كيمياء المشروبات الغازية

كيمياء المشروبات الغازية

المشروبات الغازية هي فئة من المشروبات غير الكحولية، عادةً ما تكون غير مكربنة، وتحتوي على مادة تحلية ونكهات طبيعية أو اصطناعية، وأحماض غذائية، وأحيانًا عصير. النكهات الطبيعية مستمدة من الفواكه والمكسرات والتوت والجذور والأعشاب ومصادر نباتية أخرى، ولا تعتبر القهوة والشاي والحليب والكاكاو وعصائر الفاكهة والخضروات غير المخففة مشروبًا غازيًا.

نشأ مصطلح المشروبات الغازية لتمييز المشروبات المنكهة من المشروبات الكحولية أو المشروبات الروحية المقطرة، ويوصی بالمشروبات الغازية كبديل لتغيير عادات الشرب الصعبة لدى الأمريكيين الأوائل. في الواقع، أدَّت المخاوف الصحية للمستهلكين الحديثين إلى فئات جديدة من المشروبات الغازية مع التركيز على انخفاض عدد السعرات الحرارية، ومحتوى الصوديوم، وعدم وجود الكافيين، وإضافة مكونات «طبيعية بالكامل».

هناك العديد من المشروبات الغازية المتخصصة؛ حيث تحظی المياه المعدنية بشعبية كبيرة في أوروبا وأمريكا اللاتينية، بينما يستهلك شعب فيجي وباقي جزر المحيط الهادئ الكافا المصنوعة من جذور شجيرة كثيفة (Piper Methysticum)، كما ‏يستمتع الناس في كوبا بعصير القصب المكربن، وتؤخذ نكهته من شراب غير معالج.

تُسَوَّق المشروبات الغازية التي تحتوي على دقيق فول الصويا في المناطق الاستوائية، حيث تفتقر النظم الغذائية في كثير من الأحيان إلى البروتين.

تاريخ المشروبات الغازية

ظهرت أولی المشروبات الغازية المسوقة في القرن السابع عشر كمزيج من الماء وعصير الليمون المُحلى بالعسل، ففي عام 1676م، شُكِّلَت شركة (Compagnie de Limonadiers) في باريس احتكرت السوق لبيع منتجاتها، وكان البائعون يحملون الصهاريج والبراميل على ظهورهم لتوزيع أكواب من عصير الليمون.

تطورت المشروبات الغازية والمياه بسبب المحاولات الأوروبية في القرن السابع عشر لتقليد المياه الفوّارة الطبيعية المنتشرة في الينابيع الشهيرة التي عُرِفَت بقيمتها العلاجية، حيث اكتُشِفَت الميزة الفوارة للمياه في وقت مبكر باعتبارها الأكثر أهمية، واستخدم العالم الفلمنكي جان بابتيستا فان هيلمونت مصطلح الغاز لأول مرة في إشارة إلى غاز ثاني أكسيد الكربون، ثم أطلق العالم البريطاني جوزيف بلاك علی المحتوى الغازي اسم «الهواء الثابت».

‏نشر روبرت بويل، الفيلسوف والعالم الأنجلو أيرلندي الذي ساعد في إيجاد الكيمياء الحديثة، مذكراته القصيرة للتاريخ التجريبي الطبيعي للمياه المعدنية في عام 1685م، وتضمن أقسامًا عن فحص الينابيع المعدنية، بالنسبة لخصائصها، ولآثارها على جسم الإنسان، وأخيرًا «تقليد المياه الطبية الطبيعية بطرق كيميائية وصناعية أخرى».

يلقب رجل الدين والعالم الإنجليزي جوزيف بريستلي، «أبو صناعة المشروبات الغازية» لتجاربه على الغاز التي حصل عليها من أحواض تخمير مصنع الجعة. في عام 1772م، عرض جهازًا كربونيًّا صغيرًا في كلية الأطباء بلندن، مشيرًا إلى أنه بمساعدة المضخة، ستكون المياه مشربة بالهواء الثابت بدرجة أكبر. قدم الكيميائي الفرنسي أنطوان لوران لافوازييه نفس الاقتراح في عام 1773م.

