سنستعرض معًا في هذا المقال الطُرق المتاحة في الوقتِ الراهن لمحاكاة الجريان بأنواعه المختلفة لتسهيل عملية دراسته. وقبل البَدْء في تفاصيل المقال، لا بد من التنويه على أن المعلومات في هذا المقال تعتمد على اطلاعك على معلومات المقال السابق (ميكانيكا الموائع 6)، لذا أدعوك إن لم تكن قد قرأته بعد، أن تقرأه أولًا ثم تعود إلينا لنبدأ رحلتنا معًا.
قياس سرعة صورة الجسيمات
تُعَدْ هذه الطريقة إحدى الطرق الحديثة وتعرف باسم Particle Image Velocimetry(PIV)، وتطورت هذه الطريقة لدراسة حركة مجموعة من الجسيمات عالقة في المائع، وتسمى جُسيمَات التتبع – Tracer Particles، خلال مستوى معين في المائع. وقد طُوِرَت هذه الطريقة أكثر؛ لتمكن العلماء من دراسة حركة المائع في ثلاثةٍ أبعاد. وتقوم على وضع جزيئات التتبع في المائع المراد دراسة جريانه، وجزيئات التتبع تكون عاكسة للضوء، ووضع المائع مع الجزيئات في أنابيب أو إناء شفاف. كما يمكنك الملاحظة في الصورة التالية، فإن الأمر برمته يقوم على أن يضيئ شعاع ليزر منطقة محددة وتتمكن كاميرا عالية الدقة من تصوير تلك المنطقة. وكلما زادت سرعة حركة المائع وزاد اضطرابه، فإن على الباحثين أن يجمعوا ويحللوا صورًا أكثر في الثانية الواحدة لدراسة حركة المائع؛ الأمر الذي أصبح مُمكنًا في هذه الأيام مع ظهور أجهزة الحاسوب فائقة السرعة.
خط الجريان
وهذه الطريقة في وصف الجريان هي الأكثر شهرة من بين كل الطرق المستخدمة في التجارب العملية. وهي تدرس تأثر حركة المائع حال وجود عائق (كجناح الطائرة) في مسار جريانه. ويدرس جريان المائع عن طريق إضافة مائع آخر مَرئي يسمى بمائع التتبع -Tracer Fluidكالدخان أو الصبغة بشكل منتظم إلى المائع لدراسة كيف يتفاعل مع هذا العائق الذي يواجهه. والصورة التالية تبين تفاعل أعمدة الدخان مع جناح الطائرة المتواجد داخل أنبوب يجري به الهواء.
ويمكننا تعريف خط الجريان-Streakline من الصورة التي أمامك على أنه المنحنى المنتظم المرسوم بواسطة جزيئات مائع التتبع حين مروره بعائقٍ ما.
وهذا النمط الذي تراه لخطوط الدخان أثناء مرورها بالجناح هو بسبب أن الجريان في هذه الحالة هو جريان منتظم – Steady Flow، وفي هذه الحالة فإن خطوط الجريان -streaklines تكون هي نفسها خطوط المسار – path lines للمائع. أما في حالة (الجريان غير المنتظم – Turbulent Flow) فإن خطوط الجريان لن تكون بالضرورة هي نفسها خطوط المسار. والسبب ببساطة هو أنه في تلك الحالة تكون حركة المائع شديدة الاضطراب، وبالتالي فإن الجزيئين المتجاورين يمكنهما أن يسيرا في مسارين مختلفين تمامًا، وذلك بسبب حالة الفوضى التي تعم المائع حينئذ.
من الأمور التي ساعدت جريان المائع في الحالة السابقة (وهو الهواء) هو شكل الجناح الانسيابي، وزاويته، أما إن استبدلنا شكل الجناح بشكل أقل انسيابية مثل الكرة أو المكعب فإننا سنرى شكل آخر لأعمدة الدخان بعد مرورها بهذا الجسم. (حالة الكرة مبينة في الصورة التالية). يمكنك أن ترى تكون مجموعة من الدوامات من الدخان خلف الكرة. وهذه الظاهرة تعرف باسم شارع كارمان الدوامي – Kármán vortex street.
أما إن أردت أن ترى مثالًا على وصفِ حركة مائعٍ ما بخطوط الجريان في تجربة أعدتها لنا الطبيعة نفسها في حالة جريان مضطرب، فإليك هذه الصورة. تقع جزيرة ألكسندر سيلكريك في جنوبي المحيط الهادي، وأعلى نقطة فيها هي قمة جبل يرتفع 1.6 كيلومتر عن مستوى سطح البحر. وإن أردنا أن نرى خطوط الجريان للمائع ( الهواء في هذه الحالة) وهو يمر بالقمة فليس علينا استخدام أي مائع إضافي كمائع تتبع – Tracer Fluid فالسحب في حالة الصورة التي أمامنا قامت بهذا المقام. فنستطيع رؤية الشكل الدوامي المتعدد يظهر على السحب إثر اصطدامها بقمة الجبل. وهذه الصورة اُلتُقِطَت من إحدى الأقمار الصناعية التابعة لوكالة الفضاء الأمريكية NASA.
