التلوث الكيميائيّ
يٌعتبر التلوث الكيميائي ظاهرة تحدث نتيجة لتراكم نسبة كبيرة من الملوثات الكيميائيّة في البيئة المُحيطة، والتي هي في الأصل لا وجود لها في الطبيعة، أو أن نسبتها أصبحت أكبر بكثير من المعدلات الطبيعية المسموح بها طبقاً للوائح وقوانين السلامة والصحة المهنية وحماية البيئة ، يُذكر أن معظم الملوثات الكيميائيّة التي توجد في البيئة هي من صنع الإنسان، والتي نتجت عن استخدامه للكيماويّات السامة لخدمة أهداف متعددة عبر عشرات السنين. [1]
أنواع الملوثات الكيميائيّة ومصادرها
تُعتبر الأنشطة الصناعيّة مصدرًا رئيسيًا للتلوث البيئيّ، فمن المعروف لدى الجميع أن تصنيع المواد الكيميائيّة بأنواعها، وتخزينها، والتخلص منها تُعتبر أنشطة صناعيّة يوميّة، نستطيع مشاهدة هذه السلوكيات الضارة في مصافي البترول، ومنشآت توليد الطاقة بالفحم والمواد البتروليّة، ومواقع الإنشاءات، ومواصلات النقل، وأيضاً المبيدات العضويّة المُستخدمة في الزراعة، وغيرها من الأنشطة المتورطة في التلوث الكيميائيّ.
صناعة هذه الكيماويات تحديدًا تعتبر عنصرًا مهمًا في هذا الطرح، فهذه الصناعة لها صلة مباشرة بتلوث المسطحات المائيّة، حيث تُضخ كميات مهولة من المخلفات الصناعية بالمسطحات المائيّة والأنهار المُحيطة بالمنشأة الصناعيّة، كطريقة سهلة وغير مكلفة للتخلص منها، وبالرغم من سيطرة بعض الجهات المسؤولة عن البيئة على مثل هذه السلوكيّات، ومحاولاتها المستمرة للحد منها، إلا أن تأثير هذه المخلفات على المسطحات المائيّة لا يزال واضحًا حتى الآن. [1]
قوانين لمنع التلوث
شُرِع القانون البيئي للولايات المُتحدة الأمريكية لمنع التلوث في عام 1990، والذي نصّ على أهمية تصميم عمليات تصنيع لا تنتج مخلفات من شأنها أن تسبب أضرارًا بيئية، واعتبارها اختيار ذا أولويّة في الجهود المبذولة للحد من التلوث البيئي، من هنا اُعتُبِرت الكيمياء الخضراء توجهًا عالميًا ذا أولوية.
الكيمياء الخضراء طبقاً للتعريف الذي وضعته وكالة الحماية البيئية ((The environmental protection agency (EPA) هي عملية تصميم منتجات كيميائية وطرق تصنيع جديدة، تهدف إلى المساهمة في الحد من استخدام المواد الخطيرة بيئيًا، ومحاولة وقف إنتاجها، كما تضمن هذه العملية تقليل المخلفات والعناصر الغير سامة أيضًا، بالإضافة إلى تحسين فاعليّة عمليات التصنيع والمواد المستخدمة بها. [2]
مبادئ الكيمياء الخضراء
ظهر مصطلح الكيمياء الخضراء في عام 1991 على يد العالم بول أناست (Paul Anast)، وأصبح أبًا لهذا العلم الجديد، ثم عمل على وضع اثنى عشر مبدءًا أساسيًّا له، وهم باختصار:
1- المنع (prevention): عملية منع إنتاج المخلفات من الأساس أسهل وأفضل من عملية التخلص منها بعد ذلك.
2- اقتصاد الذرة (Atom Economy) : يجب تصميم وسائل معدّة خصيصاً لتمكننا من استهلاك المواد المستخدمة في الصناعة بالحد الأقصى لها، وذلك بهدف التقليل من المخلفات على المستوى الجزيئي.
3- التقليل من تصنيع الكيماويات الخطيرة (Less Hazardous chemical synthesis): يجب تصميم طرق عملية تهدف إلى خلق واستخدام مواد ليس لها تأثيرات سُميّة على صحة الانسان والبيئة.
4- تصميم كيماويات آمنة (Designing Safer Chemicals): يجب تصميم مواد كيميائية لها فاعليّة عالية، مع الإبقاء على تأثيراتها السامة على البيئة المُحيطة في حدها الأدنى، خلال مراحل التصميم والتصنيع.
5- المذيبات والمواد الثانويّة (Solvents and auxiliaries): يجب اختيار المذيب الأكثر أماناً من بين جميع الاختيارات الأخرى، ومن الأفضل تجنب استخدام المذيبات العضوية إن أمكن ذلك.
