سمات السينما الأوروبية
عُرفت السينما الأوروبية بأنها ذات أهمية جمالية وثقافية، ومع ذلك فقد كانت حتى وقتٍ قريب متخلفةً عن السينما كفرعٍ من فروع الدراسات السينمائية. هذه مشكلةٌ في حدِّ ذاتها، نظرًا لأنها عُرِفَت بـ«سينما الفن الرفيع» -على عكس سينما هوليوود- وبالأصالة والتنوع.
تميل السينما الأوروبية إما إلى أن تقتصر على أعمال عدة مؤلّفين، بموجب مفهوم «سينما الفن الأوروبي»، أو أن تنقسم بين دراسة السينما الوطنية والحركات السينمائية والمخرجين المستقلين. وكان المفهوم السائد في دراسة السينما في أوروبا هو مفهوم «سينما الفن»، الذي نشأ من الأعمال المعاصرة في العشرينيات من القرن الماضي، لمجموعة من الأفلام لشخصيات بارزة مثل (جان رينوار – Jean Renoir )، و(إنجمار بيرجمان – Ingmar Bergman)، و(فديريكو فيلّيني – Federico Fellini)، وبالإضافة إلى حركات ما بعد الحرب العالمية مثل الواقعية الإيطالية والموجة الفرنسية الجديدة.
أما جوهر السينما الأوروبية فيظهر في أعمال ابتكارية من الناحية الجمالية ومرتبطة بالمجتمع وإنسانية في الشكل. وغالبًا ما تضاف إلى هذه الميزات مفاهيم إبداعية من الأصالة والرؤية الشخصية، حيث إن صناعة الأفلام في أوروبا تختلف اختلافًا جذريًّا عن التي في هوليوود. [1]
على الرغم من أن النقاد الفرنسيين في الخمسينيات من القرن الماضي زعموا إمكانية وجود فن وإبداع في أفلام هوليود مثل: ألفريد هيتشكوك وهاورد هوكس، فقد ظل الإحساس بكونهم السمة المميزة للفيلم الأوروبي.[2]
وفي السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، عُرِفَت السينما الأوروبية على أنها ظاهرة تأسيسية وجمالية مصممة لمواجهة غزو هوليوود لأسواق السينما الأوروبية. وقد زعم أن الأفلام الفنية الأوروبية تقدم في نطاق مختلف؛ حيث طريقة السرد والقصص الغامضة والشخصيات التي تبحث عن المعنى بدلًا من الفعل، والتعبيرات الصريحة، والواقعية، ووتيرة الأحداث البطيئة، وذلك يتطلب سياقَ عرضٍ مختلف، فبالتالي تُعرَض الأفلام في دور العرض ومهرجانات الأفلام ويحظون بنوعٍ خاصٍّ من الاهتمام النقدي. [3]
السينما الإيطالية بعد الحرب العالمية الثانية
دمَّرت الحرب العالمية الثانية صناعةَ الأفلام ماديًّا واقتصاديًّا في الاتحاد السوفيتي واليابان ومعظم الدول الأوروبية، ومع ذلك، ترك استسلام إيطاليا في وقتٍ مبكر منشآتها سليمة نسبيًّا، مما مكَّن السينما الإيطالية من قيادة عصر النهضة السينمائية بعد الحرب العالمية الثانية من خلال تطويرها لحركة الواقعية الجديدة، على الرغم من أنها كان لها جذور في كل من الواقعية التعبيرية السوفيتية والواقعية الشعرية الفرنسية، إلا أن الواقعية الجديدة كانت مَحطَّ اهتمامٍ وطني، وكان موضوعها الواقع اليومي لبلدٍ يعاني من صدمة سياسية وحرب. [4]
وكانت الواقعية الجديدة أول سينما بعد الحرب ترفض قصص هوليوود وتقنيات الإنتاج، وبالتالي، كان لها تأثيرٌ هائل على الحركات المستقبلية مثل الواقعية الاجتماعية البريطانية والسينما البرازيلية الجديدة والموجة الفرنسية والتشيكية الجديدة، كما قاموا بالتصوير في الموقع باستخدام الإضاءة الطبيعية وتسجيل الصوت بطريقة (ما بعد المزامنة – Post Sync) -وهو تسجيل صوتي يقوم الممثلون بإعداده في استوديو خاص بعد تصوير المشاهد ليتوافق معها أثناء الحوار بحيث ألا يلاحظه المشاهد ويكون الصوت أنقى وأوضح- الذي أصبح فيما بعد معيارًا في صناعة الأفلام. ومن أشهر أفلام الواقعية الإيطالية: (Ladri di biciclette- Bicycle Thieves) للمخرج (فيتوريو دي سيكا – Vittorio De Sica) عام 1948م، وفيلما (La Strada – The road) عام 1954م، و(½8) عام 1963م للمخرج (فيديريكو فيلّيني – Federico Fellini).
