في يناير 2015 أعلن «إيلون ماسك-Elon Musk» مؤسس شركة «SpaceX» أنه قدّم للهيئات التنظيمية الدولية الوثائق اللازمة لإطلاق مشروع عالمي يهدف لبث الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، لتضم المنظومة في النهاية حوالي 4000 قمر صناعي في مدار أرضي منخفض، وذلك في غضون خمس سنوات.
سرعان ما نما تقدير ماسك الأوليّ لعدد الأقمار الصناعية؛ حيث كان يأمل في الاستيلاء على جزء من أسواق ربط الإنترنت المقدرة بتريليون دولار في جميع أنحاء العالم، وذلك للمساعدة في تحقيق رؤيته لاستعمار المريخ. ثم منحته لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية (FCC) الإذن لإطلاق 12000 قمر صناعي، وقُدر حينها ان يصل العدد إلى 30.000 قمر صناعيّ في نهاية المطاف.
ولوضع ذلك في الاعتبار؛ فإن هناك ما يقدّر بحوالي 2000 قمر اصطناعي حاليًا حول الأرض، وتم إطلاق 9000 فقط في التاريخ كله، وفقًا لبيانات مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي.
اعتمادًا على الترددات المختارة؛ سيحتاج شبكة عالمية في مدار أرضي منخفض نسبيًا؛ حيث قال أن منظومته ستكون على ارتفاع حوالي 1100 كيلومتر، ليتجنب التداخل مع إشارات الأقمار الصناعية التي تدور في المدار الثابت على ارتفاع 36000 كيلومتر فوق خط الاستواء.
قال ماسك:
«هذا يهدف إلى جمع مبلغ كبير من الإيرادات للمساعدة في تمويل مدينة على سطح المريخ، بالنظر إلى المدى الطويل، ما هو المطلوب لإنشاء مدينة على سطح المريخ؟ حسنًا، هناك شيء واحد مؤكد – الكثير من المال، لذلك نحن بحاجة إلى أشياء ستولد الكثير من المال»
«نحن نتحدث حقًا عن شيء ما، على المدى الطويل، مثل إعادة بناء الإنترنت مجددًا؛ ولكن في الفضاء، سيكون الهدف هو جعل أغلب توصيلات الإنترنت بعيدة المسافة تمر عبر تلك الشبكة، ونحو 10 في المائة من شبكات تزويد المستهلكين والشركات المحلية. لذا فإن 90٪ من الاستخدام المحلي للأشخاص سيظل عن طريق الأسلاك ولكننا سنتولى تزويد 10٪ من البيانات للمستهلكين مباشرة، وأكثر من نصف شبكات توصيل المسافات الطويلة»
لاحقًا في عام 2018 أطلقت SpaceX أول قطعتيْن تجريبيتيْن من شبكة Starlink، باسم «TinTinA» و«TinTinB»، سارت المهمة بسلاسة تامة بناءً على البيانات الأوليَّة، ثم طلبت الشركة من المنظمين السماح لأسطولها الصناعي بالعمل على ارتفاعات أقل من المُخطط لها في البداية، ووافقت لجنة الاتصالات الفيدرالية.
على كلٍ، يعدّ كسر الفجوة الرقمية من كوكب الأرض إلى الأبد هدفًا نبيلًا للبشرية؛ لكن بث الإنترنت عبر مجموعات صناعيَّة كبيرة الحجم له ثمن.
يقول عالم الفلك «Ronald Drimmel»:
« أنا وزملائي من علماء الفلك قلقون جدًّا من تأثير هذه المنظومة على عمليات الرصد الفلكيَّة، والتي دفعت أكثر من 1800 منَّا إلى التوقيع على عريضة تطالب الحكومات بحماية سماء الليل.»
