على الرغم من التقسيمات السياسيّة التي تفصل بين الدول، والتي تعطي كل دولة جنسيّة مختلفة عن الأخرى، يتبعها اختلاف النظم السياسيّة لها، وعلى الرغم من اختلاف وتباين طبيعة ونوعيّة الموارد الاقتصاديّة، وما يترتب عليها من اختلاف النظم الاقتصاديّة على مستوى العالم، إلّا أن هناك كيانات اقتصاديّة دوليّة تتعامل مع جميع الدول على اختلاف نظمها السياسيّة والاقتصاديّة، هذه الكيانات تُمثّل شكلاً من أشكال الاجماع الاقتصاديّ الدوليّ يتعدى الحدود السياسيّة ويعمل على تحقيق تعاوناً اقتصاديّاً دوليّاً يهدف إلى تحقيق التكامل الاقتصاديّ الدوليّ، وتعميم الاستفادة من التنوّع والتباين في الموارد الاقتصاديّة والبشريّة بين الدول.
فهنالك مجموعة من الكيانات الاقتصاديّة الدوليّة التي تلعب دوراً محورياً في الساحة الاقتصاديّة العالميّة عليك ان تعرفها، حتى تستطيع فهم طبيعة عملها وعلاقتها بالدول الناميّة والمتقدمة، حتى تتعرف على الغرض من تأسيسها على الساحة العالميّة.
هناك عدداً من الكيانات الاقتصاديّة الدوليّة بعضها ما هو معروف وبعضها الآخر ليس على نفس الدرجة من الشُّهرة، ومن أهم الكيانات الاقتصاديّة الدوليّة التي يجب عليك أن تعرفها:
مجموعة البنك الدوليّ: World Bank for Reconstruction And Development
في العام 1944 تم إنشاء البنك الدولي للإنشاء والتعمير بهدف إعادة بناء أوروبا التي دُمّرت في الحرب العالميّة الثانية، ثم تطور عمله وأصبح البنك الدولي للإنشاء والتعمير مؤسسة عالميّة تعاونيّة تنمويّة فيها 189 دولة عُضوة، وأصبح أكبر بنك إنمائي على مستوى العالم، يُقدّم قروضاً وضمانات ائتمان وخدمات إدارة المخاطر والخدمات استشارية للدول متوسطة الدخل ومنخفضة الدخل المتمتعة بالأهلية الائتمانية، بهدف تنسيق جهود الاستجابة والتصدي للتحديات الإقليميّة والعالميّة، لتحسين أداء هذه الدول والعمل على تنمية وتطوير اقتصادها.
بعد ذلك انضم البنك للمؤسسة الدوليّة للتنمية (International Agency for Development)، وهي أيضاً صندوق دوليّ هدفه مساعدة الدول الأشدّ فقراّ، ليشكلا معاً ما أطلق عليه اسم «البنك الدولي». وأصبحا يعملان معاً مع جميع مؤسسات القطاعين العام والخاص في البلدان النامية لإنهاء الفقر وبناء الرخاء المشترك. فمنذ عام 1947 قام البنك الدوليّ بتمويل أكثر من 12 ألف مشروع إنمائي عن طريق القروض التقليدية والائتمانات الخالية من الفوائد أو المنخفضة الفوائد والمنح.
ثم تطوّر دور البنك الدوليّ وشريكته المؤسسة الدوليّة للتنمية وأصبح ليدنا ما يعرف باسم «مجموعة البنك الدولي» والتي تعمل في جميع المجالات الرئيسيّة للتنمية على مستوى العالم، مجموعة تقدم نطاقاً واسعاً من الخدمات الماليّة والمساعدة الفنيّة التنمويةّ، التي تساعد الدول في تبادل وتطبيق المعارف واستخدام الحلول المبتكرة عند التصدي للتحديات التي تواجهها، وأصبحت مكوّنة من كيانات اقتصاديّة فرعيّة هي:
- البنك الدولي للإنشاء والتعمير التمويل الذي يهدف للتطوير المالي وفي مجال السياسات التنمويّة.
- المؤسسة الدولية للتنميّة التي تعمل علة تقديم قروض ومنح بدون فوائد أو بفوائد منخفضة للدول الناميّة.
- مؤسسة التمويل الدوليّة التي تهدف إلى تمويل استثمارات القطاع الخاص وتعبئة رؤوس الأموال اللازمة لذلك، مع تقديم المشورة اللازمة لضمان الاستثمار والتأمين ضد المخاطر الاستثماريّة.
- المركز الدولي لتسوية النازعات الاستثمار الذي يهدف إلى تسوية نازعات الاستثمار الدوليّ.
فالبنك الدولي يشبه مؤسسة تعاونيّة كبيرة، تضم 189 دولة عضوة فيها باعتبارهم مساهمين فيها. ويُمثل المساهمون من خلال مجلس المحافظين، الذين هم كبار واضعي السياسات في البنك الدولي، وبصفة عامة يكون المحافظون هم وزراء المالية أو وزراء التّنمية في الدول الأعضاء، يجتمعون مرة واحدة في السنة في اجتماعات سنويّة.
