هناك اعتقاد سائد بأن البشر يميلون لفعل الـ(لا) شئ في أوقات الأزمات أو أن معظم الناس يفضلون دفن رؤوسهم في الرمال تجنبًا للمواجهة أو خوفًا من تحمل المسؤلية!
ربما أكد هذا الاعتقاد إعلان منظمة الصحة العالمية في 11 مارس 2020 فيروس كرونا المستجد (COVID-19) جائحة عالمية3، وذلك بعد إصابه عشرات الآلاف و حدوث آلاف الوفيات جراء الإصابة بالفيروس، ورغم ذلك استمر كثير من الناس في التعامل مع الأمور وكأن شيئا لم يكن، بل اتهموا البعض بتهويل الأمور.
علي الرغم من أن معظم الشباب أصبحوا مدركين لخطورة الفيروس ومتفهمين لذلك تمامًا ولكن مازال البعض يميل لعدم الاكتراث بشأن هذا الفيروس الخطير الذي يشكل وباءًا عالميًا لا يفرق بين كبيرٍ كان أو صغير، فمواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، فيس بوك وتويتر وانستجرام تضج بمئات الصور لأشخاص يمارسون حياتهم بكل اعتيادية، صور لتجمعات عائلية كبيرة، حفلات ليلية، المقاهي والنوادي وغيرها.
دفعت حالة الإنكار التي يعيشها بعض الناس الكاتبة باريا جوي (Pyria Joy) إلى نشر سلسلة من الفيديوهات للتوعية حول فيروس كرونا المستجد، إحدى هذه الفديوهات جائت بعنوان “مع وجود الشوارع خاليه، لما لا أذهب للتنزه؟”
تجيب باريا عن هذا التساؤل وتخبرنا سببين، الأول فهو أنه لو خالفت وحدك اليوم ونزلت للتمتع بالشوارع الفارغة فسيلحق بك آخرون غدًا، لنجد الجميع قد تخلوا عن مسؤولياتهم الاجتماعية، فكل تلك التدابير الوقائيه تكون مؤثرة فقط إذا تحمل كل فرد نصيبه من المسؤولية المجتمعية. والسبب الآخر أن للفيروس القدرة على البقاء على الأسطح الصلبة لمدة تصل إلى ثلاثة أيام بحسب اخر تقرير لمنظمة الصحة العالمية1، مما قد يلحق بك الإصابة رغم أنك لم تتزاحم مع أي تجمعات.
إنكار فيروس كورونا
يعرف الإنكار في علم النفس على أنه الهروب من الواقع تجنبا لحقيقة مؤلمة نفسيا4. يخبرنا دافيد بوردو (David Brudo)، المؤسس والمديري التنفيذي لتطبيق ريمنت Remente)5) أحد التطبيقات التي تهتم بالصحة النفسية والتطوير الذاتي للأشخاص عن طريق خلق عادات بسيطة للتغير من سلوك الإنسان، عن بحث أجراه بعض الباحثون من جامعة لندن وتم نشره في دورية نيتشر كوميونيكاشن 6(Nature Communication) يفيد بأن البشر عمومًا تفضل الاحساس بالألم على الوقوع في الشك أو منطقه الـ(لا)يقين وبالتالي يميلون إلي إنكار ذلك الشك بدلًا من مواجهته. وفي حالتنا فإن فيروس كورونا يمثل الشك ويشكل إزعاجًا لحياتنا اليومية، حيث العمل عن بعد، والتباعد الاجتماعي، ومشاكل المواصلات والنقل وغيرها من أحداثنا اليومية الطبيعية التي تأثرت بشكل كبير جراء انتشار الفيروس وما كنا نتوقع يوما أن يؤول الحال لما هو عليه هذه الأيام.
وإذا تعمقنا قليلًا لوجدنا أن الرسوم الكرتونية (Comics) التي تسخر من الفيروس إنما هي محاولة أخرى للهروب من الواقع وإنكار الحقيقة المؤلمة، فالتفكير في الموت والأعداد الكثيرة التي نفقدها يوميًا يضعنا تحت ضغط وألم شديد لا يمكن لعقل المرء تحمله. ولكن يخبرنا بوردو كذلك أن الإنكار قد يكون الخيار الأسهل إلى كل هؤلاء الذين قد تتأثر حياتهم سلبًا بقضائها في الشك من أمرهم دومًا.
كيف نتعامل مع حالات الإنكار؟
تخبرنا دكتور مارتينا باجليا (Martina Paglia)، مؤسسة العيادات الدولية النفسية (The International Psychology Clinic7)، بوجود عدة مراحل مختلفة يمكن أن يمر بها الأشخاص أثناء وبعد الأزمات، وتلك المراحل تختلف من شخص لآخر وفقًا لمعتقداته وقيمه والمبادئ التي تربى عليها وغيرها من العوامل التي تشكل الشخصية، وكما أن لكل شخص مراحله النفسية المختلفة خلال الأزمات فبالتأكيد لا يمكن التعامل مع جميع البشر بنفس الطريقة، ولا بد أن نعي ذلك جيدًا حين ينبغي علينا التعامل مع أحد الأصدقاء أو أحد أفراد العائلة ممن أصابهم الإنكار.
تعرف دكتور مارتينا الإنكار على أنه رفض لوجود تهديدات أو خطر حقيقي، ولكنها أيضا تؤكد على أن العامل الأساسي في ذلك هو نقص المعلومة وعدم إدراك الموضوع بزواياه المختلفة كاملة. قد تكون المعلومات وحملات التوعية بالفيروس منتشرة في كل مكان حولنا، ولكن من المهم أن تكون المعلومة التي وصلت للشخص صحيحة وكاملة وفهمها جيدًا، والأهم أن يعرف دوره والتوجيه الصحيح الذي ينبغي عليه القيام به وإلا قد ينتج الإنكار، ويظن أنها مجرد تهويل لجعل الناس يتبعون التعليمات لا غير.
التأكد من صحة المعلومات من مصادرها الصحيحة، وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية1، وتوصيلها كاملة لأفراد عائلتنا وأصدقائنا هو واجبنا في هذه الأيام، وحين نشعر بالضيق من استمرار الحجر فيجب ان تذكر أن السلامة النفسية تأتي أولًا وفوق كل شيء. وحينها يجب علينا توفير الدعم النفسي لأفراد عائلتنا وأصدقائنا قبل أن يتخذ أحدهم الإنكار مسلكًا ويبدأ بخرق إجرائات الحجر والوقاية، ويجب ان نتذكر ان كل تلك التدابير الوقائية، تكون مؤثرة فقط إذا تحمل كل فرد نصيبه من المسؤولية المجتمعية