بينما تكافح الدول للسيطرة على جائحة فيروس كوفيد 19، أصبحت الاختبارات الكيميائية الحيوية التي يمكنها تحديد فيروس (سارس- كوفيد2 Sars-CoV-2) موضع اهتمام كبير. حيث حددت إدارة ترامب في الولايات المتحدة، في أوائل شهر مايو، هدفًا لاختبار ثلاثة ملايين شخص أسبوعيًا. في حين حددت حكومة المملكة المتحدة لنفسها هدفًا يبلغ مئة ألف اختبار يوميًا بحلول نهاية أبريل، وهو تحدٍّ تدًّعي أنها واجهته، على الرغم من شكوك آخرين في ذلك.
ومع ذلك، يمكن القول إن الأمر الأكثر أهمية من تلك الأهداف هو ما تخبرنا به الاختبارات، وكيف نستخدم هذه المعلومات.
لماذا نحتاج إلى إجراء الاختبار؟
بالنسبة إلى الفرد، فهي أفضل طريقة للإجابة عن السؤال الذي ربما طرحناه جميعًا على أنفسنا في الأسابيع الأخيرة: هل لديَّ فيروس كوفيد 19؟
قال باباك أشرفي (Babak Ashraf) الرئيس الإكلينيكي لتوسيع الخدمات في صيدلية زافا (Zava) في المملكة المتحدة:
يمكن أن تشير الأعراض المرتبطة بسارس كوفيد-2 إلى أمراض أخرى.
وقال أيضًا:
من دون اختبار، لا توجد طريقة لمعرفة مكان نشاط الفيروس حقًا، ومدى سرعة انتشاره.
وعلى نطاق واسع، يوفر الاختبار معلومات مهمة عن الصحة العامة يمكن أن تساعد الحكومات في اتخاذ قرارات بشأن كيفية الاستجابة للوباء. ويقول جون باجشو (John Bagshaw)، الرئيس التنفيذي للعمليات المؤقتة في الجمعية البريطانية للتشخيصات المختبرية:
يمكن أن يساعد الاختبار في توجيه إجراءات العلاج من خلال النظام الصحي.
ويقول أيضًا:
التشخيص المبكر قد ينقذ الأرواح، إضافة إلى تقليل العزل غير الضروري، والسماح للعمال باستئناف العمل، بما في ذلك العاملون في مجال الصحة والرعاية.
ويمكن أن يساعد الاختبار أيضًا في العثور على الأشخاص المصابين دون إظهار أي أعراض. مما يمكنه أن يخبرنا عن عدد الأشخاص الذين أُصيبوا بالفعل إجماليًّا، ومن قد يكون مُحصنًا بعد الإصابة.
كيف تعمل الاختبارات؟
يوجد نوعان من الاختبار:
- أحدهما يكتشف إذا كان الفيروس موجودًا في جسمك الآن.
- والآخر يختبر إذا كان الفيروس قد أصاب جسمك من قبل أم لا.
يتضمن النوع الأول عادةً أخذ مسحة من الحلق، حيث يستخدم تفاعل البلمرة المتسلسل (PCR) للكشف عن الكود الجيني لفيروس كوفيد سارس (Sars-CoV-2 RNA)، وهو كالتالى:
– يُنسخ الحمض النووي الريبوسومي للفيروس إلى خيط واحد من الحمض النووي التكميلي (cDNA) بواسطة إنزيم النسخ العكسي، حتى يتمكن إنزيم DNA polymerase من القيام بعمله في الخطوات المتتالية.
– يقدم العلماء خيوطًا من الحمض النووي (DNA) يسمى فتيل إلى العينة، الذى صُمِّم خصيصًا للعثور على أجزاء معينة من cDNA للفيروس والارتباط معها.
– عندما ترتبط خيوط DNA مع خيوط cDNA الفيروسي، يُنشَّط إنزيم DNA polymerase الذى يبدأ في عمل نسخ مزدوجة من الحمض النووي الفيروسي.
– تحمل بعض خيوط الحمض النووي DNA صبغة مشعة مضيئة تُطلَق عندما ترتبط بالحمض النووي الفيروسي cDNA.