6- تصميم مخصص لزيادة فاعلية استخدام الطاقة (Design for energy efficiency): يجب اختيار أقل الطرق الكيميائية تطلباً واستهلاكاً لمصادر الطاقة، ويفضل استخدام درجة حرارة الجو المحيط ومستوى ضغط الهواء الطبيعي في التفاعلات الكيميائية المختلفة.
7- استخدام مواد خام مُتجددة المصدر (Use of renewable feed stocks): يجب استخدام المواد الخام الكيماويّة المُصنعة من موارد متجددة (كالنباتات)، والتقليل من استخدام المواد المصنعة من موارد مستنزفة.
8- التقليل من المشتقات (Reduce derivatives): يجب التقليل من عمليات الاشتقاق المؤقتة، كاستخدام مجموعات المنع، ومجموعات الحماية.
9- التحفيز (Catalysis): يجب استخدام العوامل الحفازة بدلًا من العوامل المتكافئة في التفاعلات الكيميائية.
10- تصميم مخصص لعملية التحلل (Design for degradation): يجب تصميم كيماويات لها القدرة على التحلل والتحول إلى منتجات غير ضارة، والتي لا تبقى لمدة طويلة في البيئة عند نهاية وظيفتها.
11- تطبيق طرق للوقاية من التلوث قبل حدوثه (Real time pollution prevention): يجب متابعة التفاعلات الكيميائية أثناء حدوثها، ووضع خطط تحكم للسيطرة على التلوث الناتج عن المواد الخطيرة قبل حدوثها.
12- كيمياء آمنة للحماية من الحوادث (Safer chemistry for accident protection): يجب اختيار وتطوير عمليات ومواد كيميائية أكثر أماناً، بحيث تتمكن من تجنب الحوادث الكيميائية المحتملة كالانفجارات والحرائق. ومن الكتب التي تضع المبادىء والأركان، إلى الواقع، تنقل المقالة بعضاً من الصور المختلفة لتطبيقات الكيمياء الخضراء في الحياة اليومية. [2]
الصناعة والكيمياء الخضراء من الأبحاث إلى التطبيق
في عام 2005، منحت جائزة نوبل في الكيمياء لاختراع عملية تحفيزية كيميائية تدعى (Metathesis)، أي التحوّل، والتي أصبح لها تطبيقات واسعة في مجال الصناعة الكيميائيّة.
عملية التحول هي عملية تضمن تحويل مواد كربونية سامة إلى مواد أقل سمية وأكثر أماناً على البيئة، وتتميز هذه العملية باستهلاكها لكميات أقل من الطاقة والوقود، كما أن لها دور كبير في تقليل انبعاث الغازات الضارة المسببة للاحتباس الحراري، وباستخدام مذيبات آمنة كالمياه يمكن الحصول على مخلفات أقل خطورة مقارنة بالمذيبات التقليدية.
وفي عام 2012، حصلت شركة إليفانس للعلوم المتجددة (Elevance Renewable Sciences) على الجائزة الرئاسيّة لتحديات الكيمياء الخضراء (Presidential Green Chemistry Challenge award)، وذلك لاستخدامها عملية التحول في تحليل وتكسير الزيوت الطبيعية وإعادة تجميع أجزاءها، لإنتاج كيماويات عالية الآداء.
تُقدم هذه الشركة أيضًا كيماويات مُخلقة بهذه الطريقة صُمِمّت خصيصًا لخدمة هدف معين، إحدى هذه المنتجات هي منظفات الماء البارد عالية التركيز (Highly concentrated cold-water detergents)، والتي لها فعالية عالية وسعر أقل من نظيراتها من المنظفات التقليدية.[3]
تطبيقات الكيمياء الخضراء على أرض الواقع
الشرائح الحاسوبية (Computer chips)
تحتاج صناعة الشرائح الحاسوبية إلى الكثير من الكيماويات، وكميات كبيرة من المياه والطاقة، طبقاً لدراسة أُجريت عام 2003، فإن صناعة شريحة حاسوبيّة واحدة تتطلب استهلاك للكيماويات والوقود الحفري كالبترول بنسبة تعادل 1:630، بمعنى أن الأمر يتطلب لصناعة شريحة واحدة استهلاك 630 مرة قدر وزنها من هذه المواد، وهي كمية كبيرة جداً.
