يمتاز جزيء الماء بعدّة خصائص كيميائية وفيزيائية جعلته من أغرب المركبات الموجودة في الطبيعة وأهمها على الإطلاق، مما أغرى العلماء على مر العصور لاقتحام عالمه، وكشف المزيد من أسراره. وفي السطور التالية، سوف تتعرف على بعض الاكتشافات التي أزيح عنها الستار مؤخراً.
1. حصلت الأرض على مائها من المذنّبات
رغم أن الأبحاث السابقة أكدت أنّ المذنّبات ساهمت بنصيب ضئيل في ملء المحيطات، إلا أن بحثاً جديداً أُجري مؤخراً حول الموضوع ذاته أثبت غير ذلك.
كانت آخر النتائج التي حصل عليها الباحثون تشير إلى أن نسبة الهيدروجين الثقيل (الديوتيريوم) إلى الهيدروجين العادي – ويشار إليها بالـ ratio H/D – تتراوح بين (1-3) أضعاف النسبة الموجودة في المحيطات على كوكب الأرض. وفي عام 2019، نُشرت نتائج جديدة أظهرت أن نسبة الهيدروجين الثقيل/الهيدروجين العادي على المذنّبات فائقة النشاط (بالإنجليزيَّة: Hyperactive Comets) تعادل نظيرتها في مياه المحيطات. وهذا يعزز النظرية التي تقول إن مصدر المياه على كوكب الأرض قد يكون المذنّبات التي اصطدمت به عند نشوء الأرض.(1)
2. هل تعتقد أن للماء ثلاث حالات فقط؟ أنت مخطئ!
إن تواجد الماء في الطبيعة على هيئة ثلاث حالات -وهي: السائلة (الماء السائل) والصلبة (الثلج) والغازية (بخار الماء)- كانت من أهم الحقائق العلمية التي درسناها في مراحل التعليم المختلفة. لكن يبدو أن الماء اعتاد أن يخبّئ لنا مفاجآت عدة؛ فقد اكتشف فريق من العلماء أنّ الماء السائل يتواجد في حالتين مختلفتين وليس حالة واحدة فقط. ولاحظ هؤلاء الباحثون عدداً من الخصائص الفيزيائية للماء التي تُغيّر سلوكَه بين درجتي الحرارة 50°م و60°م. قد يكون لهذا الاكتشاف تأثير كبير على العديد من المجالات، مثل تكنولوجيا النانو، وعلم الأحياء (البيولوجيا).(2)
3. يمكن للماء الساخن أن يتجمد بشكل أسرع من الماء البارد
يُقال إن الماء الساخن يستغرق بعض الوقت للوصول إلى درجة الحرارة الابتدائية للماء البارد، ثم يسلك نفس منحنى التبريد. ولذلك يبدو من الصعب للوهلة الأولى تصديق أنّ الماء الساخن يتجمد أولاً، لكن هذا حدث بالفعل!
تسمّى هذه الظاهرة بتأثير مابيمبا (بالإنجليزيَّة: Mpemba effect) نسبة إلى مابيمبا: الطالب التنزاني الذي لاحظها أثناء تحضيره للمثلجات (الآيس كريم) عام 1969. دفعت هذه الظاهرة الغريبة الباحثين إلى البحث عن تفسيرات مقنعة لها، ويُعتقد أن هناك عدداً من العوامل التي تساهم في حدوث هذه الظاهرة، وهي كالتالي:(3)
1- التبخر (بالإنجليزيَّة: Evaporation)
إذا أخذنا كتلتين متساويتين من الماء لكل منهما درجة حرارة مختلفة عن الأخرى، فإن سرعة تبخر الماء الأكثر سخونة تؤدي إلى إنقاص كتلته بدرجة تكفي لتعويض مدى درجات الحرارة الذي يجب تغطيته للوصول إلى التجمد. لوحظ في إحدى التجارب نقص الكتلة بنسبة 16% عند خفض درجة حرارتها من 100°م إلى 0°م.
التبخر له تأثير ثنائي؛ أولاً: يعني نقص الكتلة وجود كمية أقل من الماء المراد تجميده، ثانياً: تنخفض درجة الحرارة نتيجة للحرارة المفقودة أثناء تحويل الحالة من السائلة إلى الغازية (الحرارة الكامنة للتبخير Latent heat of evaporation).
2- فرط التبريد (بالإنجليزيَّة: Supercooling)
عند تبريد الماء لدرجة أقل من 0°م، لا يتحول دائماً إلى ثلج. فقد يحدث له ما يسمى بفرط التبريد، ويظل على الحالة السائلة تحت درجة تجمده (بالإنجليزيَّة: Freezing point). ويمكن في بعض الأحيان أن يبقى سائلاً في درجات حرارة تصل إلى -20°م. يُعزى ذلك إلى حاجة بلورات الثلج إلى نقاط تنوية (بالإنجليزيَّة: Nucleation points) كي تستطيع أن تتكوّن. وإذا لم تتواجد نقاط التنوية، يحدث للماء فرط تبريد إلى أن تنخفض درجة حرارته بمقدار يسمح بتكوّن بلورات الثلج بشكل تلقائي.
يؤدي تسخين الماء إلى إزالة الغازات الذائبة التي تتسبب بتكوين الفقاعات عند تبريد الماء. تعتبر هذه الفقاعات نقاط تنوية، ويعمل غيابها على حدوث عملية فرط التبريد. يتميز الماء فائق التبريد بعدم تكون طبقة ثلجية على سطحه تعمل كعازل بين الماء والهواء البارد. وهذا يؤدي إلى تسريع عملية التجميد.
3- الحمل الحراري (بالإنجليزيَّة: Convection)
يكون الماء أكثر كثافة عند درجة حرارة 4°م. فإذا أخذنا كمية من الماء درجة حرارتها 4°م وعرضناها للتبريد، سوف يبرد سطح الماء بسرعة. ولأن الماء السطحي أصبح أقل كثافة من الماء الذي يقع أسفله، تبقى هذه الطبقة الباردة في مكانها مشكلة عازلاً بين الماء السفلي والهواء البارد، مما يبطئ عملية التبريد.
يختلف الأمر تماماً في حالة الماء الساخن، ويحدث التالي: تبرد الطبقة السطحية بشكل أسرع بسبب التبخير والفارق الكبير في درجات الحرارة. لكن في هذه الحالة، تكون الطبقة السطحية أكثر كثافة من الماء الذي يقع أسفلها. فتغوص هذه الطبقة إلى الأسفل دافعة المزيد من الماء الساخن إلى السطح. تنقل تيارات الحمل الحراري البرودة من أعلى إلى أسفل عن طريق الماء، وذلك يسرّع عملية التبريد.
4- الغازات الذائبة (بالإنجليزيَّة: Dissolved gases)
يحتوي الماء على غازات ذائبة مثل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون. يتسبب وجود هذه الشوائب في خفض درجة التجمد. عند تسخين الماء، يتم طرد هذه الغازات لأن قابليتها للذوبان تكون أقل في درجات الحرارة المرتفعة. يحتوي الماء الساخن على كمية أقل من الغازات الموجودة في الماء غير الساخن، لذلك تكون درجة تجمده أعلى، ويتجمد بشكل أسرع.
5- التوصيلية (بالإنجليزيَّة: Conduction)
ينطبق هذا العامل على الماء الذي يوضع في الثلاجة باستخدام أواني صغيرة الحجم. لوحظ أن حرارة الإناء الذي يحتوي الماء الساخن يمكنها إذابة الطبقة الثلجية الموجودة أسفل الإناء. عند إعادة تجميد هذه الطبقة، تقوم بدور الموصل بين الإناء وسطح الثلاجة، وهذا يسمح بحدوث انتقال حراري بشكل أفضل من حالة الإناء البارد.
وفي الختام، يمكننا القول إن هذه الاكتشافات الجديدة لم تنجح فقط في تغيير نظرتنا إلى العديد من المفاهيم العلمية الأساسية، لكنها أيضاً فتحت الباب واسعاً أمام المزيد من البحث والتنقيب في أسرار هذا المركب الغامض.
المصادر:
(1) aa35554-19.pdf [Internet]. [cited 2019 Dec 22]. Available from: https://www.aanda.org/articles/aa/pdf/2019/05/aa35554-19.pdf
(2) Scientists discover a new state of matter for water [Internet]. [cited 2019 Dec 22]. Available from: https://phys.org/news/2016-12-scientists-state.html
(3) Hot Water Freezes Faster than Cold! [Internet]. [cited 2019 Dec 23]. Available from: http://sasuke.econ.hc.keio.ac.jp/~ken/physics-faq/hot_water.html