ويقوم البنك الدولي بأعماله اليومية تحت قيادة وتوجيه الرئيس وجهاز الإدارة العليا وكبار الموظفين ونواب الرئيس المسؤولين عن الممارسات العالميّة والحلول الشاملة للقطاعات والمناطق الدوليّة. [1]
صندوق النقد الدوليّ International Monetary Fund (IMF)
في يوليو 1944 تبلورت فكرة إنشاء صندوق النقد الدوليّ أثناء مؤتمر عقدته الأمم المتحدة في بريتون وودز بولاية نيوهامبشير الأمريكية. بحضور أربعة وأربعين دولة بهدف وضع إطار للتعاون الاقتصاديّ الدوليّ يتجنب تكرار التخفيضات التنافسية لأسعار العملات التي ساهمت في حدوث الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي.
تتمثل رسالة الصندوق الأساسية في ضمان استقرار النظام النقدي الدوليّ أي نظام أسعار الصرف العملات الدوليّة والمدفوعات الدوليّة، حتى تستطيع الدول ومواطنيهم من إجراء المعاملات التجاريّة الدوليّة.
فالهدف الأساسيّ لصندوق النقد الدوليّ هو تعزيز الاستقرار الماليّ الدوليّ والتعاون النقديّ على مستوى العالم. وبالإضافة إلى ذلك فهو صندوق يعمل على تيسير التجارة الدوليّة وزيادة توظيف العمالة والنمو الاقتصاديّ القابل للاستدامة، كما إنه يساعد في جهود الحد من الفقر على مستوى العالم. يدير الصندوق الدول الأعضاء فيه وعددها 190 بلدا وهو مسؤول أمامها في حالة حدوث أزمات.
ومن أهم الخدمات التي يقدمها الصندوق تقديم المشورة الماليّة للدول الأعضاء وتشجيع اعتماد سياسات التي تهدف إلى تعزيز الاستقرار الاقتصاديّ والحدّ من التعرض للأزمات الاقتصاديّة والماليّة والسياسات التي ترفع مستويات المعيشة. كذلك يجري الصندوق تقييمات منتظمة للتطورات العالميّة المحتملة من خلال تقرير آفاق الاقتصاد العالميّ ولتطورات الأسواق الماليّة ولتطورات الموارد العامة من خلال تقرير الراصد الماليّ، وللمراكز الخارجيّة للاقتصادات الكبرى من خلال تقرير القطاع الخارجيّ، بالإضافة إلى نشر سلسلة من التقارير عن آفاق الاقتصاد الإقليميّ.
كما أنه يقدم مساعدات ماليّة للدول الأعضاء التي ترغب في الحصول على القروض لتغطية مشاكل فعليّة أو محتملة في ميزان المدفوعات. [2]
منظمة التعاون الاقتصادي والتّنمية Organization for Economic Cooperation and Development (OECD)
منظمة التعاون الاقتصادي والتّنمية هي منظمة دوليّة تتكون من عضويّة 34 دولة اقتصاديّا تتبنى مبادئ الديمقراطيّة التمثيليّة واقتصاد السوق الحرّ والتي يشكل إنتاجها ثلثي الإنتاج العالميّ.
تم تأسيس المنظمة عام 1948 كمنظمة التعاون الاقتصاديّ الأوروبيّ هدفها المساعدة في إدارة خطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وبعدها بفترة تمّ توسيعها لتشمل عضويتها بلدان غير أوروبيّة.
في عام 1961 تم إصلاحها وتحويلها إلى المنظمة للتعاون الاقتصاديّ والتّنمية كإطار للتعاون بين الدول الأطراف في المنظمة في مختلف مجالات الاقتصاديّة والاجتماعية والبيئيّة.
فهي منظمة دوليّة تهدف إلى التّنمية الاقتصاديّة وإلى إنعاش التبادلات التجاريّة العالميّة. كما إنها تمنح فرصة تُمكّن الحكومات من مقارنة التجارب السياسيّة والبحث عن إجابات للمشاكل المشتركة، وتحديد الممارسات الجيدة وتنسيق السياسات الاقتصاديّة المحليّة والدولية. كما أنها تُشكّل منتدى للضغط على الدول الأخرى بهدف تحسين السياسات عن طريق سن قوانين غير ملزمة، والتي يمكن أن تتطور أحيانا لتصبح معاهدات دوليّة ملزمة.
