الإغراء أمر يتعرض له الجميع، وهو الرغبة في ما يُمتِعنا أكان منتجاً أم فعلاً ما رغم درايتنا بأنه لا ينبغي لنا الانصياع لهذه الرغبة. جميعنا بالتأكيد قد سمع النصيحة القائلة بوجوب الاعتدال عند تناول شيء ما، لكن لا يلتزم الجميع بهذه النصيحة. فهل ثمة طريقة تقوّي من عزمنا عند مواجهة الإغراء؟
في مقال سابق بعنوان «تشتهي طعاماً ما؟» وضّح أنّ العادات تساعد في ذلك. كشف الباحثون أن العادات الصحية عامل أساسي لمواجهة الإغراء. لكن ماذا عن الأفراد الذين لا يكتسبون هذه العادات الصحية بغض النظر عن سبب ذلك؟
من الواضح أنه يوجد الكثير مما ينبغي معرفته عن مفهوم ضبط النفس. ربما تعرف بالفعل إذا كنت تتمتع به أم لا، والخبر الجيد الذي نزفّه لمن ليس كذلك هو أنّ إدراك المشكلة بحد ذاته يمكن أن يكون الحل.
ما الذي يغرينا؟
لدى معظم البشر نقاط ضعف، كالكعك المُحلى والبطاطا المقلية والنقانق والمثلّجات (الآيس كريم)، فاشتهاء الطعام أمر شائع. كما أنّ الكسل يمكن أن يغرينا؛ فتصفح القنوات أيسر من ممارسة رياضة التزلج في يوم جميل. إذا كانت الخيارات متاحة أمامنا، فما الذي يدفعنا إلى الخيار الأسوأ؟
درس إدوارد بوركلي (Edward Burkley) وآخرون هذه المسألة في كتاب اختاروا له عنواناً مثاليًّا هو لا تقُدنا إلى الإغراء: الخطايا السبع المميتة كطريقة لتصنيف الإغراءات (Lead Us Not into Temptation: The Seven Deadly Sins as a Taxonomy of Temptations).
استهل الباحثون الكتاب بتأكيد أنّ البشر يعانون بشكل دوريّ (روتينيّ) من الصراع بين الانصياع للإغراء وضبط النفس، لكن الأبحاث السابقة ركزت على ضبط النفس بوصفه قوة (دفع) بدلاً من التركيز على الإغراء بوصفه قوة (جذب). استخدم الباحثون قائمة الخطايا السبع المميتة (الشراهة، والجشع، والشهوة، والكسل، والحسد، والغرور، والغضب) لتحديد وتعريف الإغراءات التي نتعرض لها بصفة متكررة، وفحصوا مدى فاعلية ضبط النفس في مقاومة الإغراء في كلّ من هذه النقاط.
يرى بوركلي وزملاؤه أن الشعور بالإغراء ليس خطئاً بحد ذاته، وضرب الباحثون مثالاً على ذلك باشتهاء الطعام (وهو أمر نتعرض له كلنا)، وقالوا إنّ ثمة فرقاً بين سلطة الكرنب والبرغر بالجبن (cheeseburger) بالطبع، لكن اشتهاء الطعام غير الصحي لن يمثل مشكلة لك إلا إذا كنت تحاول اتباع حمية غذائية. عرَّف الباحثون الإغراء بأنه ينطوي على «عدم توافق السلوكيات المرغوبة مع الأهداف الشخصية».
عدد بوركلي وزملاؤه في معرض حديثهم عن الأبحاث السابقة أكثر الإغراءات شيوعاً. ومن بين الرغبات المصنفة إلى 15 فئة تضم مختلف المشروبات والأطعمة والتبغ وأنشطة الترفيه والنوم والتواصل الاجتماعي وممارسة الجنس، كانت الإغراءات الأكثر تعارضاً مع الأهداف (مما يجعلها الأكثر اتساقاً مع تعريف الباحثين للإغراء) هي التبغ ووسائل الإعلام والنوم وإنفاق المال وأنشطة الترفيه.
هل تساعدنا معرفة نقاط ضعفنا في التغلب على الاندفاع؟، يشير الباحثون إلى أنّ الإجابة قد تكون نعم.
المعرفة كمحفّز لقوة الإرادة
لدينا جميعاً تلك الصديقة المضيافة التي تحب إكرام ضيوفها، وعندما يحين موعد عودتهم للمنزل في نهاية الأمسية، فإنّها تصر على أن يأخذوا ما تبقى من الحلوى معهم، معلّلةً ذلك بأنّها إذا وجدت الشوكولا في المنزل، فلن تستطيع المقاومة. هذا الإدراك هو بالتأكيد استراتيجية ذكية للوعي بالذات.
يشير الباحثون إلى أن هذا الإدراك هو الخطوة الأولى لمن يعانون من صعوبات في مقاومة الإغراء والتحكم بالدوافع. اكتشف مارتن هاجّر (Martin S. Hagger) وآخرون عام 2019 أن سمة ضبط النفس هي عامل تنبؤ مطرد للسلوكيات المتعلقة بالصحة، وأشاروا إلى أن مَن يعانون من صعوبات ضبط النفس -من الناحية العملية- قد يكونون أكثر عرضةً للانصياع للإغراء عند التعرض لإشارات أو حالات تحفز تناول الطعام أو الشراب دون تفكير. كما أشاروا أيضاً إلى أن هؤلاء الأشخاص قد يميلون إلى الخمول بدلاً من المشاركة في أنشطة بدنية.
مع ذلك، لاحظ هاجّر وزملاؤه أيضاً أن إدراك الفرد لقصور ضبط النفس لديه تجاه السلوكيات المتعلقة بالصحة يمكن أن يحفزه على القيام بسلوكيات استباقية لتقليل العواقب السلبية، وقالوا إنّ هذه التدخلات السلوكية تشمل إعادة هيكلة البيئة، ومراقبة النفس، ورصد الإشارات.
نستنتج من ذلك أنّ وجود رفيق يزيد من فرص ارتيادنا لمراكز اللياقة البدنية التي اشتركنا بها، كما يساعدنا رفيق الحمية الغذائية على الالتزام بالحمية واتخاذ خيارات غذائية صحية، ويوجهنا لنعود إلى الطريق الصحيح بعد أن تزلّ قدمنا.
استمتع بحياتك لكن تحلَّ بالمسؤولية
التحكم بالاندفاع لا يعني الامتناع التام، ينبغي أن تركز الحميات الغذائية -باستثناء تلك التي تخصّ الحالات المرضيّة والطبية- على التخطيط والاعتدال، فالحميات التي تحظر كل أنواع الطعام المفضلة لدينا وتتطلب التزاماً صارماً بممارسة الرياضة ستبوء بالفشل. معظم الناس لن يفكروا في اتباع مثل هذه الحميات الصعبة ما لم يكونوا في أول أسبوعٍ من شهر يناير مشحونين بحماس العام الجديد، وحتى إن فكروا في اتباعه، فالقليل فقط يلتزمون به.
يتطلب اتباع أسلوب حياة صحي إدراك نقاط الضعف، والعزم على تحسين العادات اليومية المتعلقة بالصحة، وتناول الطعام والشراب بشكل مسؤول، وألا ننسى الاستمتاع بالحياة.