منذ مائتيّ عام تقريبًا، أبلغ طاقم السفينة (وارين هاستنجز) عن تعرّضه لهجمات بواسطة كرات ناريّة عملاقة انحدرت من السماء. وبحسب الروايات الواردة فقد أشعلت تلك الكرات الناريّة الغامضة النار في السفينة وتسبّبت في مقتل عدّة أشخاص.
وصف المنجّم البريطانيّ (أليستر كراولي) في سيرته الذاتيّة بعد هذا بنحو قرن من الزمن كرة مُتوهّجة من النار المضيئة ظهرت في الكوخ الذي كان يقطنه، وادّعى أن ذلك الجرم السماويّ العائم قد انفجر على الفور. عُرفت هذه الظاهرة الغامضة نادرة الحدوث منذ أقدم العصور، وهي ما يُطلِق عليه العلماء اليوم اسم «البرق الكرويّ».[1]
تنشأ ظاهرة البرق عمومًا خلال العواصف الرعديّة نتيجة تكوُّن شحنات كهربيّة متباينة بين أجزاء السحابة الواحدة، أو بين السحب وبعضها البعض، أو بينها وبين سطح الأرض، فما هو البرق الكرويّ؟
يحدث البرق الكرويّ عادةً أثناء العواصف الرعديّة، ويظهر على شكل كرة عائمة يتراوح قطرها بين سنتيمتر واحد و100 سنتيمترات، يمكن أن يتدرّج لونها بين الأزرق، والبرتقاليّ، أو الأصفر، وتختفي في غضون ثوانٍ قليلة. ويكون مصحوبًا أحيانًا بصوت أزيز ورائحة نفّاذة.
في الثقافات القديمة
اجتذبت مشاهد كرات الضوء العائمة الغامضة انتباه الإنسان عبر العصور، وفي العديد من الثقافات المختلفة، ممّا أوحى بأعدادٍ لا تُحصى من التفسيرات الخياليّة، والقصص الأسطوريّة حول تلك الظاهرة.
في الفلكلور الأستراليّ كانوا يطلقون عليها اسم «Min Min Lights» والتي كانت تُوصف بأنّها كرات ضوئيّة ضبابيّة غامضة تتبع الناس أثناء الليل.
كما وصف اليابانيّون قديمًا «الهيتوداما» اليابانيّة وهي كرات شبحيّة من النار كان يُعتقد أنّها تجلّيات لأرواح انفصلت عن أجسادها المادّيّة بعد الموت.
وفي الفولكلور الإنجليزيّ، كان هناك ما يُعرف باسم « will-o’-the-wisps» واعتقدوا أنّها جِنّيّات مؤذية تحاول تضليل المسافرين. وقد فسّرها العلماء فيما بعد بالتفاعلات الكيميائيّة والتحلّل العضويّ الذي يحدث في المستنقعات.
هل كرة البرق حقيقة؟
تُؤيّد بعض المصادر كونَ هذه الظاهرة قد شُوهدت لمرّات عديدة على مدار التاريخ، وفي مختلف أنحاء العالم، فمثلًا: يُوجد نقشٌ على أبواب المعبد الذهبيّ في مدينة أمريتسار بالهند يصف كيف دخلت كرةٌ من البرق وانفجرت داخل المعبد، وشهِدها مئات المصلّين. كما وصف القيصر الروسيّ (نيقولا الثاني) واقعة ظهرت فيها كرة ناريّة من البرق تحلّق في غرفته.
حدثت إحدى أولى المشاهد المُسجّلة للبرق الكرويّ في عام 1638، عندما ظهرت كرةٌ كبيرةٌ من النار عبر نافذة كنيسة إنجليزيّة. تشير هذه الروايات وغيرها من الروايات المبكّرة إلى أنّ ضربات البرق الكرويّ يمكن أن تكون مميتة.
شكّكت الدراسات فيما مضى في مصداقيّة حدوث ظاهرة البرق الكرويّ، وافترضت أكثر من دراسة أنّ قرابة نصف مشاهدات البرق الكرويّ كانت محض هلوسة ناتجة عن المجالات المغناطيسيّة أثناء العواصف، وهذا قد يُفسّر الإدراك البصريّ الخاطئ لكرات البرق، ولكنّه لا يفسّر الملاحظة الشائعة لوجود رائحة كبريتيّة في الجو بعد اختفاء البرق الكرويّ.