في الواقع ليس فقط علماء الفلك هم الذين يجب أن يقلقوا. يمكن رؤية المحصول الحالي لأقمار Starlink بسهولة بالعين المجردة في سماء معتدلة إلى حد ما، حتى على ارتفاع تشغيلها البالغ 550 كم. بمجرد نشر منظومة الأقمار الصناعية هذه بالكامل، سيكون هناك أكثر من 100 نقطة ضوئية متحركة في سماء الليل خلال ساعتين من شروق الشمس وغروبها، وذلك من أي نقطة على الكوكب. سيفوق سطوعها كل النجوم التي أمكننا رؤيتها يومًا، حتى النجوم المستخدمة لتحديد الأبراج.
ستقوم Starlink وحدها بتغيير المظهر المهيب للسماء المظلمة بشكل جذري وذلك لجميع من على سطح الكوكب.
نظرًا للتأثير البصريّ لمجموعات الأقمار الكبيرة؛ فمن الواضح جليًا أن الافتراض العملي للجنة الاتصالات الفيدرالية بأن الأقمار الصناعية ليس لها تأثير صفري على البيئة يمكن الطعن فيه. حتى لو أفلحوا في مثل هذا التحدي، فإن لدى لجنة الاتصالات الفيدرالية سلطة في الولايات المتحدة فقط، هل يمكنها استخدام حجج مماثلة على المستوى الدولي؟
استجابة لذلك؛ وعدت شركة سبيس إكس بمعالجة تلك المشكلة بطلاء الأقمار باللون الأسود؛ حيث صرحت Gwynne Shotwell رئيسة شركة SpaceX ومديرة عملياتها أن واحدة من كل دفعة أقمار يتم إطلاقها سوف يكون لديها تعديل تجريبي لمعالجة مخاوف السطوع.
وأضافت:
«علم الفلك هو أحد الأشياء القليلة التي تثير حماس الأطفال الصغار بشأن الفضاء، هناك الكثير من البالغين الذين يشعرون بالإثارة أيضًا، إما لأنهم يعتمدون عليها في معيشتهم أو للترفيه، ونحن نريد أن نتأكد من أننا نقوم بالشيء الصحيح، أن نتأكد من أن الأطفال الصغار يمكنهم النظر عبر مقاريبهم. سيكون من الرائع لهم رؤية Starlink. لكن يجب أيضًا أن ينظروا إلى كوكب زحل والقمر»
تحتفظ اليونسكو بسجل لمواقع التراث العالميّ، والأماكن ذات القيمة الثقافية أو ذات الطبيعة الفريدة والمتميزة للبشرية، وهي مكرَّسة للحفاظ عليها. تشتمل قائمة مواقع اليونسكو حاليًا على 1121 موقعًا، وبعض هذه المواقع، مثل بحر ناميبيا الرملي مدرجة حديثًا؛ لكن بموجب اتفاقية التراث العالمي، فإن سجل اليونسكو يقتصر عن طريق البناء على مناطق محددة، في حين أن السماء لا ترتبط بأي مكان على وجه الخصوص. لذا، بينما أعلنت اليونسكو السماء باعتبارها جزءًا من التراث العالمي للبشرية؛ يبدو أن هذه الصفة الفريدة التي تجعلها مهمة للإنسانية تستبعدها من اعتبارها جديرة بالحماية.
حتى الآن، سماء الليل المظلمة، المتاحة لأي شخص يمتلك شجاعة إطفاء الأنوار، لا تحتاج إلى حماية، فبعيدًا عن متناول البشر كانت نافذتنا للكون دون عائق، كونًا لا يمكن الوصول إليه ولا يمكن تغييره. يذكرنا الجمال الفائق لسماء مليئة بالنجوم كما فعل لأسلافنا، أننا ومشاكلنا بالغو الصغر، وأن معناها قد يكمن أخيرًا في قدرتنا على التعرف على عجب وجمال كون أكبر مننا؛ ولكننا جزء منه. فلا شيء له معنى بدون سياق، ومنذ فجر جنسنا البشريّ، كان سياقنا المشترك هو السماوات فوقنا. الإنسانية هي مزيج من الثقافات التي ولدت في أماكن متنوعة ولها تواريخ متنوعة؛ لكن كل هؤلاء الناس رسموا قصصهم على نفس القماش، معلقين أساطيرهم المثقلة بالقيمة على نفس القبَّة السماوية المرصَّعة بالنجوم.