وابتداءً من سبعينيات القرن العشرين، أُجبِرَ الاقتصادٌ الأوروبي المتراجع العديدَ من المخرجين الإيطاليين على إنتاج أفلامٍ مُشتركةٍ مع الشركات الأمريكية والفرنسية والألمانية والسويدية. ومن أجل زيادة الأرباح، ظهر في العديد من هذه الأفلام نجومٌ عالميون في أدوارٍ قيادية. غالبًا ما أدى ذلك إلى زيادة شعبية التليفزيون في جميع أنحاء إيطاليا، وأدى أيضًا إلى فقدان الهوية الوطنية في الأفلام الإيطالية، على الرغم من أن بعض صناع الأفلام مثل: روبرتو بينيني، وكارلو فيردوني، وموريتسو نيشيتي، كانوا قادرين على الاستفادة وتحقيق الأرباح الطائلة من هذا الوضع الجديد. [5]
السينما الفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية
أنتجت السينما الفرنسية للاحتلال وفترة ما بعد الحرب العديدَ من الأفلام الرائعة مثل: (Les Enfants du paradis – Children of Paradise) للمخرج (مارسيل كارنيه – Marcel Carné) عام 1945م، و(La belle et La Bête – Beauty and The Beast) للشاعر والمخرج (جان كوكتو – Jean Cocteau) عام 1946م، و(Jeux Interdits – Forbidden Games) ل(رينيه كليمان – René Clément) عام 1952م. طريقة عرضها اعتمدت بشكل كبير على النص، وكانت في الأغلب نصوصًا أدبية بحتة، ومع ذلك كانت هناك استثناءات في الكلاسيكية البسيطة (Journal D’Un Curé de Campagne – Diary of a Country Priest) ل(روبرت بريسون – Robert Bresson) عام 1950م، والكوميديا العبثية (Les Vacances de monsieur Hulot – Mr.Hulot’s Holiday) ل(جاك تاتي – Jacques Tati) عام 1953م، والرائعة الفنيّة (La Ronde – Round) للمهاجر الألماني (ماكس أوفلز -Max Ophüls).
وقد ساهمت تلك الأعمال مساهمةً كبيرةً في السينما العالمية. وظهرت حركات وثائقية مستقلة، وأنتجت أفلامًا غير واقعية وكانت بمثابة مركز تدريب للمخرجين الشباب على نقيض صناعة الأفلام التقليدية، وأثرت على أسلوب الإنتاج المستقل للحركة التي بلغت ذروتها في فترة ما بعد الحرب وهي الموجة الفرنسية الجديدة. [6]
المصادر:
-
Willemen, P. (2000). World Cinema: critical approaches. Oxford University Press on Demand.
pp. 56-59.
-
Thompson, K., & Bordwell, D. (2003). Film history: An introduction (Vol. 205). New York: McGraw-Hill.
.pp.50-64
- Willemen, P., op cit, pp.56-59
- https://www.britannica.com/art/history-of-the-motion-picture
- https://www.britannica.com/art/history-of-the-motion-picture/Cinema-around-the-world#ref52164
- https://www.britannica.com/art/history-of-the-motion-picture/France