ينسب إلى توماس هنري ۔صيدلاني في مانشستر بإنجلترا۔ أول إنتاج للمياه الغازية، صنعها في براميل سعة 12 غالونًا باستخدام جهاز يعتمد على تصميم بريستلي. قرأ الصائغ السويسري جاكوب شويب أوراق بريستلي ولافوازييه وعزم على صنع جهاز مماثل، وبحلول عام 1794م، كان يبيع المياه المعدنية الاصطناعية عالية الكربون لأصدقائه في جنيف، وفي وقت لاحق أدار نشاطًا تجاريًّا في لندن.

في البداية، استُخدِمَت المياه المعبأة طبيًّا، كما يتضح في رسالة كتبها الصناعي الإنجليزي ماثيو بولتون إلى الفيلسوف إراسموس داروين في عام 1794م:

«يعد يعقوب شويب مياهه المعدنية بثلاثة أنواع؛ الأول مخصص للشرب مع العشاء، والثاني مخصص للمرضى الذين يعانون من الالتهاب الكلوي، ويحتوي الثالث على أكثر القلويات التي تُعطی فقط في الحالات الأكثر شدة».

بحلول عام 1820م، سمحت التحسينات في عمليات التصنيع بإنتاج موسع، وأصبحت المياه المعبأة في زجاجات شائعة. أُضيفت الأملاح والنكهات الأخرى؛ الزنجبيل في عام 1820م، والليمون في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، والصودا عام 1858م.
‏في عام 1886م، اخترع جون بيمبرتون ۔صيدلاني في أتلانتا بجورجيا۔ الكوكا كولا، وهو أول مشروب كولا.

تكوين المشروبات الغازية

‏يجب أن تكون جميع المكونات المستخدمة في المشروبات الغازية عالية النقاء للحصول على مشروب عالي الجودة، وتشمل: المياه، وثاني أكسيد الكربون، والسكر، والأحماض، والعصائر، والنكهات.

‏الماء

على الرغم من أن المياه غالبًا ما تُستخرج من مصدر مَحلِّي آمن، إلا أنها تعالَج بأفضل الوسائل لضمان نقاء المنتج النهائي، قد تختلف كمية الشوائب في العرض البلدي من وقت لآخر. في بعض مصانع التعبئة، قد تتكون معدات معالجة المياه ببساطة من مرشح رمل لإزالة المواد الصلبة الدقيقة وتنقية الكربون المنشط لإزالة اللون والكلور والنكهات أو الروائح الأخرى. ومع ذلك، في معظم محطات المعالجة، تُنَفَّذ معالجة المياه بعملية تعرف باسم الكلورة الفائقة والتخثر، وفيها يتعرض الماء لمدة ساعتين إلی تركيز عالٍ من الكلور والمندفات (Flocculants)، لتطهيرها من الكائنات الحية مثل الطحالب والبكتيريا ثم يمر عبر مرشح الرمل والكربون المنشط.

ثاني أكسيد الكربون وعملية الكربنة

يمنح غاز ثاني أكسيد الكربون المشروبات طعمها اللامع والرائع كما يمنع تلفها، ثم توَرَّد إلى الشركة المصنعة للمشروبات الغازية إما في شكل صلب «الثلج الجاف» أو في شكل سائل تحت ضغط حوالي 1200 رطل لكل بوصة مربعة ۔84 كيلوجرام لكل سنتيمتر مربع۔ في حاويات من الصلب الثقيل. تستخدم حاويات فولاذية خفيفة الوزن عندما يُحفظ ثاني أكسيد الكربون السائل تحت التبريد، في هذه الحالة يكون الضغط الداخلي حوالي 325 رطل لكل بوصة مربعة.