الخط الزمني
الخط الزمني – Timeline) هي مجموعة من الجزيئات المتجاورة التي يتتبع حركتها خلال المائع في لحظات متتابعة ليدل تطور موضعها مع الوقت على الطريقة التي يسير بها المائع كما هو مبين في الشكل التالي:
والخط الزمني هو طريقة جيدة لقياس مدى انتظام جريان المائع، فكما هو مبين في الشكل السابق، مع تقدم الوقت فإن مدى الانحرافات في سرعةٍ المائع (والمبينة بالانبعاجات في الخطوط المتقدمة ناحية اليمين) تزداد. وكما عَلِمْنَا في المقالات السابقة فإن سرعة المائع عند الحفتين العُليا والسُفلى لهذا الأنبوب تكون مساوية للصفر، وهو ما يعرف بحالة عدم الانزلاق – No Slip Condition. وخطوط الزمن تُستخدَم عمليًا لقياس اتجاهات سرعة المائع كما هو مبين في الشكل التالي.
ولإحداث خط زمني عمليًا في الماء يَستخدِم العلماء طريقة تعرف باسم سلك فقاعات الهيدروجين – Hydrogen Bubble Wire وفيها يتحلل الماء كهربيًا بواسطة سلكين كهربائيين طويلين، ويوضع الكاثود الذي يتحلل الماء عنده فيعطي غاز الهيدروجين، ويوضع في مسار الجريان، وعند غلق الدائرة الكهربية ووضع الكاثود في الماء، تخرج فقاعات الهيدروجين وهي في غاية الصغر فتسير مع المائع حيثما ذهب، وبهذه الطريقة يمكن تتبع حركة المائع. ولأن فقاعات الهيدروجين في غاية الصغر فإن قوة الطفو في هذه الحالة ضئيلة جدًا بما يكفي ليسير الهيدروجين مع المائع بلا أدنى مشكلة.
تصور الجريان باستخدام خاصية انكسار الضوء
من المعلوم لنا أن سرعة الضوء تختلف من وسط لآخر، وقد تختلف في الوسط ذاته في حال وجود اختلاف في كثافة الوسط نفسه. وعندما ينتقل الضوء من مادة إلى أخرى، ولكليهما معامل الانكسار – Refractive Index مختلف، فإن النتيجة هي حدوث ظاهرة انكسار الضوء.
وهناك طريقتان أساسيتان تستعملان انكسار الضوء في تصور جريان المائع، هما صورة الظل – Shadowgraph و طريقة شليرين – schlieren Technique. وهذه الطرق مفيدة في دراسة المائع عندما تتغير كثافته من نقطة لأخرى أثناء الجريان، مثل التيارات الحرارية – convection currents، وعملية خلط الموائع، وموجات الصدمة الناتجة عن جريان الموائع بسرعات تفوق سرعة الصوت. ولا تحتاج كلا الطريقتين إلى أي مائع تتبع يضاف إلى المائع الذي نريد دراسته، كل ما في الأمر أن يُضَاء المائع بكمية كافية من الضوء.
والطريقة الأولى «صورة الظل» تعطينا صورة بها أنماط مضيئة ومظلمة. فأما النقاط المظلمة فهي النقاط التي حدث عندها انكسار الضوء، وأما النقاط المضيئة، فهي النقاط التي يتجمع بها الضوء المنكسر. المحققون في هذه الصور غالبًا ما يضعون تركيزهم على النقاط المظلمة (الظلال)؛ لأنها تدل على المناطق التي تغيرت فيها كثافة المائع. في الصورة التالية يمكننا أن نرى صورة ظل للحركة غير المنتظمة للهواء الساخن الصاعد من شواية طهي ساخنة.
أما عن صور شليرين – Schlieren فهي تستخدم مجموعة من العدسات أو المرايا، وجهازًا لمنع مرور الضوء المنكسر، لتكون النتيجة في النهاية صورة حقيقية مركزة. وأخذْ هذه الصور يحتاج إلى خطوات معقدة لكن دعونا فقط نذكر مميزات هذه الطريقة مقارنة بطريقة صورة الظل:
- الصور المجموعة بهذه الطريقة لا تتعرض للتشويش الناتج عن الضوء المنكسر كما في حالة صورة الظل.
- هذه الطريقة أكثر حساسية للتغيرات الطفيفة في كثافة المائع، لذا يمكن استخدامها في الحالات التي يكون فيها تغير الكثافة طفيف.
- توجد في هذه الأوقات صور ملونة ناتجة باستخدام طريقة شليرين، وهو ما يعطي الباحث أفضلية في استيعاب تفاصيل الصورة بشكل أوضح.
في الصورة التي أمامك ترى صورة Schlieren للتيارات الحرارية في الهواء الصاعدة من شواية طهي، وكما يمكنك الملاحظة، فهذه الصورة أكثر وضوحًا من سابقتها بكثير.