مئات الأشخاص يجلسون في مقاعدهم بانتظار العرض المسرحي، بعضهم يُلقي نظرة على تصميم المسرح الداخلي وتكويناته وزخارفه إما في دهشةٍ أو فضولٍ أو لا مبالاة، فلا يجد ما يشغله حتى بدء العرض.
انطفأت الأضواء إيذانًا ببدء العرض، الجميع يُراقب خشبة المسرح بلهفة، لا أحد يُبعد عينيه، لا أحد يهتم بتصميم (شارل غارنييه) أو (جيوفاني أنطونيو).
يُعد (التماثل – Symmetry) واحدًا من عناصر التشكيل الرئيسية في التصميم بشكلٍ عام والعمارة بشكلٍ خاص. حيث ارتبط بالعمارة في مختلف الحضارات على مر التاريخ حتى بدايات القرن العشرين؛ فمن الصعب التفكير في عمارة أي عصر في أي مكان شرقًا أو غربًا –من العمارة الإغريقية والرومانية وعمارة عصر النهضة إلى المساجد الإسلامية والمعابد الصينية والأضرحة اليابانية والكاتدرائيات القوطية- إلا ويوجد فيها عنصر التماثل كمبدأ أساسي مشترك في التصميم بوجهٍ عام ليس فقط على مقياس المباني بل على مستوى التفاصيل والزخارف وجميع عناصر المبنى منفردة أو مُجَمَّعَة.
يعزي الباحثون في تاريخ العمارة هذا الاهتمام الكبير بعنصر التماثل إلى ما يضيفه من وقار ورهبة للمباني وخاصةً المباني السلطوية سواءً كانت سياسية كمباني القصور والحكام أو دينية روحية كالمعابد والمساجد والأضرحة. كما يضع بعض علماء الأعصاب و الإدراك فرضيات حول ارتياح العقل البشري لإدراك المباني المتماثلة نظرًا لسهولة إدراكها وفي وقتٍ أقل مقارنةً بالمباني الغير متماثلة، فالعقل البشري كسول ويميل إلى تفسير المؤثرات الخارجية وفق منظومة من الأنماط المحفوظة مسبقًا بدلاً من استنباط أنماط جديدة.
حديثًا بدأ اهتمام المعماريين بالتماثل بالنقص حتى وصل مع ظهور الحداثة إلى ما يشبه النفور من التماثل الصريح وبدأ الاتجاه إلى الاتزان بأنواعه في محاولة لمعالجة المشكلة الرئيسية في التماثل وهي الملل والرتابة، ولكن ظل التماثل يحتل مكانة هامة في تصميم بعض الأنماط من المباني مثل المباني الدينية ليؤدي وظيفة روحية أو الهياكل الإنشائية لناطحات السحاب ليؤدي وظيفة إنشائية في مقاومة أحمال الرياح والزلازل وغيرها من الاستخدامات.
تُعدّ مباني المسارح وقاعات الأوبرا أيضًا من أهم المباني التي لا يزال يُستخدم فيها التماثل بشكلٍ كبير لأسباب متعددة تتعلق بجودة توزيع الصوت و قدرة جميع المشاهدين على رؤية خشبة المسرح والوصول السهل للمشاهدين إلى مخارج الطوارئ والراحة النفسية للمؤدين على خشبة المسرح وهو سبب يتعلق بإدراك العقل للتماثل كما ذكرنا من قبل.
المسارح ودور الأوبرا تعد من أكثر أنواع المباني التي يهتم المعماريون بدقة تصميمها ليس بزوايا الرؤية الحرجة ومخارج الهروب والأنظمة الإنشائية وتوزيع الصوت فحسب، بل بالتصميم الداخلي الفاخر والاهتمام الشديد بالتفاصيل والتي تتناسب مع قيمة هذا النوع من المباني كصروح ثقافية وترفيهية وتقام فيها أحد أهم وأقدم أنواع الفنون.
حاول المصور الفوتوغرافي (ديفيد ليفنتي –David Leventi) توثيق أعظم التصميمات الداخلية حيث تُقام أكثر أنواع الموسيقى تحضرًا (الأوبرا)، وعلى مدار (8) سنوات قام بزيارة (40) دار أوبرا في (19) دولة حول العالم، من مسرح سان كارلو المطلي بالذهب الحقيقي في مدينة نابلس بإيطاليا (Teatro di San Carlo) والذي يُعدّ أقدم دار أوبرا لا تزال تُقام فيها العروض حتى الآن؛ إلى الحداثة في دار أوبرا مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية (Met Opera House).
أثناء محاولة (ليفينتي) لالتقاط صور للمسارح وزخارفها المدهشة، وجد أن أكثر اللقطات المذهلة تم تصويرها من منظور المؤدي من خشبة المسرح موجهًا عدسته إلى حلقات الكراسي الخالية تعلوها الإضاءات اللامعة.
هذا بالتحديد ما أراد (ليفينتي) أن يثيره بتوثيق هذه المباني من خلال عدسته، يقول (ليفينتي): «إن العرض الفعلي على الخشبة ليس إلا جزءًا من التجربة الملهمة للذهاب إلى المسرح، أنا أؤمن أن المكان في حد ذاته يمكن أن يكون الحدث».
فهل تستحق مباني المسارح تلك التصميمات الفاخرة كمنابر ثقافية ملهمة أم أن بضع دقائق قبل بدء العرض قد يلاحظ فيها المشاهدين هذا التصميم ليست كافية في مقابل المال والمجهود المبذول لإنتاج مثل تلك التصميمات الفاخرة التي لا تتم مشاهدتها بالقدر الكافي؟
إعداد/ترجمة : حسام هشام
مراجعة علمية : Mahmoud Mohamed Ouf
مراجعة لغوية: Mohamed Sayed Elgohary
المصادر : http://goo.gl/6lTvq2
http://goo.gl/9uFrvt
http://goo.gl/dIwPf1
#الباحثون_المصريون