أنتجت فرقة إسكندر فرح المسرحيّة -والتي كان مقرها القاهرة- مسرحية «هاملت» لويليام شكسبير باللغة العربيَّة في عام 1901م، بناءً على ترجمة الأديب والمترجم اللبناني طانيوس عبده (١). لاقت المسرحية نجاحًا باهرًا، وظلّت الإنتاج المسرحي العربي الوحيد لـ«هاملت» في مصر حتى عام 1918 م. نشر طانيوس ترجمته للمسرحية في عام 1902 م، ولاقت نفس ما لاقاه الإنتاج المسرحي من رواج، بحيث نشرت طبعة ثانية للترجمة ذاتها بعد ذلك بأعوام قليلة.
على الرغم مما لاقته ترجمة طانيوس عبده لمسرحيّة «هاملت» من نجاح ملحوظ، لم تلق ترجمته نفس الترحاب بين مؤرخي المسرح والترجمات المسرحيّة. قدّم طانيوس عبده العديد من الترجمات لأعمال مسرحيّة وخياليّة عالميّة، إلا أن التاريخ يذكره على أنه أيقونة لـ«عدم الأمانة». يقول عنه أحد المؤرخين:
«والحقيقة التي لا سبيل إلى إنكارها، أنَّ المترجم لم يترك طريقة من طرق التشويه، إلا جرّبها في هذه المسرحيّة . . . فالمُترجم كان صاحب مدرسة في المسخ والتشويه، لم تسلم منها قصة أو مسرحيّة تناولها قلمه بالترجمة . [كـ]» (٢).
ربما تتفق مع وجه نظر ذلك المؤرخ، خاصةً إذا عرفت أن طانيوس عبده قدّم لقراؤه ورواد مسرحه وقتها نسخة من المسرحيّة تختلف كُليًّا عن النص الأصلي. غيَّر طانيوس من الحبكة الدراميّة لمسرحيّة شاكسبير: فلا يموت البطل في نسخة طانيوس، كما تنتهي المسرحية بنهاية سعيدة، يظهر فيها شبح الملك المقتول في المشهد الأخير ليناول هاملت العرش. يوارى شبح الملك المقتول التراب، ويُسدل الستار أخيرًا باعتلاء هاملت كرسي العرش على خلفيّة أصداء غناء الشعب خارج القصر احتفاءً بتحقق العدالة.
لم يكتف طانيوس عبده بإعطاء المصريين نهاية سعيدة لنص شكسبير وحسب، بل وأسقط جنس التراجيديا الذي يميز «هاملت» أدبيًّا عن المسرحية تمامًا. على الرغم من احتفاظ طانيوس ببعض العناصر التراجيديّة في نسخته، إلا أن التغييرات الجوهريّة التي أدخلها على ترجمته أخمدت التأثير التراجيدي للمسرحية. نرى ذلك جليًّا في التغييرات التي أدخلها على مونولوجات شخصيّة هاملت على سبيل المثال، في عملية تخفيف، أو حتى إحلال وتبديل في كثير من الأحيان، للطابع التراجيديّ مقابل طابع آخر غنائيّ دخيل. في الأصل الشكسبيريّ، يتحقق التأثير التراجيديّ لمونولوجات هاملت عن طريق التأكيد على تشتّت وحيرة هويّة المتحدث. تأتي هذه الحيرة نتيجة صراع بين الجانب الشخصي والجانب العام في شخصية البطل التراجيديّ، وهو صراع يجري في مساحة رماديّة هي ما يفصل بين الوعي واللاوعي. تظهر طبيعة ذلك الانقسام الهوياتي في لغة متشعبة منقسمة تميل تارةً نحو المعنى وتارةً نحو اللامعنى. تتميّز مونولوجات هاملت -وفق ما يقوله الباحثين المتخصصين في شكسبير- بلغة مضطربة نحويًّا، وبكثير من الوقفات والجمل الاستفهاميّة (٣). أما في نسخة طانيوس، تصبح تلك اللغة المتجزئة المضطربة سلسة ناعمة، بحيث أضفى طانيوس عبده على مونولوجات هاملت النثريّة وزنًا وقافية لتصبح بعدها شعريّة غنائيّة. كما أحال طانيوس المقاطع التي يقولها هاملت هامسًا -وتتخللها لحظات صمت، وعلامات استفهام، وإعادة لما سبق قوله- إلى لغة حماسيّة متشدقة لغويًّا، والتي تميّز بها الغناء العربي في مصر في مطلع القرن العشرين.
إلى جانب تغيير الحبكة الأصليّة والتخفيف من عنصر التراجيديا التي تتميز به مسرحية «هاملت» لشكسبير، كان من ضمن الانتقادات التي وجهها مؤرخي المسرح والترجمة إلى ترجمة طانيوس عبده استخدامه لغة خلطت بين اللغة العربيّة الفصحى التقليديّة -وما تتصف به من نثر شعري، وتكوينات كلاميّة متوازنة، وألفاظ لغويّة قديمة- والعاميّة المصريّة الحديثة. فكان ارتباط شكسبير في مخيلة المصريين بلغة أدبية فصحى سبب إضافي لعدم تقدير المؤرخين نسخة طانيوس.
بذلك، لو افترضنا صحة القول بأن الترجمة مجرد فعل لغوي تكون فيه مهمة المترجم الوحيدة هي نقل المحتوى الأصلي بشكل «أمين»، فسنجد أن ترجمة طانيوس عبده لمسرحية «هاملت» -في ضوء كل ما سبق ذكره- كانت «ترجمة خرقاء»، كما يقول أحد المؤرخين، «تنحى عن النص الأصلي» لتصبح في النهاية مجرد نص فيه «شبه طفيف للنص الأصلي» (٤).