إلى أن سجّل باحثون من جامعة نورث ويست نورمال الصينيّة في مدينة لانزو عام 2012، عن طريق المصادفة، حدوثًا للبرق الكرويّ أثناء دراسة عاصفة رعديّة باستخدام كاميرات الفيديو ومقاييس الطيف ظهرت خلالها كرة البرق عقب ضربة صاعقة مباشرة، وتحرّكت أفقيًّا لحوالي 10 أمتار (33 قدمًا). واكتشف مقياس الطيف احتواء الكرة على عناصر السيليكون، والحديد، والكالسيوم، وكلّ هذه العناصر كانت موجودة أيضًا في التربة المحليّة.
وعلى الرغم من عدد الحوادث وفقًا للروايات، فإنّ الأدلّة المصوّرة والفيديو على ظهور كرة البرق نادرة للغاية. كما أنّ المحاولات المعمليّة لإعادة توليد البرق الكرويّ وتفسيره لم تكن ناجحة تمامًا، على الرغم من كون بعضها لا تزال واعدة.
حاول مُستكشف ناشونال جيوجرافيك ومُطارد العواصف (تيم ساماراز) بمعاونة ابنه وباستخدام واحدة من أسرع آلات التصوير في العالم أن يلتقط صورة للحظة ولادة البرق الكرويّ (قبل أن يُتوفّي في إعصار إلرينو باوكلاهوما في 31 مايو عام 2013).
سبب حدوث البرق الكرويّ
لا زال تفسير ظاهرة البرق الكرويّ وكيفيّة حدوثها غير واضحين، بيد أنّ الباحثين في لانزو يدعمون النظريّة القائلة بأنّ البرق الكرويّ ناتجٌ عن كون الضربات الأرضيّة تخلق تفاعلًا بين الأكسجين والعناصر المتبخّرة من التربة. هذا الهواء المُتأيّن، أو ما يعرف بالبلازما، هو نفس الحالة التي تتكوّن خلال وهج سانت إلمو والذي يتمّ الخلط بينه وبين البرق الكرويّ.
وفقًا لنظرية أخرى نُشرت في عام 2012 فإنّ وجود الزجاج قد يولّد البرق الكرويّ. فمن الممكن أن تتراكم أيّونات الغلاف الجويّ على سطح النافذة، ممّا ينتج عنه مجالٌ كهربائيٌّ كافٍ على الجانب الآخر من النافذة لحدوث تفريغٍ كهربائيّ.
وتُشير دراسةٌ أخرى نُشرت في عام 2016 إلى أنّ إشعاع الميكروويف الذي ينشأ عندما يضرب البرق الأرض يمكن أن يُغلَّف بفقاعة من مادّة البلازما، ممّا يؤدّي إلى ظهور البرق الكرويّ.
وقد يكون البرق الكرويّ مرتبطًا بالزلازل. فهناك ومضات من الضوء الخاطف تحدث أحيانًا في نطاق الزلازل قد تأخذ أشكالًا عديدة؛ فتظهر أحيانًا على هيئة ألسنة من اللهب الأزرق تبدو وكأنها تخرج من الأرض وحتّى ارتفاع كاحل القدم، وأحيانًا أخرى على هيئة ومضات سريعة من الضوء الساطع تشبه ضربات البرق العاديّة، باستثناء أنّها تنشأ من الأرض بدلاً من السماء. وقد تكون الأجرام السماويّة العائمة المعروفة باسم كرة البرق إحدى هذه الظاهر المرافقة لحدوث الزلازل.
فتوصّل الباحثون في دراسة أُجريت عام 2014 حول أضواء الزلازل إلى أنّ بعض الصخور تميل إلى إطلاق شحنات كهربائيّة عندما تضربها الموجات الزلزاليّة، ممّا يُؤدّي إلى ظهور تلك الأضواء المُلوّنة.[2]
تُعتبر ظاهرة البرق الكرويّ نادرة الحدوث جدًّا، وبالرغم من ذلك؛ تشير بعض الإحصاءات إلى أنّ مُعدّل حدوثها هو نفس مُعدّل حدوث ضربات البرق العاديّة. في هذا العصر من الكاميرات المُنتشرة في كلّ مكان تقريبًا، نأمل أن يكون هناك المزيد من الأدلّة القابلة للتحليل والفحص والمُناقشة العلميّة.