خلال أواخر القرن الثامن عشر، انتشرت فكرةُ أن ذي البشرة البيضاء أكثر ذكاءً وإنسانية عن سواهم، حتى شملَ هذا التفكيرُ معظمَ شعوبِ العالم. من هنا اندلعَ مفهومُ العبودية، واندلعت الحروبُ الأهليّة، والمحارق، والإبادات الجماعيّة، ثم تدخل البيولوجيون، وعلماءُ الوراثة في تفسيرِ العرق جينيًا، والبحثُ وراء حقيقةِ هل يوجدُ من هم مميزون وراثيًا، ولذلك هم الأذكى، والأكثر ازدهارًا اقتصاديًا، وسياسيًا، وبيئيًا. (1)
لماذا لا يُغلقُ ملفُ التمييز العرقي؟
يظلُ ملفُ التمييز العرقيّ مرتبطًا بكلِ نواحي الحياة، وقد ارتبطَ بحروبٍ كبيرة، وقتلْ الأقليات أو الأشخاص المختلفة فسيولوجيًا كالإبادة الجماعيّة المتمثلة في «محرقة الهولوكوست» من قبلِ النازيين الألمان؛ لاعتقادهم أن العرقَ الآري-(جنس فرعيّ من الجنس القوقازيّ)- العرقُ الوحيد الذي له الحقُ في سيادةِ العالم. ولم تكن هذه الإبادة الجماعيّة الوحيدة، فيوجدُ ملايين الأشخاص في رواندا، والبوسنة، ودارفور، قُتلوا أيضًا على أساسٍ عرقيّ.(2)(3) ولكن لم ينتهِ الأمرُ عند ذلك، فقوانينُ العنصرية الحديثة كادت أن تهشمَ دولاً مهمة، لكنها لم تنجح في كل آنٍ. ففي عام 2008، كتب الصحفيّ نيكولاس كريستوف مقالًا بعنوانِ «عنصرية بلا عنصريين» وكان المقصود بهذه الجملة مصطلحًا آخر يُدعى “العنصريّة الخفية”، وقال إنه في وقتِ الانتخابات الرئاسيّة لأمريكا، كان ينحاز التقدميون، والعلميون من أصحابِ البشرة البيضاء إلى عدمِ انتخاب الرئيس الأميركيّ آنذاك «باراك أوباما» فقط بسببِ لونِه الداكن، رغم أنه الأنسبُ لهذا المكان.(4)
وليس هذا فقط، بل تمثلت العنصريةُ الخفيّة حديثًا في واقعةِ مقتل «جورج فلويد» في الولايات المتحدة، وكانت التهمة هي أنه إفريقيُ الأصل!(5)
مفهومُ العرق من الناحية البيولوجية
في علمِ الأحياء، يبقى العرقُ غائبًا من السلسلةِ الهرميّة، فلا وجودَ للمحسوبيّة أو مَنْ الأكثرُ ذكاءً أو قوة، ولكن بعضَ العلماءِ أضافوا تعريفًا قد يعتبرُه البعض عنصريًا مفاداه أن الأعراقَ قد تكون عبارةً عن مجموعةٍ مُتميزة وراثيًا، ولكن العزلةَ الجينيّة لم تكتملْ لحد فصلِ الأنواع عن بعضِها البعض.(6)
نظريةُ «الانتحار العرقي»
يقولُ عالمُ تحسينِ النسل ماديسون جرانت في كتابِه (رحيل العرق العظيم -The passing of the great race): “إن عرقَ النورديين-في الجنسِ القوقازيّ- له الفضلُ في تقدمِ البشريّة، وعندما تتزاوجُ الأعراقُ المختلفة، وتخالطُ بعضها البعض؛ فيقوم الجين بما يُدعى«بالانتحارِ العرقيّ»”(7). كان أدولف هتلر أحدَ معتنقي أفكارِ ماديسون جرانت، حتى أنه أرسلَ له رسالةً خاصة؛ ليشكره فيها على الكتابِ، وقال له: “إنه كتابي المُقدس”.(8)
من هم أصحابُ «الهمبكة العلمية»؟