خلال العقد الماضي عالجت المنظمة مجموعة من القضايا الاقتصاديّة والاجتماعيّة والبيئيةّ ساهمت في تعميق المشاركة مع دوائر الاعمال ونقابات العمال من ممثلي المجتمع المدني. فعلى سبيل المثال مكّنت المفاوضات التي تمت في منظمة التعاون والتّنمية الاقتصاديّة في المجال الضريبي والتسعير التحويلي، في تمهيد الطريق للمعاهدات الضريبيّة الثنائية في جميع أنحاء العالم. كما أن هناك فرعاً خاصاً في المنظمة ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هدفه تحقيق نمواً اقتصادياً أكبراً وأفضل نوعيةً. [3]
منظمة التجارة العالميّة:World Trade Organization (WTO)
عقب اتفاقية مراكش في 1 يناير 1995 تم تأسيس منظمة التجارة العالميّة ، وهي المنظمة الدوليّة العالميّة الوحيدة التي تتعامل مع قواعد التجارة بين الدول. الغرض الأساسي منها هو فتح التجارة لصالح الجميع. ففي جوهرها تكمن اتفاقيات منظمة التجارة العالميّة، التي تم التفاوض عليها وتوقيعها من قبل غالبية الدول التجاريّة في العالم وصدقت عليها في برلماناتها. هدفها ضمان تدفق التجارة بأكبر قدر ممكن من السلاسة والتوقع والحرية بين جميع دول العالم.
ومن أهم الأدوار العالميّة التي تؤديها إدارة النظام العالمي لقواعد التجارة، وتسير التفاوض بشأن الاتفاقيات التجاريّة العالميّة، وتسوية النزاعات التجاريّة بين أعضائها، وتدعم احتياجات الدول الناميّة. [4]
المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة
يعتبر المجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ واحداً من ستة أجهزة رئيسية تابعة للأمم المتحدة وهو المنبر الرئيسيّ لها فيما يتعلّق بالقضايا الاقتصاديّة والاجتماعيّة الدوليّة.
ويتولى المجلس تنسيق العمل الاقتصاديّ والاجتماعيّ لمنظومة الأمم المتحدة الذي يستحوذ على %70 من الموارد البشريّة والمالية للمنظومة. وتجدر الإشارة إلى أن الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة (مثل منظمة الصحة العالميّة ومنظمة الأغذيّة والزراعة) بالإضافة إلى جميع برامج وصناديق الأمم المتحدة (مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة وبرنامج الأغذية العالمي).
وقد تأسس المجلس بموجب الفصل العاشر من ميثاق الأمم المتحدة، وهو الجهاز الأساسيّ المسؤول عن تحسين مستويات المعيشة، والتوظيف الكامل والتقدم الاجتماعيّ والاقتصاديّ لمختلف دول العالم، وتوفير الحلول للمشاكل الاقتصاديّة والاجتماعيّة والصحيّة والمشاكل ذات الصلة على المستوى الدوليّ، والتعاون الثقافي والتعليميّ على المستوى الدوليّ، والاحترام العالميّ لحقوق الإنسان والحريات الأساسيّة.
ويعتبر المجلس المسئول الرئيسي للأمم المتحدة لمناقشة القضايا الاجتماعيّة والاقتصاديّة وصياغة التوصيات المتعلقة بالسياسات العامة. كما يلعب أيضاً دوراً أساسيّاً في تعزيز التعاون الدوليّ في مجالات التّنمية وفي تحديد أولويات العمل.
وكما يتولى مسؤولية توفير فرصة للمنظمات غير الحكوميّة لتقديم خبراتها للأمم المتحدة من خلال المركز الاستشاريّ الذي يمنحه لهذه المنظمات، بحيث يعمّق الصلة بين الأمم المتحدة والمجتمع المدني ويعمل على استدامتها.
ويضمّ المجلس في عضويته أربعًا وخمسين دولة تختارها الجمعية العامة لمدة ثلاث سنوات.
ويركز برنامج العمل الحاليّ للمجلس على تعزيز الحوار مع المؤسسات الماليّة والتجاريّة الدوليّة، وتعزيز التعاون الإنمائيّ الدوليّ، وتحسين المساعدات الاقتصاديّة والإنسانيّة والإغاثة في حالات الكوارث وتعميم المنظور الإنساني في جميع سياسات وبرامج الأمم المتحدة، وتحسين التّنمية المستدامة والتّنمية الاجتماعيّة وكذلك تعزيز نظام منع الجريمة والعدالة الجنائيّة. [5]
كلمة أخيرة
هذه الكيانات الاقتصاديّة الدوليّة على اختلاف مسمياتها واختلاف أهدافها تأسست بهدف تحسين أوضاع الدول وتقليل الفجوة بين العالم النامي والعالم المتطور، وتعمل منذ أكثر من 70 عاماً، تقدم استشارات ماليّة وتجاريّة عالميّة، إلا أن الفجوة الاقتصاديّة لازالت موجودة بالرغم من اتباع الدول الناميّة لبرامج وسياسات تلك الكيانات، ويبقى سؤالاً محورياً يطرح نفسه: لماذا لم تنجح هذه الكيانات في حل مشاكل العالم؟