تتم الكربنة ۔للماء أو خليط المشروبات النهائي۔ عن طريق تبريد السائل وتسلقه في طبقات رقيقة عبر سلسلة من الصفائح في حاوية تحتوي على غاز ثاني أكسيد الكربون تحت الضغط. تزداد كمية الغاز التي يمتصها الماء مع زيادة الضغط وانخفاض درجة الحرارة.
ثاني أكسيد الكربون قابل للذوبان بشكل طفيف في الماء، فهناك تفاعل توازن يحدث عندما يتفاعل ثاني أكسيد الكربون مع الماء لتكوين حمض الكربونيك (H2CO3)، وبما أن حمض الكربونيك هو حمض ضعيف، فيمكن أن ينفصل إلى بروتونات (H +) وأيونات كربونات الهيدروجين (HCO − 3).

(CO2 (aq) + H2O (l) ⇌H2CO3 (aq) ⇌HCO − 3 (aq) + H + (aq)
اليوم، يمكن ضغط ثاني أكسيد الكربون في المشروبات الغازية، وتحقيق التوازن الموضح أعلاه، وبمجرد فتح حاوية المشروبات تحدث سلسلة من تحولات التوازن. أولاً، يهرب غاز ثاني أكسيد الكربون في الفضاء الجوي أعلى الزجاجة، مما يسبب اختلال التوازن بين ثاني أكسيد الكربون في المرحلة الغازية وثاني أكسيد الكربون المذاب أو المائي، فيقل تركيز ثاني أكسيد الكربون في المشروبات الغازية، ويؤدي تقليل ثاني أكسيد الكربون المذاب إلى تحلل حمض الكربونيك إلى CO2 المذاب وH2O. يتسبب تركيز حمض الكربونيك المنخفض في حدوث تحول في التوازن النهائي. طالما أن المشروب الغازي في حاوية مفتوحة، فإن غاز ثاني أكسيد الكربون يخرج من المشروب، ويطلق الغاز في الهواء، مع إزالة الغطاء من الزجاجة، لم تعد تفاعلات ثاني أكسيد الكربون في حالة توازن وستستمر حتى لا يبقى المزيد من المواد المتفاعلة. وينتج عن ذلك مشروب غازي بتركيز أقل بكثير من ثاني أكسيد الكربون، والذي يشار إليه غالبًا باسم «الخفيف».

‏شراب النكهة

عادة ما يكون شراب النكهة محلولًا مركّزًا من مادة التحلية ۔طبيعي أو اصطناعي۔، وحمض، ونكهة، ومواد حافظة عند الضرورة. يُصنع شراب النكهة في خطوتين؛ أولاً، يُحضر «شراب بسيط» عن طريق صنع محلول من الماء والسكر. يمكن معالجة محلول السكر البسيط هذا باستخدام الكربون وتصفيته إذا كانت جودة السكر رديئة، ثم تُضاف جميع المكونات الأخرى في ترتيب دقيق لصنع ما يسمى«شراب نهائي».

مراحل إنتاج المشروبات الغازية

 

كيمياء المشروبات الغازية
هناك طريقتان لإنتاج منتج نهائي من شراب النكهة؛ أولهما، يُخفف الشراب بالماء ثم يُبرد المنتج، ويُكربن، ويُعبأ في زجاجات. أما الثانية، يقيس الصانع كمية دقيقة من الشراب في كل زجاجة، ثم يملؤها بالماء المكربن. في كلتا الحالتين، يُفضل تقليل محتوى السكر ۔51-60٪ في الشراب۔ إلى 8-13٪ في المشروب النهائي. وبالتالي، قد يحتوي المشروب الغازي 12 أونصة على أكثر من 40 جرامًا من السكر.

يُمزج الشراب ويُخلط مع الماء العادي أو المُكربن. تُغسل الحاويات ثم تُملأ بالكامل تقريبًا بواسطة الآلات الأوتوماتيكية. تُغسل الزجاجات القابلة للإرجاع في محاليل قلوية ساخنة لمدة لا تقل عن خمس دقائق، ثم تشطف جيدًا. عادة ما تُغسل الحاويات ذات الخدمة الواحدة أو «الرحلة الواحدة» بالهواء أو شطفها بمياه الشرب قبل ملئها. يمكن للمالئات الأوتوماتيكية خدمة مئات الحاويات في الدقيقة.

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي