نشرت مصر أول صور للعملات البلاستيكية من فئة 10 و20 جنيهًا، والتي ستصدر رسميًّا في نوفمبر المقبل، من مطبعة البنك المركزي المصري الجديدة بالعاصمة الإدارية الجديدة.(1) نستعرض في هذا المقال سبب استخدام البلاستيك في تصنيع النقود البلاستيكية، وخطوات عملية التصنيع، والسبب العلمي وراء وجود قوس قزح في العملة الجديدة.
سبب اللجوء إلى البلاستيك:
في عام 1967م، نجح خمسة أشخاص في إنتاج مئات الآلاف من العملات الأسترالية المزيفة من فئة 10 دولارات، باستخدام مجموعة من الأوراق العادية التي تُباع في متاجر المستلزمات المكتبية ومعدات مكتبية بسيطة أجروا عليها تعديلات بطريقة ماهرة.
جاء هذا بعد أسابيع فقط من إصدار أستراليا لسلسلة جديدة من الأوراق النقدية، والتي وصفوها آنذاك بأنها الأكثر تقدمًا والأكثر أمانًا.(2)(3)
وقع البنك الاحتياطي الأسترالي (Reserve Bank of Australia) في حيرة من أمره، واتخذ قراره باللجوء إلى العلماء. أشار تقرير لصحيفة ذا جلوب آند ميل (The Globe and Mail) أن اجتماعات عقدت بحضور الكيميائي الشاب ديفيد سولومان (David Solomon)، الذي قال في لحظة مصيرية: «لماذا لا نستخدم البوليمر (Polymer)؟»
وأوضح أن كلمة بوليمر هي المرادف الأنيق لكلمة بلاستيك. خيم الصمت على الغرفة، بينما ضحك بعض الأشخاص على فكرة النقود البلاستيكية.(2)(4)
تم إصدار أول عملة بلاستيكية عام 1968م، وبحلول عام 1996م، كانت جميع العملات الأسترالية مصنوعة من البلاستيك. وأصبحت أستراليا أول دولة في العالم تتحول من عملة ورقية إلى عملة تعتمد على البوليمر.(2)
عملية تصنيع النقود البلاستيكية:
تكوين رقاقة البوليمر:
الركيزة البوليمرية (Polymer Substrate) المستخدمة في الأوراق النقدية الأسترالية هي مادة فريدة من مادة البولي بروبيلين (Polypropylene)، تُنتَج باستخدام تقنية متخصصة غير متاحة تجاريًّا. تتكون هذه الركيزة من عدة طبقات رقيقة تم إنشاؤها باستخدام عملية الفقاعة (Bubble Process). تُذاب الحبيبات البلاستيكية الشفافة وتنفخ لتكوين فقاعة كبيرة من ثلاث طبقات.
خلال هذه العملية تُمَطُّ هذه الفقاعة من حيث الطول والعرض لتوجيه جزيئات البوليمر، ثم تُضغَط جدران الفقاعة معًا ويتم تبريدها، مما ينتج عنه رقاقة بوليمر شفافة متعددة الشرائح. تُعرف هذه الرقاقة الأساسية باسم رقاقة البولي بروبلين ذات التوجه ثنائي المحور (BOPP)، ولها قوة شد متساوية أفقيًا وجانبيًا.(5)
مرحلة الطباعة والطلاء:
تُطَبَّقُ أحبار خاصة على الرقاقة لجعلها معتمة، باستثناء بعض المناطق التي تُترك خالية من الحبر لإنشاء نوافذ شفافة، قبل تقطيعها. تتضمن عملية الطباعة الأولى طباعة ألوان وأنماط الخلفية على كلا وجهي أوراق البوليمر في نفس الوقت بواسطة آلات طباعة متزامنة. يمكن لهذه الآلات طباعة ما يصل إلى 8000 ورقة في الساعة.(6)
تحتوي السلسلة الجديدة من الأوراق النقدية على ميزتين للأمان لم تُستخدَما سابقًا على الأوراق النقدية الأسترالية، تُطبّقان في هذه المرحلة.تُطبَّق ميزات الأمان المتعددة في النافذة من أعلى إلى أسفل كشريط متصل، ثم يُطبَّقُ تأثير اللون المتقلب (Rolling Colour Effect) في عملية طباعة الشاشة (Screen-Printing) باستخدام حبر متغير بصريًّا.(6)
بعد ذلك، تُطبَعُ عناصر التصميم الرئيسية، مثل الصور، باستخدام آلات الطباعة الغائرة (Intaglio Printing). في هذه العملية، يُنقل الحبر إلى الألواح تحت ضغط كبير باستخدام ألواح معدنية محفورة. يلزم إجراء عمليات طباعة منفصلة لكل جانب من جوانب اللوح.