لعبت الكيمياء الخضراء دوراً في حل هذه المشكلة، فقد استطاع مجموعة من العلماء في المعمل القومي بلوس ألاموس (The Los Alamos National Laboratory) من تطوير طريقة جديدة لتصنيع الشرائح، والتي تستخدم ثاني أكسيد الكربون في الحالة السائلة فائقة الحرج (Supercritical carbon dioxide)، خلال إحدى خطوات التصنيع، وقد نجحت هذه الطريقة بشكل كبير في تقليل كميات الكيماويات والطاقة والمياه المستخدمة لإنتاج تلك الشرائح.
كما استطاع أيضاً ريتشارد وول (Richard Wool)، الرئيس السابق لبرنامج المركبات ميسورة التكلفة من مصادر الطاقة المتجددة بجامعة ديلوار (the Affordable Composites from Renewable Sources (ACRES) program at the University of Delaware) في دراسة أجراها، من إيجاد طريقة لاستخدام ريش الدجاج في صناعة الشرائح الحاسوبية، لما تحتويه من مواد بروتينية تُسمى كرياتين، ليتم تعديلها، وإنتاج نسيج خفيف الوزن وذو صلابة عالية في نفس الوقت، يستطيع تحمل الضغوطات الميكانيكيّة والحراريّة، لتكون النتيجة أن الشرائح الحديثة تعمل بكفاءة أكثر مرتين مقارنة بالشرائح القديمة.
بالرغم من أن الدراسة لا تزال قيد التشغيل لأهداف تجارية، إلا أنها كانت شرارة البداية للأبحاث التي تستهدف استغلال ريش الدجاج كمصدر للطاقة الذي يتضمن الوقود الحيوي. [3]
المواد البلاستيكية القابلة للتحلل الحيوي (Biodegradable Plastics)
تعمل العديد من الشركات على إنتاج أنواع متجددة من البلاستيك وقابلة للتحلل بشكل طبيعي، في ولاية مينيسوتا الأمريكية (Minnesota)، تنتج شركة ناتشرووركس (NatureWorks of Minnetonka) حاويات للطعام مُصنعة من بوليمير يدعى حمض البولي لاكتيك، كما اخترع علماء ناتشرووركس طريقة تستطيع تحويل نشادر الذرة إلى مادة صمغية صلبة باستخدام أنواع من الكائنات الدقيقة، ووجدوا أن هذه المادة لا تقل صلابة عن البلاستيك المُصنع من المواد البترولية، والذي يُستخدم حالياً في صناعة زجاجات المياه وعلب الزبادي.
تعمل الشركة الآن على تحويل المخلفات الزراعية إلى مصادر للمواد الخام. [3]
مواد الطلاء والدهانات
تطلق مواد الطلاء الزيتية كميات كبيرة من المركبات العضويّة الطيارة، تتبخر هذه المركبات الطيارة من الطلاء أثناء جفافه فيما بعد، وجد أن هذه المواد لها تأثيرات سلبية على البيئة.
استطاعت شركة شيروين ويليامز الأمريكية (Sherwin-Williams) -شركة أمريكية كبرى تعمل في صناعة مواد البناء- تطوير مواد طلاء أكريليكيّة مصنوعة من الماء، وتحتوي على كميات قليلة من المواد العضويّة الطيارة، والتي يُمكن تصنيعها بسهولة باستخدام زجاجات المياه الغازية البلاستيكية معادة التدوير، والمواد الأكريليكية، وزيت فول الصويا، حيث تتميز هذه الدهانات بالجمع بين فوائد آداء الدهانات التقليدية مع كمية أقل من المركبات العضوية الطيارة في محتويات المواد الأكريليكية.
في عام 2010، أنتجت شركة شيروين ويليامز من هذه الدهانات ما يكفي لاستبدال (362,874) كيلوجرامات من الدهانات التي تحتوي على مركبات عضوية طيارة. [3]
المستقبل والكيمياء الخضراء
لا تنتهي تطبيقات الكيمياء الخضراء في الصناعة عند هذا الحد، فهناك العديد من التطبيقات الأخرى، بجانب الأبحاث والتجارب في هذا المجال الحديث، ليحتل هذا العلم مكانة كبيرة في الحاضر، لما يحمله من آمال بمستقبل صحي، وأضرار أقل لصالح البيئة والصحة العامة.
يقول العالم بول أناستاس من جامعة ييل (Yale University):
«لقد استفاد العديد من الناس حول العالم من مناهج الكيمياء الخضراء، بجعل المنتجات التي يستخدمونها أكثر أماناً، وبخلق طرقاً للتصنيع أقل إحداثاً للتلوث البيئي».[4]
المصادر:
1- https://bit.ly/2wceXJw
2- Green Chemistry in Daily Life, Rummi Devi Saini, Department of chemistry, S.M.D.R.S.D. College, Pathankot, India/ https://bit.ly/33q1qdj
3- https://bit.ly/2vnsJbI
4- https://bit.ly/2WjneGj