– عندما يُضاعف الاختبار الحمض النووي الفيروسي، يُطلق المزيد من جزيئات الصبغة؛ ما يشير إلى إيجابية العينة.
وتعمل بعض الإصدارات الأخرى من الاختبارات عن طريق إضافة صبغة ذات خاصية مشعة فقط عندما ترتبط بالحمض النووي الفيروسي مزدوج الشريط.
وهناك أيضًا اختبارات يمكنها اكتشاف بروتينات الفيروس بدلًا من الحمض النووي الريبوزي الخاص به. ويستخدم في هذا الاختبار شريحة مغطاة بأجسام مضادة خاصة بالفيروس. إذا كانت العينة تحتوي على بروتينات فيروسية، فسوف تلتصق بالأجسام المضادة. ثم يُضاف في الخطوة الثانية أجسام مضادة مشعة، التي صُمِّمت أيضًا لاستهداف البروتينات الفيروسية، ومن ثم سيتمسك بأي جسم كان مرتبطًا في الخطوة الأولى. ثم تعطي شدة التألق مقياسًا لتركيز الفيروس في العينة.
كيف يمكنني معرفة إذا كنت مصابًا بفيروس كوفيد 19 من قبل أم لا؟
يتضمن هذا أساسًا اكتشاف الأجسام المضادة التي تنتجها أجهزة المناعة لدينا عند تعرضها للفيروس الذي يوجد في الدم أو السيرم. يوضح باجشو قائلًا:
تُؤخذ عينة من الدم في أنبوب أو غشاء حيث تُلصق قطع من الفيروس.
فإذا كانت عينة الدم تحتوي على أجسام مضادة لكوفيد 19، فسوف تتناسب مع هذه الأجسام مثل المفتاح الموجود في القفل.
في طريقة الإليزا (enzyme-linked immunosorbent assay)، يُضاف نوع ثانٍ من الأجسام المضادة، الذى يتعرف على الأجسام المضادة للمريض ويلتصق بها (فى حالة إذا التصقت بجزيئات الفيروس في الخطوة السابقة). ويرتبط هذا الجسم المضاد الثاني أيضًا بإنزيم. وفي الخطوة الأخيرة، تُضاف صبغة وإذا كان الإنزيم موجودًا (لأنه مرتبط بالجسم المضاد الملتصق بالجسم المضاد للمريض الملتصق بالفيروس) فإن الإنزيم سوف يكسر الصبغة ويجعلها تتألق. ثم تُربط كثافة اللون مباشرة بتركيز الجسم المضاد لسارس كوفيد-2 في عينة المريض.
تستهدف هذه الاختبارات الأجسام المضادة للجلوبيولين المناعي (M (IgM والجلوبيولين المناعي (G (IgG، ويقول سيمون باركر، مدير السوق الإكلينيكي لشركة Roche Diagnostics في المملكة المتحدة:
إن استجابة IgM تأتي عندما نكون في أشد حالات المرض، وينضج IgG مع نضوج الاستجابة المناعية
على سبيل المثال، تحدد المناعة لـ Anti-Sars-CoV-2 التي ابتكرتها شركة إلكسيس روش أجسامًا مضادة عالية التقارب لسارس كوفيد-2، خاصة IgG وبعض IgM. إلكسيس هو نظام كهربائي، ينتج الضوء فقط عند تطبيق تيار كهربائي.
يستغل زافا طريقًا آخر في هذا الموضوع، فمع قياس مناعة الجسيمات الدقيقة المضيئة كيميائيًا التي تشبه بالمثل ناتج الضوء المستخدم لقياس مستويات الأجسام المضادة. ويوضح أشرفي إن اختبار زافا يكشف عن وجود أجسام مضادة IgG لسارس كوفيد-2 في مصل الدم البشري.
لماذا من الصعب الحصول على تصريح لعمل اختبار لفيروس كوفيد 19؟
في البداية كانت هناك مشكلات في توريد الكواشف لاختبارات تفاعل البوليميرات (PCR)، لكن باجشو وأشرفي يقولان: «إنهذه المشكلات حُلَّت الآن إلى حد كبير في المملكة المتحدة». وتبقى المشكلة الآن في ضمان دقة الاختبار، أو بدرجة أدق خصوصيتها وحساسيتها. تتعلق الحساسية بنسبة الحالات الإيجابية التي يكتشفها الاختبار. وتشير الخصوصية إلى عدد الإيجابيات الخاطئة التي تعرضها، وهي نقطة تركيز رئيسة لباجشو.
