بعد انتشار فيروس كورونا المُستجد في جميع أنحاء العالم، تلقى الناس نصيحة واحدة وهي أن غسل اليدين هو أفضل وسيلة للدفاع ضد الفيروس. لكن ماذا كان أسلافنا سيفعلون بتلك النصيحة؟
كان الناس في القرون الوسطى يغسلون أيديهم باستمرار، على عكس الاعتقاد الشائع بأنهم كانوا مُتسخين ورائحتهم كريهة، في العادة كانوا يغسلونها عند الاستيقاظ وقبل وبعد الوجبات. ليس فقط لأنه سلوك حسن، بل لإدراكهم الصلة الوثيقة بين القذارة والمرض. ومن ثم كان التلاميذ المُرتقبين لجراح القرن الرابع عشر جون اردرني (بالإنجيلزيَّة: John Arderne) مُطالبين بأن تكون أيديهم نظيفة وأظافرهم مُقلمة….خالية من أي اسوداد أو وساخة. غسل اليدين كان مُهمًا لأنه كان وسيلة لإزالة الوسخ الخارجي والإفرازات الجسديّة.
استمر ذلك القلق من الوسخ وإفرازات الجسم حتى عصر النهضة. نصح الطبيب الإيطالي توماسو رانجوني (بالإنجيلزيَّة: Tommaso Rangone) بغسل اليدين دائمًا (نظيفهم من أي إفرازات فائضة، وعرق، ووسخ الذين يوجدون في تلك الأماكن بفضل الطبيعة). لاحظ كُتاب آخرون أيضًا إمكانية دور الأيدي في نقل الأمراض، بالرغم من أن اهتمامهم ينصب على أمراض الجلد كالجرب، أكثر من الطاعون الأكثر شُهرة. إذًا كان من المُعتقد أن غسل اليدين ضروري جدًا للصحة الجيدة.
تركز الاهتمام بنظافة اليدين في الفترة الأولى من العصر الحديث على الوجبات، لذلك كان أغلب الناس يغسلون أيديهم قبل وبعد الأكل. أصرت بعض الكتب الإرشاديّة أن حتى الأيدي النظيفة يجب أن تُغسل مجددًا على طاولة الطعام، باستخدام جُرن وإبريق، ليشعر الآخرون بالثقة لمشاركة الطعام. كذلك، تُثير قلة النظافة الاشمئزاز. كتب صامويل بيبس (بالإنجيلزيَّة: Samuel Pepys) في 1663 بعد أن تعشى مع عمه وايت:
«رؤية يدي عمتي فقط.. أشعرتني بالغثيان»
قلق المجتمع الجورجي الراقي (نسبةً للملك جورج الثالث) لدرجة كبيرة بنظافة أيدي الخدم، خاصةً في تحضير الطعام والطاولة. كانت تطلب كاتبة القرن الثامن عشر إليزا هايوود (بالإنجيلزيَّة: Eliza Haywood) من خادماتها أن يغسلن أيديهن بانتظام، ومن الخدم الآخرين في طاقم التقديم أن يبقوا أيديهم مفتوحة، ومرتبة، ونظيفة، طبقًا لكتاب قواعد السلوك. انتقد جوناثان سويفت (بالإنجيلزيَّة: Jonathan Swift) في كتابه «توجيهات للخدم» في 1745 خدم المنازل الذين يحضرون السلاطات بأيدي غير مغسولة بعد التعامل مع اللحم أو الذهاب للمرحاض.
في القرن التاسع عشر، أحرز علماء مثل لويس باستير (بالإنجيلزيَّة: Lois Pasteur) وجوزيف ليستر (بالإنجيلزيَّة: Jpsef Lister) تقدّم ملحوظ في النظريّة الجرثوميّة وتطبيقاتها العمليّة، والتي فسرت لماذا يعمل غسل اليدين على التخفيف من انتشار الأمراض. ويُعتبر أخصائي الولادة المجري النمساوي الأصل إجناتس سيملفيس (بالإنجليزيَّة: Ignaz Semmelweis) رائدًا آخرًا مهمًا لكنه أقل شُهرةً، حيث أدرك أن النساء الكادحات يلتقطن حُمى النفاس (حمى ما بعد الولادة) من الأطباء الذين يذهبون مباشرةً من المشرحة لغرفة الولادة. لقد أثبت أن غسل اليدين بمحلول الكلور يستطيع تقليل معدل وفيات الأمهات بنسبة كبيرة.
وللدهشة كان لتلك المعرفة الثورية الجديدة تأثير فوريّ، يرجع جزئيًّا لمقاومة الأطباء الذين استاءوا من إلقاء اللوم عليهم في وفاة مرضاهم. غير أن، شهدت العصور التالية محاولات مُتكررة لإقناع العامة بأهمية نظافة اليدين، كانت بعض الدوافع تتجسد في تحقيق مكاسب بجانب الترويج للصحة العامة. وفي العشرينيات من القرن العشرين؛ أقامت شركة الأخوان ليفر (بالإنجليزيَّة: Lever Brothers) لتصنيع الصابون حملة «أيدي نظيفة» الإعلانيّة لحث الأطفال أن يغسلوا أيديهم قبل الإفطار، وقبل العشاء، وبعد المدرسة. تم تسويق صابونتهم لايف بوي (بالإنجليزيَّة: Lifebuoy) كأفضل وسيلة لمكافحة الجراثيم، كما ظهر في إعلان عام 1927 أب ينصح ابنه بأن «الأيدي المُتسخة خطيرة». وقد مارس ذلك الأب الحكيم ما ينصح به، مُستخدمًا ذلك المنتج عدة مرات كل يوم.
لتلك الإعلانات تأثير كبير، لكن رسالتهم تحتاج للتكرار. رغم مرور قرون من النُصح والإرشاد، الكثير منا ليس بأفضل حالًا منالناس العاديون في الدولة الذين أثاروا غضب الطبيب ويليام بولين (بالإنجليزيَّة: William Bullein) في فترة تيودور، لأنهم لم يكونوا يغسلون أيديهم القذرة.