تُعد الطباعة البارزة الناتجة إحدى ميزات الأمان المهمة للأوراق النقدية الأسترالية المصنوعة من البوليمر. ثم تضاف الأرقام التسلسلية إلى الأوراق باستخدام عملية الطباعة بحروف بارزة (Letterpress Printing).(6)
يُطبّق حبر الطلاء الواقي على الأوراق النقدية باستخدام جهاز طباعة الأوفست (Offset Printing Press). يساهم هذا الطلاء في زيادة المتانة والنظافة للأوراق النقدية المصنوعة من البوليمر.(6)
بالنسبة للسلسلة الجديدة من الأوراق النقدية، يُطبّق عليها خاصية اللمس في المرحلة النهائية للطباعة. طُوِّرت ميزة اللمس لمساعدة ضعاف البصر على التمييز بين فئات العملة المختلفة، وهي مكونة من أرقام مختلفة من النتوءات البارزة على الحواف الطويلة للورقة النقدية بجوار النافذة الشفافة الممتدة من أعلى إلى أسفل.(6)
بعد ذلك، تُقطّع الألواح المطبوعة إلى أوراق نقدية، وتُفحَص للتأكد من أن جودتها تفي بالمعايير المطلوبة. ثم تُغلّف الأوراق النقدية الجاهزة، وتُعبّأ في حاويات، وتُخزن في غرفة محصنة قبل توزيعها في جميع أنحاء البلاد.(6)
استخدام الأدوات المتغيرة بصريًا (OVDs):
كانت النقطة الرئيسية التي أثارها ممثل شركة كوداك أستراليا (Kodak Australia) في الاجتماع هي أنه إذا أمكن تصوير الأوراق النقدية الجديدة، فيمكن أيضًا طباعتها وتزويرها.(4)
قرر ديف سولومون، بالاشتراك مع الدكتور سيفتون هامان (Dr. Sefton Hamann)، أن طريقة التصدي للمزورين هي منعهم من صنع لوحات طباعة من خلال وضع عنصر في الورقة المالية لا يمكن تصويره.
وهو ما يسمى بالأدوات المتغيرة بصريًّا (OVDs)، والتي يتم تعريفها على أنها أي أداة تغير مظهرها عند وقوع تغيير خارجي على الورقة المالية، مثل زاوية المشاهدة، ودرجة الحرارة، وما إلى ذلك.(4)
يقول ديف: «على سبيل المثال: إذا أُمسكت الورقة المالية بين الأصابع، فإن الضغط يتسبب في تغيير اللون. إذا أُديرت الورقة المالية، يحدث تغيير في اللون أو تتحرك صورة على العملة. إذا أُخرجت العملة من المحفظة، يتغير لونها، وما إلى ذلك. لا يمكن تصوير هذه الأدوات المتغيرة بصريًّا، وبالتالي من الصعب تزويرها.»(4)
سبب وجود قوس قزح في العملات البلاستيكية:
تعتمد الأدوات المتغيرة بصريًا على حيود الضوء والذي يحدث عندما تواجه الموجة الضوئية عائقًا، مما يخلق تأثيرًا معينًا. في حالة الأوراق المالية البلاستيكية، استُخدمت أداة تعرف باسم محزوز الحيود (Diffraction Grating)، وهي نمط من الخطوط الصغيرة للغاية المطلية بطبقة رقيقة من مادة عاكسة مثل الألومنيوم.
عندما يصطدم الضوء بالنمط، ينقسم إلى العديد من الحزم التي تتحرك في اتجاهات مختلفة، مما يخلق قوس قزح بألوان مختلفة. هذا التأثير مشابه لما ربما تكون قد شاهدته عندما يضرب الضوء قرصًا مضغوطًا، مما يؤدي إلى إلقاء قوس قزح من الأضواء الملونة على الحائط.(5)
مميزات النقود البلاستيكية:
لم يكن الجميع معجبًا بفكرة النقود البلاستيكية، لكن اختراع ركيزة بوليمر فريدة (بالإضافة إلى عدد من الأدوات الأمنية الأخرى) سلم العلم بشكل مباشر زمام عملية إنتاج العملات، مما يجعل التزوير أكثر صعوبة.
لعمل أوراق مالية مزيفة قابلة للتداول، سيحتاج المزورون إلى معرفة خصائص البوليمر، وتقنيات النسخ، والكيمياء والفيزياء وراء الأدوات المتغيرة بصريًا، كما أنها تدوم لفترة أطول، ويمكن إعادة تدويرها.(2)(5)
تكريم ديفيد سولومون:
لدوره في الاكتشافات وقيادة الفريق المسؤول عن إنتاج أول ورقة نقدية بلاستيكية في العالم، حصل ديف سولومون على العديد من الجوائز. كما انتُخب، في عام 2004م، زميلًا في الجمعية الملكية بلندن (Royal Society of London).
حيث كان مشروع الأوراق النقدية من أسباب الترشيح. وفي عام 1990م، حصل على وسام عضو أخوية أستراليا (Member of Order of Australia)، لمساهماته في العلوم والتكنولوجيا، وخاصة في مجال كيمياء البوليمرات.(4)