عندما تتحدثُ العنصرية، فإن لغتَها بالضرورة ستكون «همبكة علمية». وتعني كلمةُ همبكة في لهجتنا الدارجة النصبَ. ففي عام 2016، وجدت الأكاديميّة الوطنيّة الأمريكيّة للعلومِ أن 29% من طلابِ الطب الأميركيين البيض في السنةِ الأولى يعتبرون أن دمَ السود يتجلطُ بسرعةٍ أكبر من البيضِ، ويُعتقد 21% أن السودَ لديهم أقوى الأجهزةِ المناعيّة في أجسامِهم، والذي غالبًا قد ينتج عن سوءُ الفهمِ هذا إلى عدمِ كفاية الرعاية الوقائية، والعلاجِ الرديء؛ مما يؤدي بدوره إلى نتائجِ صحيّة أسوأ بالنسبةِ للسود. وجدت إحدى الدراسات التي نشرتها جمعية القلب الأميركيّة أن المفاهيمَ الطبية العنصريّة ساهمت في جعلِ النساء السود في أمريكا أكثر عُرضةً للوفاةِ بأمراضِ القلب بنسبةِ الثلث مقارنةً بالنساءِ البيض. (9)
إذا كانت العنصرية على حقٍ، فهل يعتبرُ التعديلُ الجينيّ حلًا؟
على افتراض أن السودَ أقل ذكاءً من البيضِ كما يزعُم بعض البيولوجيين والسياسيين، فهل أداةُ التعديل الجينيّ كريسبر قادرةٌ على إصلاحِ هذا؟
في بادئ الأمر، يجب أن نعترفَ أن الحياةَ عبارة عن اختبارِ ذكاء، كاختباراتِ الدراسة وغيرها من متطلباتِ الحد الأدنى للذكاء، إذ يبحثُ العلماءُ عن التعديلِ الجينيّ لمِنْ هم أذكياءٌ حتى. ولكن العلماءَ يطمحون في تجهيزِ بشرٍ خارقيّ الذكاءِ في المستقبل. وعندما نتحدثُ عن الجزءِ العلميّ، فكيف سنعدلُ الذكاءَ إذا لم توجدْ جيناتٌ له؟ وهذا ما أُجريت عليه كثيرٌ من الأبحاث، فسؤال مثل: هل هناك جيناتٌ للذكاءِ أم لا، قد حيّرَ العلماء البيولجيين لفترةٍ كبيرة من الزمن، ولكن الآن هم قادرون على الإجابة. فتقول آخر الأبحاث أن هناك 22 جينًا مرتبطين بالذكاء، ولكن لا يوجد جينٌ مسئول عن (معدل الذكاء-IQ). ويوجدُ مفارقةٌ في فهمِ الجينات المرتبطة بالذكاء ومعدل الذكاء، فالجينات المرتبطة بالذكاءِ ليس لها علاقة بدرجتك في اختبارِ (معدل الذكاء-IQ). فهناك عواملٌ أخرى تؤثرُ في مدى الذكاء الفرديّ للشخص، فعلى سبيل المثال تلعب البيئةُ، وطريقةُ التربية، ونمطُ الحياة دورًا أساسيًا بجانب دورِ الجينات. (10)
يظل أمرُ التعديل الجينيّ في تحسين معدل الذكاء أمرًا صعبًا إلى أن يُكتشفَ سرُ “نمطِ عقل الأذكياء” الحاصلين على درجاتٍ فوق ال150 من 100 في اختبار الـ IQ. ولكنه أمرٌ غير مستحيل، وبالطبع هو ليس لهُ أدنى علاقةٍ بذواتِ البشرة السوداء، فالأمر مرتبطٌ فقط بالبشر.(11)
في نهاية الأمر، نستنتجُ أن العنصريةَ دلست العلمُ إلى حدٍ كبير، وأن حبَ سيادة العالم نقطةُ العنصرية الأولى، والنقطة المحورية للحروب. إضافة إلى ما سبق،يرتبط الذكاءُ، واللون بالبيئة الجغرافيّة، ونمطِ الحياة للفردِ بجانب الجينات. لم تكن العنصريةُ من قِبل الغرب فقط، فكما يوجدُ سيادةُ للبيض على غيرهم، يوجد تفوقٌ للسود على من هم أكثر سوادًا.