استخدم علماء الاجتماع مصطلح اليمين المتطرف لأول مرة في الخمسينيّات من القرن الماضي لوصف أنشطة (جمعية جون بيرش-John Birch Society)، وهي مجموعةٌ سياسية أمريكية تدعم مناهضة الشيوعية والحكومة المحدودة.[1]
ويجري استخدام مصطلح اليمين المتطرف في الولايات المتحدة لوصف الجماعات التي تسعى إلى إجراء تغييراتٍ جذريةٍ د اخل المؤسسات السياسية وتسعى لإبعاد الأشخاص والمؤسسات الذين يمثلون تهديدًا لقيمهم أو مصالحهم الاقتصادية. ومن الحياة السياسية؛ فمعظم هذه الجماعات في الولايات المتحدة تعارض وتناهض الاشتراكية والشيوعية والماركسية والفوضوية والديمقراطية الاجتماعية والليبرالية.[2]
مصطلح اليمين المتطرف
هناك خلاف حول وصف الحركات اليمينية، ولا يوجد إجماع حول ماهية المصطلحات المناسبة، ويعد المصطلح الذي طُوِّر في الخمسينيّات من القرن الماضي، وهو «راديكالي» أو «متطرف» هو الأكثر استخدامًا.
وقد استخدم اليسار مصطلحات اليمين المتطرف أو اليمين الراديكالي لوصف المحافظين الذين يختلفون مع وجهة نظرهم. ويفضل البعض الآخر أن يطلقوا عليهم «اليمين» أو «المحافظون» [3]. وقد صاغ (سيمور مارتن ليبسيت-Seymour Martin Lipset) مصطلح اليمين المتطرف في كتابه بعنوان (اليمين الأمريكي الجديد-The New American Right)، الذي نُشر عام 1955م. [4]
ووفقًا لـ (كلايف ويب-Clive Webb):
«يُستَخدَم اليمين المتطرف لوصف المنظمات المناهضة للشيوعية مثل جمعية جون بيرش، ويستخدمها الباحثون لوصف كل من يؤمن بتفوق البيض» [5].
وتعمل معظم جماعات اليمين المتطرف خارج الحياة السياسية، وتدعو إلى تغيير جذري، وفي الحالات القصوى تستخدم العنف ضد الدولة.
الرؤى النظرية لليمين المتطرف
بدأت دراسة اليمين المتطرف في الخمسينيّات من القرن الماضي عندما حاول علماء الاجتماع شرح المذهب المكارثي؛ وهو سلوك يقوم بتوجيه الاتهامات بالتآمر والخيانة دون الاهتمام بالأدلة، وكان يُنظر إليه على أنه تراجع عن التقاليد السياسية الأمريكية. وبدأ وصف اليمين المتطرف في كتاب (ثورة المحافظين الزائفين-The pseudo-conservative revolt) لـ (ريتشارد هوفستاتر-Richard Hofstadter) و(مصادر اليمين الراديكالي-The sources of the radical right) لـ (سيمور مارتن ليبسيت-Seymour Martin Lipset).[6]
ويعتقد البعض من اليمين أن المكارثية يمكن تفسيرها على أنها رد فعل عقلاني للشيوعية، بينما يعتقد البعض الآخر أنه يجب وضع المكارثية كجزء من الاستراتيجية السياسية للحزب الجمهوري، وأنكر النقاد اليساريون إمكانية وصف المكارثية على أنها حركة جماهيرية ورفضوا مقارنتها مع الشعبوية في القرن التاسع عشر.[7]
وكتب المؤرخ ريتشارد هوفستاتر تحليلاً في مقالته التي صدرت عام 1964 بعنوان (أسلوب جنون العظمة في السياسة الأمريكية-The Paranoid Style in American Politics) عرّف فيه هوفستاتر الأفراد المصابين بجنون العظمة سياسيًا بأنهم يشعرون بالاضطهاد والخوف من المؤامرة ويتصرفون بشكل عدواني.
