كيف تستطيع تلك العقاقير أن توصلنا لتلك الدرجة من التحكم بطريقة رؤيتنا للواقع؟ في عالمٍ أسطوريٍّ يكون عقلنا فقط فيه هو الملك الأوحد والرئيسي، نرى عالمًا غير عالمنا يتحكم فيه عقلنا وخيالاتنا. أحلام لمستقبل مشرق، أو حتى مشاهد حية من الماضي تأتي حاملةً ذكرى معينةً. وكيف تجعلنا تلك الحبوب نعشقها ونتعاطاها رغم كل الأفكار المخيفة التي يزيد احتمال تجسدها والإحساس بها بقوة بعد تعاطي تلك الحبوب العظيمة. نبدأ رحلتنا المثيرة في الدماغ والطريقة التي يتفاعل بها مع تلك الحبوب وكيف تنشأ الهلوسة.
«عقار ثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك-LSD».
عام 1938 استطاع الدكتور ألبرت هوفمان Albert Hofmann-تصنيعه لأول مرة ولكنه لم يكتشف خواصه المؤثرة على الدماغ .ولكنه قام بعدها بـ5 سنوات بإعادة تصنيعه مرة أخرى ولكن تلك المرة حدث أمر لم يكن يتوقعه. أثناء إعادة التصنيع تعامل الدكتور ألبرت مع العقار الناتج بيده بدون حماية وأدى ذلك إلى امتصاص جلده للعقار، وهو ما أدى إلى معرفة الدكتور ألبرت بخواص هذا العقار وقدرته في التأثير على المخ.
وهذا ما أدى إلى انتشار تعاطي هذا العقار عام 1960 بعد 20 سنة من محاولات العلماء لإيجاد استخدامات طبية لهذا العقار، إلى أن قام دكتور تيموثي لاري Timothy Leary-بنشر العقار والدعايا له وتشجيع المراهقين والطلاب الأمريكيين على تعاطيه!
يعتبر الـLSD من أكثر العقاقير شهرةً لأنه الأكثر سهولة للتعاطي ورخيص الثمن مقارنةً بعقاقير كثيرة أخرى تتطلب جهدًا للحصول عليها، وأيضًا يمكنك حتى لو لم تجده متوفرًا شراء كمية بسيطة، فلتجربة تأثيره على المخ يمكنك الحصول على 25 ميكروجرام فقط! وهو أصغر من وزن حبيبتين من الرمال.
ولكن كيف يعمل الـLSD من الأساس وكيف تحدث الهلوسة ؟
يعتبر الـ LSDمن العقاقير التي تتفاعل في الدماغ مع مستقبلات هرمون معين وتنتج أثرًا مطابقًا تقريبًا لأثر إفراز الهرمون نفسه فيما يعرف بالـagonist ، وعند التحدث عن الLSD فنحن نتحدث هنا عن هرمون السيروتونين. يعمل هذا العقار عن طريق التفاعلbinding- مع نوع من مستقبلات هرمون السيروتونين يسمي مستقبل HT2A-5 – HT2A-5 receptor وذلك يُحدث تأثير عظيم في طريقة إدراك المخ للأشياء وتفسيره لها لأن من وظائف هرمون السيروتونين جعل المخ يقظًا في أوقات عمل هذا الهرمون، فإن هرمون السيروتونين من أهم الهرمونات في مجموعة الهرمونات التي تتحكم باليقظة والتي تجعلك منتبهًا واعيًا وهي الهرمونات التي تحتوي على مجموعة أمين واحدة monoamines- كهرمون السيروتونين الهيستامين histamine- والنوريبينافرينnorepinephrine- وبالطبع ليست كل الهرمونات في تلك المجموعة تتصرف بنفس الطريقة، فلكل منها هدف محدد في التحكم في اليقظة، فمثلًا يقوم هرمون الهيستامين على المحافظة فقط على الاستيقاظ، ولا يدخل في مرحلة بداية الاستيقاظ ولا يبدأ نشاطه إلا بعد الاستيقاظ بفترة بسيطة على عكس النوريبينافرين الذي لوحظ أنه يبدأ وجوده ونشاطه قبل الاستيقاظ بسويعات قليلة حتى بدأ العلماء يربطون بين هذا الهرمون وبين بداية الاستيقاظ في علاقة سببية.
ولهذا فإن تناول الـLSD يوصلك حتمًا لتلك الهلوسات لأنه أساسًا يزيد من مفعول مطابق لنتيجة تأثير السيروتونين على المخ لأن الـLSD يقوم بالتفاعل مع مستقبلات HT2A-5 لهرمون السيروتونين ويقوم بالعمل مثل هرمون السيروتونين تمامًا في تأثيره على المستقبلات. وبما أن هرمون السيروتونين من أدواره الرئيسية التحكم في اليقظة فالتلاعب في نشاطه وزيادته يؤدي إلى تغير طريقة إدراكنا للأشياء من حولنا وإصابتنا بهلاوس سمعية وبصرية ناتجة عن وجود تأثير كبير جدًا على الدماغ يشترك الإفراز الطبيعي للسيروتونين والـLSD الذي يقوم بنفس عمله في تكوينه.
