على مدار القرون السابقة وُجدت التضحية بالبشر فى الكثير من الثقافات والحضارات حيث كانت جزءًا هامًا ورسميًا من الطقوس الدينية فى أوروبا وأمريكا اللاتينة وبعض الحضارات الأخرى مثل الحضارة المصرية وغيرها، وكان أبطال هذه التضحية غالبًا من الأطفال وأحيانا بعض الأعضاء البشرية مثل القلب فى حضارة الأزتيك حيث يقدم قلب الضحية كهدية للآلهة. والتضحية بالبشر هى ببساطة عبارة عن موت شخص وتقديم روحه للآلهة أو قوى روحية أعلى منه وذلك لنيل رضاها ونعمها أو سعيًا لإستقرار الدولة والحياة الاجتماعية.
امتدت إمبراطورية الإنكا فى الإكوادور وتشيلى والأرجنتين وبيرو وكان التضحية بالبشر جزء أساسي من ثقافتها حيث كان يتم تقديم الأطفال الأكثر جمالاً فى الإمبراطورية للآلهة وذلك لاعتقادهم أن الأطفال أكثر نقاءًا من غيرهم، وكانت هذه التضحية عامل أساسي في سياسة الإمبراطورية الموحدة ونظامها الاجتماعي والاقتصادي وغالبيتها كان يتم في أجواء احتفالية من بينها احتفال capacocha»»وهذه الكلمة في لغة الكيتشوا مكونة من جزئين quapac»» والتى تعنى الملك أو القوة وكلمة “huacha” والتي تعنى الخطيئة أو الاضطراب الكوني، وكان لهذا الاحتفال مكانة كبيرة عند الإنكا حيث تشارك فيه جميع المناطق المجاورة وكان خاصًا بإله الشمس”إنتى” ويتم إقامته فقط في ظروف معينة مثل تتويج ملك جديد للإنكا أو ميلاد أحد أبنائه أو الاحتفال بالانتصار في أحد المعارك أو في موقف يُعرض حياة الإمبراطور ومملكته للخطر، كذلك عند حدوث اضطرابات كونية أو كوارث طبيعية وزلازل أو جفاف أو مشاكل اجتماعية داخل الإمبراطورية كل هذه الأحداث كانت تُجبرهم على البحث عن الحماية والحل لاعتقادهم أن ذلك يحدث بفعل غضب الآلهة فكانوا يبحثون عن طريقة تُعيد الاستقرار بينهم وبين آلهتهم فكان الملاذ فى قمم الجبال حيث يقومون بالتضحية البشرية هناك لاعتقادهم أن هذا يُعزز وضع الإمبراطورية ويساعد على توحيدها ويزيد قوة الملك.
كيف كان يتم إعداد الأطفال لعملية التضحية؟
كانت هناك منازل مخصصة تُعرف بمنازل عذراوات الشمس خاصة بالفتيات التى يتم إختيارهن لهذة المهمة وكان يتم إختيارهن من بين أجمل فتيات المدينة عندما يبلغن ما بين سن الثامنة إلى العشر سنوات وتظل الفتيات فى هذا المكان حتى يبلغن أربعة عشر عامًا، عندما يُصبحن مؤهلات للزواج، وكان بعض الأهالي يقومون بتقديم أبنائهم طواعية لاعتقادهم أن هذا شرفًا لهم أن يُقدم أحد أبنائهم للآلهة حيث كانوا يسافرون إلى مدينة كوزكو ويقدمون أبنائهم الذكور إلى ملك الإنكا لكى يتم تقديمه لآلهة الشمس ويعطيه الملك بعض العطايا المادية والأموال التى تكسبه مكانة اجتماعية وبعض القوى السحرية التى تساعده على استمرار حياته فى الأرض.
وكانت عملية الإعداد تتم بأقل الطرق ألمًا حيث يتم إعطاء الأطفال قبل اليوم المشهود بأيام أوراق الكوكا أو مشروب التشيتشا وهو مشروب يحتوى على مادة مخدرة حتى يذهب الأطفال فى ثبات عميق يتم تركهم فى درجة برودة عالية حتى يموتوا متجمدين من شدة البرد، وفى حالات قليلة يتم دس السم إليهم فى الطعام أويتم خنقهم أو يتم ضربهم على مؤخرة الرأس.
اليوم المشهود
وفى اليوم الذى سيقومون فيه بالتضحية يتوجب عليهم السفر إلى مدينة كوزكو العاصمة حيث يُقيم الملك الاحتفال وبعد الانتهاء منه يبدؤون مسيرتهم سيرا على الأقدام إلى أحد الأماكن المقدسة الواقعة أعلى قمم الجبال والتى لابد أن تكون درجة الحرارة بها منخفضة تصل إلى حد التجميد. يقام الحدث بحضور الشخصيات الهامة فى الدولة والكهنة والأطفال وعائلاتهم ويتم تخدير الأطفال عن طريق شراب التشتتشا أو أوراق الكوكا حتى يناموا تمامًا ويتم دفنهم وسط الثلوج أو داخل حجرات صغيرة بقمة الجبل، ويتم وضع هدايا أخرى معهم مثل مجسمات من الذهب والفضة وبعض أوراق نبات الكوكا المقدس وقطع فخارية فاخرة ومنسوجات متنوعة وبعض محار البحر النادر الذى كان يتم جلبه من شواطئ الإكوادور خصيصا.
كانت هذه العطايا تُقدم للشمس كضريبة وعلامة للتحالف معها وفى نفس المكان الذى يتم دفن الأطفال فيه وبعد عملية الدفن يتواصل ملك الإنكا مع الشمس مُجدداً العهد معها وتقوم هي الأخرى بمنحه القوة، وبهذه الطريقة تتحقق السيطرة الاجتماعية للملك فى دولته ويضمن توحيد دولته وإستقرارها أما الضحية فتظل مومياء مُقدسة موهوبة لقوى الحياة التى تُثمر عائلتها وتحمى مجتمعها.
مومياء جبل لومو
اكتُشِف مؤخرًا أحد هذه الأماكن المقدسة الخاصة بالتضحية البشرية حيث تم اكتشاف جسد طفل عام 1954مدفون في الجليد في واحدة من أعلى قمم جبال الأنديز بتشيلى وهو جبل بلومو على إرتفاع 5.400 متر عن مستوى البحر وكان هذا بداية إهتمام العلماء والأثريون بالبحث فى جبال الأنديز والمواقع الأركيولوجية (الأثرية) هناك. وُجد جسد الطفل بحالة جيدة وكان فى وضع الجلوس وكأنه ببساطه خلد إلى النوم وكان يبلغ من العمر ثمانية أعوام ووفقا لملامحه يُعتقد أنه كان من الجماعات العرقية التى سكنت حول بحيرة تيتى كاكا.
ساعدات درجات البرودة المنخفضة على الحفاظ على جسد الطفل كما هو، كما توجد أيضًا أنسجة جسده وجلده بحالة جيدة وكأنه شخص مات حديثا، ويعتقد العلماء أن هذا الطفل وصل إلى مكان الدفن حيا وسبب موته هو البرد القارس.
أطفال بركان يويياكو
في أحد تلك الأماكن المقدسة في الشمال الشرقي بالأرجنتين عثر علماء الآثار على ثلاث مومياوات على ارتفاع 6723 متر ترجع للإنكا كان قد تم دفنهم منذ خمسمائة عام لكي يتم التضحية بهم في أحد الاحتفالات الهامة الخاصة بالإنكا.
كان هذا المكان صعب الوصول إليه بسبب البرد الشديد والارتفاع الشاهق والعواصف الثلجية، وبالقرب من القمة وجد الأثريون منطقة تبدوا وكأنها مذبح، قاموا بعمل حفر مبدئي بها فوجدوا حجرة صغيرة جداعلى عمق 1,5 متر وبها جثمان طفل فى وضع الجنين ووجهه بين ركبتيه، وعلى مسافة ليست ببعيدة منه وجدوا جثمان طفلة تبلغ من العمر 15 عام مضفرة الشعر وتجلس القرفصاء ورأسها منحنى كما لو كانت في سبات عميق أما الجسد الثالث والأخير يعود لطفلة تبلغ من العمر 12 عام، هذه الطفلة بها بعض الحروق السطحية كانت قد أصابتها بعد الدفن بسبب درجات الحرارة المرتفعة.
تم نقل الثلاث مومياوات إلى المعامل المتخصصة توجد أجسادهم بحالة جيدة ولم تتعرض لأى إيذاء جسدى داخلى أو خارجى، وبعد تحليل بعض أنسجتهم، وجدت بحالة جيدة وبدون أى قطع، كما أظهرت الأشعة السينية أعضائهم الداخلية كما هى، كذلك المخ والقلب والرئتين، كما أسفرت بعض التحاليل الأخرى عن وجود كمية كبيرة من الكوكاين مستقرة بالشعرالخاص بالفتاة ذات الخمسة عشر عامًا، وجدت بشعرها نسبة مرتفعة جدا تشكل ثلاث أضعاف الكمية المعتادة ،كما تم العثور على بعض أوراق نبات الكوكا بفمها.
وعثر بجانبهم على مئات الهدايا المُقدمة للآلهة والمجسمات الذهبية التي تم تتويجها بريش الطيور ومنسوجات من أصواف اللاما بالإضافة لحقائب صغيرة خاصة بهؤلاء الأطفال وحسب المعتقد الديني هذه الحقائب مهمة بالنسبة لهم لكي يتم التعرف عليهم يوم البعث.
إعداد: رهام خليل
مراجعة: Abdallah taha
تصميم: Bothaina Mahmoud
المصدر:
http://sc.egyres.com/ORvbI
#الباحثون_المصريون