وصرح هوفستاتر في الخمسينيات من القرن الماضي بأن الحركة اليسارية في تسعينيات القرن التاسع عشر قد أظهرت ما أطلق عليه «أوهام من جنون العظمة بأن هناك تآمرٌ من المسيطرين على المال (القوة الرأسمالية)».[8]
وصنف المؤرخون أيضًا حركات سياسية أخرى وفقًا لفكرة جنون العظمة، مثل (حزب الاتحاد الدستوري المحافظ-Constitutional Union Party) لعام 1860م، وفي وقت لاحق، على ظهور مجموعات يمينية جديدة، مثل (اليمين المسيحي-Christian right) و(حركة باتريوت-Patriot movement) الأمريكية.[9]
كيف يصبح الشخص يمينيًّا متطرفًا؟
رَكّزَ علماء الاجتماع مثل ليبسيت على من انضم إلى هذه الحركات ورأوا أن تطور الجماعات اليمينية المتطرفة يحدث على ثلاث مراحل. في المرحلة الأولى؛ تتعرض مجموعات معينة لضغوط بسبب فقدان المكانة أو التهديد بفقدانها. وفي المرحلة الثانية يضعون نظريات حول ما أدى إلى هذا التهديد. وفي المرحلة الثالثة، يحددون الأشخاص والجماعات الذين يعتبرونهم مسؤولين عن هذا التهديد.[10]
وعلى الجانب الآخر، نجد أن بعض الباحثين رفضوا تحليل ليبسيت، فيقول (جيمس أهو-James Aho)، على سبيل المثال، إن الطريقة التي ينضم بها الأفراد إلى الجماعات اليمينية لا تختلف عن كيفية انضمامهم إلى أنواع أخرى من المجموعات، فهم يتأثرون بمن يجندهم وينضمون لأنهم يعتقدون أن الأهداف التي تروج لها المجموعة ذات قيمة بالنسبة لهم. ويرفض العديد من الباحثين مثل (سارة دايموند-Sara Diamond) النظريةَ القائلة بأن الانتماء إلى اليمين المتطرف مدفوع بالعاطفة واللاعقلانية ويرون أنها تشبه الحركات السياسية الأخرى.[11]
ووجد هوفستاتر خيطًا مشتركًا في اليمين الراديكالي أو اليمين المتطرف من الخوف من المتنورين في أواخر القرن الثامن عشر إلى الحركات المعادية للكاثوليكية والمعادية للماسونية في القرن التاسع عشر إلى المكارثية وجمعية جون بيرش في القرن العشرين. لقد رأوا التاريخ على أنه مؤامرة، وأنه يجب أن يبذلوا جهودًا عاجلةً لوقفها.[12]
مركزية فكرة «المؤامرة» عند اليمين المُتطرف
على مر التاريخ، كانت «نظرية المؤامرة» سمةً رئيسية في اليمين المتطرف وتناولتها العديد من الكتب والمقالات، وأشهرها مقال ريتشارد هوفستاتر عام 1964 «أسلوب جنون العظمة في السياسة الأمريكية». فرأوا أن الكاثوليك وغير البيض والنساء واليهود والمسلمين والهندوس والبوذيين والشيوعيين الأمريكيين والماسونيين والمصرفيين والحكومة الأمريكية هم مصدر التهديد.
وفي خريف 2010؛ وفي تقريرٍ صادر عن مركز قانون الحاجة الجنوبي، حدد ما يلي على أنه أهم 10 نظريات مؤامرة يتبناها اليمين المتطرف نذكر منها:
- (كيمتريل-Chemtrails) أو نظرية مؤامرة الكيمتريل: وهو عبارة عن سحاب أبيض يشبه الخطوط التي تطلقها الطائرات، وهو يتركب من مواد كيميائية ولا يحتوي على بخار الماء. ويُرش هذا الغاز من على ارتفاعٍ عال، ويشكك اليمين المتطرف في الغرض من استخدامه ورأوا أنه يُستخدم في برامج سرية يقودها مسؤولون حكوميون.[13]
- النظام العالمي الجديد: يرى اليمين المتطرف الأمريكي أن النظام العالمي الجديد سيبدأ مع انقلابٍ دراماتيكي يقوده «فريق سري»، ستُستخدم فيه مروحيات سوداء في الولايات المتحدة وغيرها من الدول القومية لتتكون حكومة عالمية شمولية تسيطر عليها الأمم المتحدة وتطبقها قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.[14]
- (معسكرات الاعتقال التابعة لوكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية-FEMA): يرى اليمين المتطرف أن هذه المعسكرات ستُستخدم لسجن المواطنين الأمريكيين.[15]
- الحادي عشر من سبتمبر كخطة حكومية: أن الحكومة الأمريكية خططت للهجمات وتعاونت مع القاعدة في تنفيذها.[16]
- التحكم بالسكان: هو ممارسة التحكم عن قصد في معدل نمو السكان.
- (برنامج الشفق النشط عالي التردد-HAARP): هو برنامج أبحاث الغلاف الأيوني تم بتمويل مشترك من قبل القوات الجوية الأمريكية وبحرية الولايات المتحدة الأميركية، وجامعة ولاية ألاسكا وداربا، وهم يرون أن هذا البرنامج هو المسبب لكل الكوارث الطبيعية التي تحدث من فيضانات وزلازل.
- الاحتياطي الفيدرالي: أن قانون الاحتياطي الفدرالي الذي صدر عام 1913 هو مجرد مؤامرة مصرفية.
تشترك معظم هذه النظريات في الاعتقاد السائد بوجود نظامٍ عالمي جديد يهدف إلى إنشاء حكومة شيوعية لعالم واحد. وينظر إلى تغير المناخ على أنه خدعة في بعض الأحيان يرتبط أيضًا باليمين المتطرف.
تاريخ الحركات اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة
المكارثية-McCarthyism
على الرغم من أن الولايات المتحدة خرجت من الحرب العالمية الثانية كأقوى دولة في العالم على الصعيدين الاقتصادي والعسكري، فقد تعززت الشيوعية أيضًا كما انتشرت الشيوعية في أوروبا الشرقية وجنوب شرق آسيا، وكان هناك العديد من حركات التمرد الشيوعية.
وفي الوقت نفسه، ادعى (جو مكارثي-Joe McCarthy)، السيناتور الجمهوري عن ولاية (ويسكونسن-Wisconsin)، في عام 1950 أن هناك 205 جاسوس شيوعي في وزارة الخارجية. وكان الهدف الرئيسي للمكارثية هو استهداف الأفراد بسبب معتقداتهم، فتم وضع قوائم سوداء في العديد من الصناعات التي تقيد توظيف من يتم الشك فيه على أنه شيوعي، وتم الضغط على المكتبات لإزالة الكتب والدوريات التي كانت تعتبر مشبوهة.[17]
جمعية جون بيرش
جمعت جمعية جون بيرش التي تأسست عام 1958 بين الليبرالية الاقتصادية ومعاداة الشيوعية. ويعتقد المؤسس روبرت ويلش جونيور أن أكبر عدو للإنسان هو الحكومة، وكلما اتسعت الحكومة، زاد العدو. بالنسبة له، الحكومة فاسدة بطبيعتها وتشكل تهديدًا للسلام، فدافع عن المؤسسات الخاصة والحكومات المحلية.[18]
الحزب الأمريكي المستقل-American Independent Party
أنشأت الحملة الرئاسية لـ (جورج والاس-George Wallace) عام 1967 حزبًا جديدًا يسمى الحزب الأمريكي المستقل (AIP) والذي أصبح في السنوات اللاحقة تحت سيطرة عناصر اليمين المتطرف. وفي عام 1969، انقسم الحزب إلى مجموعتين، الحزب الأمريكي المناهض للشيوعية بقيادة (توماس كولمان أندروز-Thomas Coleman Andrews) ومجموعة أخرى بقيادة مؤسس AIP (بيل شيرر-Bill Shearer).
وعارضت المجموعتان التدخل الفيدرالي في المدارس، وفضلتا قمع الشرطة للاضطرابات الداخلية وحرب فيتنام. واتحدت المجموعتان من أجل دعم الحملة الرئاسية لعام 1972 لجورج والاس، ولكن بعد انسحابه رشحوا الممثل الأمريكي (جون جورج شميتز-John George Schmitz) الجمهوري.[19]
اليمين البديل
اليمين البديل هو حركة قومية بيضاء نشأت في الولايات المتحدة خلال 2010، وهي تتبنى أفكارًا مثل التفوق الأبيض، والشعبوية اليمينية، ومكافحة الهجرة، والعنصرية، ومعاداة الشيوعية، ومعاداة الصهيونية، ومعاداة السامية، وإنكار الهولوكوست، وكراهية الأجانب، ومعاداة النسوية، والإسلاموفوبيا.
وفي عام 2010 ؛ أطلق القومي الأبيض الأمريكي (ريتشارد سبنسر-Richard Spencer)، اليمين البديل على الإنترنت. وفي عام 2015 جذبت الحملة اهتمامًا بسبب دعم اليمين البديل لحملة دونالد ترامب الرئاسية لعام 2016. وعند انتخابه؛ تبرأ ترامب من الحركة. يقول سبنسر، مؤسس اليمين البديل:
«[ترامب] يقاتل من أجلنا. إنه يقول إننا سنكون عظماء مرة أخرى». «إنه يحاول إيقاظ قوميتنا أكثر من أي شخص آخر. أنا أُحِبُه».[20]
اليمين المتطرف بعد انتخابات 2020
منذ فوز جو بايدن في الانتخابات الأمريكية في نوفمبر 2020م، كان لليمين المتطرف دورًا بارزًا في التظاهرات التي خرجت ضد الانتخابات، ومنها جماعات (حراس القسَم-Oath Keepers) و(ثلاثة في المئة-Three Percenters)، وبالعودة لتاريخ هاتين الحركتين نجد أنهما قد تأسسا بعد انتخاب الرئيس الأسبق باراك أوباما. وأخذ حراس القسَم اسمهم من القسم الذي يردده أعضاء الجماعة في أن يدافعوا عن الدستور الأمريكي، بينما أخذت جماعة ثلاثة في المئة اسمها من زعمهم أن نسبة 3% فقط من الأمريكيين هم الذين قاتلوا ضد البريطانيين في حرب الاستقلال.
وقد برزت جماعات أخرى مثل (براود بويز-Proud Boys) و(ذا بوغالو بويز-boogaloo boys)، في أعمال عنف في الشوارع. وتركز جماعة «ذا براود بويز» على معاداة المهاجرين والذكور عمومًا، أما «ذا بوغالو بويز» فإنهم لم ينفوا رغبتهم في القيام بانقلاب مسلح ضد الحكومة الأمريكية. وقد كان لكل هذه الجماعات دور كبير في عملية اقتحام مبنى الكابيتول في الثامن من يناير 2021م.[21]