في ذلك الوقت، حيث وصل إليها في العام 1275 ميلادية.

جديرٌ بالذكر أنه لم يسلك طريق البحر، وإنما اتبع طُرق الحرير البرية على ظهور الجمال حتى وصل إلى «تشانغ دو/ زانادو»، القصرُ الصيفيّ الفخم للإمبراطور المنغولي ‹‹قوبلاي خان››. أمضى المستكشف إجمالًا أربعةً وعشرين عامًا في آسيا، حيث عمل في بلاط قوبلاي خان، ربما كمحصل ضرائب.

في عام 1295 عندما كانت الإمبراطورية المنغولية في حالة تدهور، عاد ‹‹ماركو بولو›› مرةً أخرى إلى البندقية عبر طريق الحرير، وأصبحت رحلاته عبر طريق الحرير أساس كتابه «رحلات ماركو بولو»، الذي منح الأوروبيين فهمًا أفضل للتجارة والثقافة الآسيويين.

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي