في مقاله «الاضطهاد وفن الكتابة» (Persecution and the Art of Writing) 1941، رسم الفيلسوف السياسي ليو شتراوس (Leo Strauss) صورة عن الحياة الثقافية وهي تمثل إساءة لي كشخص له التزامات سياسية تجاه الديمقراطية والتنوير، والتزامات فلسفية تجاه التعددية (pluralism) وضد الأحادية (monism)، رغم ذلك أرجع إليها مرارًا وتكرارًا. أريد أن أفهم السبب.
زعم شتراوس أن هناك ممارسة تُدْعى «الكتابة الخاصة» (esoteric writing) تواجدت في خلال تاريخ الفلسفة، حيث أخفى الفلاسفة معظم تعاليمهم المهمة خلف الكتابات «العامة» (exoteric). كانوا يكتبون «بين السطور»، باستخدامهم زلات وأخطاء مقصودة كعلامات متوهجة قد يتبعها القراء الأذكياء للوصول إلى أفكارهم الأعمق والأكثر خطورة. طبيعة الفلسفة، كما كان يعتقد، جعلت ذلك ضروريًا. كانت الأسئلة الفلسفية تميل إلى تحدي سلطة الآلهة في موطنها. دون الكتابة الخاصة، كان من الممكن أن يعاني الفلاسفة من الاضطهاد لطرحهم أسئلة صعبة ومزعجة، الأسئلة التي كانت تبدو هدَّامة لكونها مُفْعَمة بروح الشك. كيف يمكن فهم صدق تعاليم الكتاب المقدس إذا كانت كذلك بالفعل؟ ما الذي يُشَرْعِن حكم الملوك؟ كيف نعرف أننا في العالم من الأصل، ولسنا أمخاخًا طافية في تجاويف؟ الأقلية المتفلسفة هي من تقدر تلك الأسئلة، على عكس الغالبية غير المتفلسفة. حول شتراوس ملاحظته التاريخية تلك إلى استنتاج معياري (normative conclusion): يجب على الفلاسفة أن يحجبوا الاستقصاء الفلسفيّ عن عيون الحياة العامة، بما فيها الحياة السياسية العامة.
في أواخر حياته، في حديثٍ له مع الفيلسوف جاكوب كلين (Jacob Klein) أمام الجمهور في معهد سان جون (St John’s College) في أنابوليس، ماريلاند، قال ليو شتراوس:
«الفلسفة محاولة لاستبدال الرأي بالمعرفة؛ الرأي هو أساس المجتمعات، لذا فالفلسفة هدامة، ولذا ينبغي على الفيلسوف أن يكتب بطريقة يطور بها المجتمع عوضًا عن أن يخربه. بعبارة أخرى، ثمرة فكر الفلاسفة هي إحدى أشكال الجنون، بينما ثمرة حديثه العام هي ضبط النفس (sophrosyne)».
نحن، سكان المدن المنخرطين في نقاش سياسي عام، نعيش أيضًا على أساس الرأي. وكان شتراوس يرغب في أن يشير إلى أن القليل منا هم من يستطيعون أن يعيشوا على أساس المعرفة، كما لو كان يرفع لافتة «الأسرار، هذا الطريق». المفارقة في قول مثل تلك الأشياء جليَّة.
تزعجني الطريقة التي يقدح بها شتراوس في الحياة اليومية في المدن. تتشابك العديد من مظاهر الحياة العقلية مع الحياة اليومية. فهل يعني هذا أن كل شيء، من النقد الفني إلى علم الاجتماع، يعد رأيًا لا معرفةً؟ هل تفسد استخدامات الحياة اليومية، والعقلية الأداتية (instrumentalist)، الخاصة بالعديد من العلوم الاجتماعية تلك العلوم؟ ألا يتضمن الأدب (كتابةً ونقدًا) استجابة للجوانب النفسية والسياسية للوجود المادي في المقام الأول؟ أم أن ليو شتراوس كان يرى ببساطة ان الفلسفة شيء خاص ومختلف، يتميز بطموحه في أن يستبدل الرأي بالمعرفة؟ هذا الفصل بين الفلسفة وأي شيء آخر يتطلب اللجوء إلى نظرة فلسفية تنفصل عن الواقع لن يتفق عليها الفلاسفة من الأصل. وماذا عن مجالات الدراسة الأكاديمية التي تعتبر الصراع السياسي سببًا في وجودها؟
رغم تلك الصعوبات، يثير مقال «الاضطهاد وفن الكتابة» (Persecution and the Art of Writing) أسئلة مهمة عن العلاقة بين السياسة العامة والحياة الثقافية. كانت تلك العلاقة أكثر تعقيدًا من الجلوس أمام آلة كاتبة واختيار مقال أو افتتاحية لكتابتها في أمل أن تصل لقراء متجاوبين من العامة. كانت مضطربة دائمًا، ليس فقط في المجتمعات المقموعة كالتي فرَّ منها شتراوس في ألمانيا النازية، لكن في المجتمعات الحرة أيضًا كالولايات المتحدة، التي استقر وعمل بها. كان ليو شتراوس يرى أن الاعتقاد الحديث في قدرة النقاش العام على أن تمهيد السبل للمجتمعات الديمقراطية للوصول إلى أهدافها الجمعية يبالغ في الثقة في الحكمة المتوقعة من الكثير من الناس. في المجتمعات الديمقراطية الحديثة، نعتقد أن العامة، الذين تعلموا في البداية في المدارس والذين يعلمون أنفسهم بعدها كقراء ناضجين، هم حلقة الوصل بين الحياة الثقافية وبين الحياة السياسية. لم ارتاب شتراوس من العامة؟
ليست الإجابة ببساطة هي أن الثقة في العامة سمة من سمات الديمقراطيات الحديثة، وأن شتراوس معادٍ للحداثة مولع بما هو قديم، مُحِبًا للنصوص الكلاسيكية وشراحها القروسطيين، الذي كان يراهم الأقرب للُّب الفلسفة الحقيقي. هناك إجابة أفضل تتمثل في خبرات ليو شتراوس السياسية والثقافية حتى عام ١٩٤١ م، التي أثرت بشدة في نقده للتعميم (publicness) وقاده لرؤية الفلسفة كنشاط لا سياسي في جوهره، تهدده الحياة العامة والسياسة العامة ويهددها.
ولد ليو شتراوس لعائلة يهودية ألمانية في ١٨٩٩، وبلغ سن الرشد في عصر جمهورية فايمر الليبرالية التي هاجمتها العديد من القوى من اليمينية واليسارية قبل صعود الحزب النازي بوقت طويل. وكان شتراوس يدرس الفلسفة في الوقت الذي تغيرت فيه الاختلافات السياسية بشكلٍ جذريّ. وكالعديد من الكتاب والمثقفين الذين فروا عند صعود الحزب النازي إلى رأس السلطة، أخذ ليو شتراوس معه صراعات سنوات جمهورية فايمر معه. وفي ١٩٤٩، رفض عالم التاريخ القروسطي ذو التوجه السياسي المحافظ (إرنست كانتوروفيتش Ernst Kantorowicz)، الذي سيدرس في جامعة كاليفورنيا، بيركلي، أن يوقع على قسم الولاء مبررًا ذلك بأنه ليس شيوعيًا، وقال: «لقد تطوعت مرتين للقتال، بالبندقية والمدفع، ضد راديكالي اليسار في ألمانيا، لكني أعلم أيضًا أني بانضمامي إلى كتيبة البيض قد أعددت، وإن لم يكن بشكل مباشر أو بإرادتي، الطريق المؤدي إلى الاشتراكية القومية وصعودها لرأس السلطة.» لم يكن كاتبًا للخاصة، كان يعترض على قاعدة في مؤسسة أكاديمية يخضع أساتذتها إلى اختبار سياسي.
كان «الاضطهاد وفن الكتابة» أول عرض ناضح لنظرية شتراوس في المواطنة الفلسفية، الذي وازن فيها بين مطالب الفلسفة القاسية وبين الحاجة إلى لباقة في التفاعلات المشتركة في المدينة. في مقاله «روح سبارتا أو طعم زينوفون» (The Spirit of Sparta, or, a Taste of Xenophon) (1939)، وصف ليو شتراوس كيف أن الفيلسوف والمؤرخ زينوفون، عندما نُفْي من أثينا، غير أسلوب خطابته ليناسب احتياجات السبارتيين، حيث أجبر على ممارسة الأخلاق في الحياة العامة. في «الاضطهاد وفن الكتابة»، تفحص شتراوس «أثر هذا الاكراه، أو الاضطهاد، على الأفكار وأيضًا على الأفعال.». «القمع»، كما استنتج، في كلمات متفائلة ومحيرة، «لا يمكنه أن يمنع التفكير الحر. لا يمكنه حتى أن يمنع التعبير عن الأفكار الحرة» لإمكان الاحتيال بالكتابة الخاصة.
تخيل شتراوس مؤرخًا يعيش في دولة شمولية الذي «قاده استقصائه إلى الشك في صحة التفسير الذي تدعمه الحكومة لتاريخ الدين». قد يخطو مثل هذا الشخص هجومًا على النظرة الليبرالية لتاريخ الدين، والذي سيكون فرصة لعرض الجدال الرئيسي الخاص بالنظرة الليبرالية. وفي خلال هذا العرض، قد يسقط المؤرخ أدلة ستنبه القراء الاذكياء «الذين يحبون أن يفكروا» إلى تأييد المؤرخ الحقيقي للنظرة الليبرالية. تلك هي الكتابة بين السطور. إنها وسيلة للوصول إلى «القراء الأذكياء والموثوق بهم»، لكن من هم خارج دائرة مراسلته. بالكتابة بتلك الطريقة، يمكننا الحفاظ على احتمالية للتقدير الصحيح تحت غطاء من سوء التقدير، يحميها كما تحمي القشرة الحبة مهما هبت بها العواصف.
لكن ليو شتراوس كان يظن أن هذه الممارسة لم تكن قاصرة على النظم الشمولية، فكتب:
«الاضطهاد يشمل العديد من الظواهر، تتراوح من أقسى الصور، كما تتمثل في محاكم التفتيش الإسبانية، إلى أخفها، كالنبذ المجتمعي.»
أيّ توقع للممارسة خلق بشكل علني قد يصبح إحدى أشكال الرقابة، رغم أنها أخف من «الاضطهاد». ويعتقد شتراوس أن الحرية في التعبير العلني كانت مهددة حتى في النظم الأكثر حرية كما في الولايات المتحدة. هذا يعني أن الخطة التي احتضنها العديد من الفلاسفة منذ منتصف القرن السابع عشر قد فشلت. كانت تلك خطة تنوير تأمل أن نشر التعليم بالمدارس وبالتعليم الذاتي للقراء سيثبت أن «الإجابة الوحيدة للسؤال الملح بشكل دائم، للسؤال السياسي، عن كيفية الجمع بين نظام ليس بقامع وبين حرية ليست بفوضى». شتراوس، رغم ذلك، فد نشأ في أرض البيلدونج (Bildung) ولم يحمِ التعليم ألمانيا من الاضطهاد. رغم إيمانه الشديد بقوة التعليم الحر، لم يعتقد أن بإمكانها حل مشكلة التعميم، ويبدو أنه كان يظن أنها دائمة، بناء على الفروق بين طبائع الناس، القلة (الحكماء) في مواجهة (السوقيين). فكيف تصل إلى الجمهور الصحيح إذن؟
رغم المسافات السياسية والفلسفية الطويلة بيني وبين ليو شتراوس، أرجع إليه لأني أتعاطف مع حلمه بالانسجام الخاص، وبفلاسفة تصل إلى فهم ما، وبعقول مقدرة بدلًا من نقائص العامة إجمالًا. يمتلئ العامة بأشياء مربكة وغامضة، آراء متداولة وإساءة تفسير للحقائق، فشلنا في تصديق أحكامنا، وحاجتنا الدائمة إلى التقدير. نحن نفسح لأنفسنا مكانًا بين العامة عن طريق القبول بقواعدهم. نحن نحتمل التضليل، وبعضنا حتى يستمتع به. كان أرسطو محقًا في التفريق بين البلاغة العامة والجدل الخاص، رغم علاقتهم الوثيقة، لأن الجدال السياسي العام ليس بهدف السعي وراء الحقيقة، مهما تأول. إنه بهدف «الفوز»، كما يقول الكاتب (جون باسكين Jon Baskin)، أحيانًا يسمى (ما نراه حقيقة)، وأحيانًا من أجل هدف أداتي أخر.
لكنه سيكون من السذاجة الجدال بأن الحياة الثقافية لا تتشكل بقوى مماثلة، سواء كنا نقصد الحياة الثقافية الموجودة في المؤسسات الأكاديمية، أو الخاصة بنشر المجلات والكتب من أي نوع. قد تجذب الأكاديمية أو جمهورية الآداب (republic of letters) بعض من يكرهون «الكذب على النفس»، لكنهم أيضًا يتأثرون باقتصاديات الجاه والنجومية، ويولعون بالنزاعات السياسية، ويكابدون للحصول على تواصل اجتماعي بقدر ما يكابدون للحصول على ميزة. يعد عالم الاجتماع (بيير بروديو Pierre Bourdieu)، بنظريته في رأس المال الثقافي (cultural capital)، مرشدًا أفضل من ليو شتراوس لشرح الطريقة التي يعمل بها العالم. سيرفض العديد من الأذكياء عبارة «الكذب على النفس» باعتبارها ساذجة. إحساس الحقيقة الشخصية الذي تستحضره قد لا يكون مناسبًا لرؤيتهم لحياة ثقافية يحكمها الصراع الأيديولوجي، وللسياسة باعتبارها أقيم ما في أفق المعاني. لكنه من السهل استبدال المثل الأعلى الخاص بالقراءة والتفكير بتآزر بالمثل الأعلى الخاص بالقراءة والتفكير للنفس.
الطريقة الفضلى التي أعرفها لوصف التوتر بين التأمل الخاص والحياة العامة هي عبر فن الكتابة، لكن ليس الكتابة الخاصة. أنا أكتب للعامة ولا أخفي شيئًا، لا يوجد «تفاح من ذهب في مصوغ من فضة»، كما في سفر الأمثال 25:11، الصورة التي أحبها موسى بن ميمون الفيلسوف القروسطي وليو شتراوس. لكني اتخيل قارئًا متمهلًا، وأنا كاتب عبارات تشجع على التمهل. أريد أن يوفر نثري مساحة للتفكير في وسط سرعة باقي الحياة. لا أريد أن أخرج من العالم العام، لكني أريد خلق شيء أشبه بالجدل يكون متاحًا في عالم تنتشر فيه البلاغة. رفض العالم العام، أو وضعه في مرتبة أدنى من جلال الفلسفة، سيعني الخروج من مجال الحياة المشتركة، أو تنحية رغبات البشر، وسيعني هذا خيانة إنسانيتي إذا وصلت إلى هذا الحد.
لا أملك اليقين الذي عند ليو شتراوس في وجود تلك المسافة بين المعرفة الحقيقية وأهداف البشر اليومية، بين الإحباطات والمتع. ولا أوافقه في طريقته في الفصل الطبيعي والدائم بين القلة الحكيمة والغالبية السوقية، وهذا ما يخلق مشكلة التعميم في المقام الأول. وعندما أتصور طريقة إقناع القارئ، لا أتصوره كشيء مجرد، كما لو كنا أعضاء في نادي سري، نرتدي خاتمًا لفك الشيفرات السرية. بشكل أكثر تواضعًا، أتصورنا نشترك في حس من الفضول الفكري في علاقتنا مع الحياة، الطريقة التي نتأمل بها تتشكل بنفس أوضاع التواصل العام التي نتشاركها، رغم أنها تعتمد على قدرتنا على التطور. أتمنى ان نستطيع التواصل مع بعضنا البعض ليس كأفراد من مجموعات مختلفة، لكن كقراء فرديين يبقى حكمهم حرًّا، رغم أننا لا نختار الأوضاع المحيطة التي نحكم فيها.
واحدة من أكثر الأمور إثارة عند ليو شتراوس، ربما أكثر من فرضية الكتابة الخاصة نفسها، هو اعتباره أن الفلسفة لها شخصية خاصة، وأننا نستمتع بـ«تحرر داخلي من الرقابة». هذا الزعم يتعارض مع طرقنا التفسيرية المعتادة في العصر التاريخي الذي نعيشه، فنحن نثق أن القوى الاجتماعية تحدد تمامًا تفكيرنا، حتى في داخلنا، لسنا أحرارًا بشكل كامل. حتى أن فكرة وجود مقترح فلسفي لا سياسي قد تبدو سريعًا كادعاء سياسي خفي. من منا يملك رفاهية الاهتمام بشيء آخر مثل اهتمامه بالسياسة؟ لكن يجب أن نفرق بين فكرة أن ظروفنا تحدد وربما حتى تروض أفكارنا وبين فكرة أننا لا نملك أية حرية عندما نقرأ، أو نفكر أو نكتب. يبدو أن كارل ماركس كان يعي تلك التفرقة، في مقاله «انقلاب لويس بونابارت في ١٨ برومير» (1852) (The 18th Brumaire of Louis Bonaparte)، عندما لاحظ أننا ننتج تاريخنا الخاص، لكن ليس بالطريقة التي تسرنا. السؤال الحقيقي هو: من يمكننا أن نثق في الإفضاء له بنوايانا الداخلية؟ ما هو نوع القارئ الذي سيحاول أن يفكر معنا، عوضًا عن إدراج إسهاماتنا تحت إحدى فئات الخصومات السياسية التي، كما أظن، قد اتخذوا فيها جانبًا؟ هل يمكن طرح تلك الأسئلة على الملأ؟ فيما أكتب، أفترض أنه ممكن.
يخلق شتراوس لنا خيالًا عن القراءة والكتابة تمكننا من التحايل على المشاكل المعتادة للتعميم. يقترح هذا الخيال نوعًا من أنواع التحفظ على الحكمة طويل الأمد، في شكل قناعات فلسفية يتوارثها الأجيال جيلٌ بعد جيل. كما لو أن الفلاسفة الأصغر سنًّا سينتبهون لزلات الكتابة والرموز المختبئة ما بين السطور عند الأجيال السابقة، كما لو أن أسلوب القراءة هذا متأصل في العقلية الفلسفية، كما لو أنه هناك شيء يدعى «العقلية الفلسفية»، عوضًا عن عالم مليء بالمنهجيات والآراء المختلفة. إن تفلسف كل الأجيال الماضية يحيي عقول الأحياء، ويحيى فيها.
عندما أشعر بالإحباط من لا مبالاة الحياة الثقافية العامة لما يدور حولها، أفكر بحنين في أن فكرة ليو شتراوس في الكتابة الخاصة تساعد الكتاب على كشف الحقائق للقراء، متمنيًا أن أشاركها مع الآخرين، رغم كرهي للطريقة التي يحقر بها الأمور المشتركة. لا تتكشف الحياة العقلية في خلوة تامة في عالم مشترك، وتتميز بالتأثر بما يحيطها، محددًا المواضيع والمنهجيات التي نستخدمها؛ كفرصة أن تلمح كعب إحدى الكتب في مكتبة، أو المعلم الذي نقابله، أو المقال الذي نقرأه. لا وجود لما هو قطعي. وإذا كان التعميم يشوه الأشياء، إذا كان يحمل خطر سوء التقدير، إذا كان يبدو أنه يؤدي إلى إهدار كل شيء إلى أغبى مستويات الأداتية، فإنه أيضًا يمهد لتبادل القيم مما يكتشف دون تخطيط. أنت تخاطر بما هو سيء لتحصل على الجيد. لذا أنا اهتم بشدة بلامبالاة قرائي، متمنيًا أن يفهموا نواياي فمن ثم يقرأوني بطرق لا أستطيع تخيلها.