تخيل ماذا يحدث في الهلوسة الناتجة من الـ LSD بالمقاربة مع الصرعepilepsy-
معظم مرضى الصرع قبل النوبات الصرعية يحدث لهم ما يسمى بـالأوراaura-، تلك المرحلة التي تسبق النوبة الصرعية قد تستمر فترة بسيطة للغاية أو طويلة قليلًا حسب حالة المريض عندها ونشاط خلايا مخه المسبب لهذه الأورا، معظم مرضى الصرع يرون أشيائًا غير موجودة كنقطة سوداء أو تعرجات من الألوان المختلفة، وقد يسمعون أصوات غير موجودة ويشعرون بالخوف أو الرهبة، حسب حالة المريض عندها وحالة مخه تكون الهلوسة من نوع معين. ففي حالة زيادة النشاط في القشرة الحركيةmotor cortex- بشكل غير طبيعي في النوبات الجزئية أو المحلية focal seizures- تحدث الهلوسات الحركية كالشعور بالوخز أو الألم الغير مبرر، فمن المفترض أن القشرة الحركية تنشط عندما نمشي مثلًا بـمعدل اطلاق نبضات عصبية معين-firing rate، فإذا لم نكن نمشي وزودنا نشاط القشرة الحركية ستحدث الهلوسة! سنشعر أننا نمشي أو يتم وخزنا حسب الأماكن والشحنة الكهربائية التي يتم تحفيز نشاط القشرة الحركية بها رغم أنه لم يحدث شيء لأن الخلايا ستعمل بنفس الطريقة.
هذا ما يحدث تمامًا في استعمال الـ LSD ولكن الفرق هو أننا في الصرع يزيد نشاط أجزاء من دماغنا فجأه بشكل غير مبرر وتكون الخلايا المنشطة من أنواع مختلفة، أما في حالة الـ LSD الذي يحدث هو أننا عندما نتناوله ويدخل ويعمل عمل مشابه لتأثير السيروتونين على المستقبلات يتطرق هذا المخدر وينتشر إلى أن يصل إلى مستقبلات السيروتونين التي تدخل في عملية الإبصار وهذا يؤدي إلى زيادة الآثار المشابهة لإفراز السيروتونين في مستقبلات السيروتونين التي تدخل في عملية الإبصار، فتبدأ الهلوسات ويحدث نشاط غير طبيعي في تلك الخلايا المرتبطة بالإبصار فتعمل تلك الخلايا وكأنها ترى أشياءً فعليًا تظهر في أشكال وهلوسات مختلفة حسب نشاط الخلايا ذاتها الناتج عن تعاطي كمية معينة من الـ LSDونرى هلوسات وأشكال مختلفة غير حقيقية مشابهة للتي تحدث في الأورا التي تسبق النوبات الصرعية.
وطبعًا ليست الهلوسات بصرية أو حركية فقط فهناك أنواع مختلفة من الهلوسات يجربها مرضى الصرع في الأورا ومتعاطون الـ LSD فهناك أنواعٌ أخرى وأعراض عديدة وتجارب خاصة لكل شخص خاض تلك التجربة فيمكنك مثلًا تجربة سماع موسيقي أو جرس أو هلوسات سماعية أخرى إذا حدث لك نوبة صرعية جزئية سبقتها أورا في القشرة السماعية الأوليprimary auditory cortex- ويمكنك أن تشعر بعدة مشاعر في نفس الوقت تتملكك كالخوف أو القلق الغير مبرران أو تجربة إحساس الديجافوdejavo-، الأمر غير محدود أبدًا وغير قاصرٍ على أنواع بسيطة في كلتا الحالتين.
سأتركك الآن لتسرح بخيالك مع مقولة أول شخص في العالم يجرب هذا العقار الغامض المسبب للهلوسات، نعم، إنه الدكتور هوفمان !
«أحسست بانعدام راحة، ممزوج بدوار خفيف. في المنزل،أجلس وأنا أغرق في السُكْر والثمالة كأنه فعلًا الخيال. بعيناي المغلقتان، أتلقى تيارًا غير منقطع من الصور الرائعة وأشكال استثنائية مع بهجة من الألوان المجتمعة. وبعد ساعتين تلاشت تلك الحالة بعيدًا.»
المصادر :-
..
لقراءة وصف الكثيرين من مرضى الصرع للأورا خاصتهم ومشاعرهم حينها:-
إعداد: shehab aymen
مراجعة: Mohamed Sayed Elgohary
تصميم : Bothaina Mahmoud
#الباحثون_المصريون