ومن ثم ننتقل إلى مرحلة ينخفض فيها عدد الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس، وتصبح الاختبارات المحددة للغاية أكثر أهمية. ويشرح باجشو هذا بمثال:
إذا كان الاختبار حساسًا بنسبة 100٪، فلن يفوتك أبدًا نتيجة إيجابية حقيقية. ولكن إذا كانت محددة بنسبة 99.5٪، فستعطي أيضًا حالة إيجابية خاطئة واحدة من كل 200 عينة. في عينات 1000 شخص بمعدل إصابة 1٪، سيحصل على 10 إيجابيات حقيقية وخمس إيجابيات خاطئة.
ويشدد قائلًا إن «الثلثين صحيحان والثلث خطأ».
ويضيف إن اختبار الأجسام المضادة قد يكون أكثر صعوبة. ويلاحظ باجشو أنه كلما زادت الخصوصية من 100٪ كانت جوازات سفر المناعة خاطئة بصفة خطِرة.
على سبيل المثال، طُوِّر نوع آخر من اختبارات الأجسام المضادة، يسمى التدفق الجانبي المناعي (LFIA)، الذي يستخدم تقنية اختبار الحمل المنزلي نفسه، لاختبار قطرات الدم من وخز الإصبع. ومع ذلك، في الآونة الأخيرة، وجدت اللجنة الاستشارية العلمية لاختبار كوفيد في المملكة المتحدة إن حساسية اختبارات LFIA تراوحت بين 65-85٪ والخصوصية تراوحت بين 93-100٪. حيث حددت وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية في المملكة المتحدة حدًا للخصوصية بنسبة 98 ٪ كحد أدنى لـ LFIA. ولذلك خلصت اللجنة إلى أن النتائج المتاحة حاليًا لا تعتبر جيدة بما يكفي لتطبيق الاختبارات على المريض الفردي.
يقول باركر: «في اختبار الأجسام المضادة لـ Roche Elecsys يستخدم عينات الدم المأخوذة من المرضى بواسطة متخصصي الرعاية الصحية المؤهلين». وعند تحليله على منصة اختبار Roche، تكون حساسية الاختبار بنسبة 100٪ بعد أكثر من 14 يومًا من تأكيد PCR لعدوى سارس كوفيد-2 وخصوصيته تزيد على 99.8٪.
ماذا عن أنواع الاختبارات الجديدة؟
يُطوَّر العديد من أنواع الاختبارات المختلفة للمساعدة في حل أزمة كوفيد 19. حيث تستخدم إحدى الإصدارات البارزة أداة تحرير الجينات بتقنية كريبسر (Cripsr)، مع إصدارات مختلفة تطورها شركتي Mammoth Biosciences و Sherlock Biosciences. وتستخدم الاختبارات إنزيمًا يكون عادةً Cas9 أو Cas12 أو Cas13 مرتبطًا بخيوط RNA المصممة لربط أجزاء من RNA الفيروسي. ويتضمن أيضًا خيوط RNA التي تحتوي على تسلسلات تعمل كإشارة.
وعندما يرتبط الحمض النووي الريبوزي الفيروسي RNA، يُنشَّط إنزيم كاس (Cas) لبدء قطع خيوط الحمض النووي الريبوزي، التي تطلق تسلسلات الحمض النووي الريبوزي المراسل. وتتسبب هذه الأساليب القائمة على تقنية كريبسر في حدوث تغيرات في اللون على شرائط الورق للإشارة إلى وجود فيروس سارس كوفيد-2 بسرعة وبتكلفة زهيدة.
يلاحظ باركر أن كوفيد-19 قد دفع أيضًا بالتطوير السريع لطرق PCR والأجسام المضادة ويقول:
إن السرعة الجائحة لفيروس سارس كوفيد-2 تعني أن الاختبارات التي يستغرق تطويرها عادة عامين أو ثلاثة أعوام يجب تطويرها في غضون أشهر، وهذا لم يحدث من قبل في حياتنا.