كانت فترة التسعينات من القرن العشرين مليئة بالتطورات السريعة والتي كان لها الأثر البالغ على هيكل وشكل الاقتصاد العالمي، فظهرت آثار العولمة على عدد من الأسواق المالية، وانهارت الأسواق المالية في جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية. فانتشرت عمليات الخصخصة والإنتقال إلى اقتصاد السوق أكثر بكثير من الماضي، إلى أن دفعت كل هذه التطورات وغيرها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للمشاركة مع منظمة التعاون والتنمية في صياغة “مبادئ حوكمة الشركات” ودراسة فعاليتها في كل من الأسواق المتقدمة والناشئة على حد سواء.
تبعاً لمنظمة التعاون والتنمية والتي أقرت تعريف حوكمة الشركات على أنه “مجموعة من القواعد والإجراءات والأنظمة التي تحقق أفضل حماية وتوازن بين مصالح مديري الشركة والمساهمين وكذلك الجهات المعنية الأخرى المرتبطة بها”. وتشمل هذه القواعد المسائل المتعلقة بقانون الشركات وقوانين الأوراق المالية، وقواعد التسجيل في البورصة، والمعايير المحاسبية التي تنطبق على الشركات المدرجة، وقوانين المنافسة، وقوانين الإفلاس وغيرها. ويتمثل الهدف الرئيسي لحوكمة الشركات هو “القضاء على الفجوة التي يمكن أن تحدث بين المديرين وأصحاب الشركة نتيجة للممارسات السلبية التي يمكن أن تضر بالشركة”.
وتُعتبر مصر أول دولة عربية تم تقييمها لتقوم بتطبيق وممارسة حوكمة الشركات من قِبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فالتقرير الذي تم إعداده والتصديق عليه في عام 2001 بالتعاون مع وزارة التجارة الخارجية والهيئة العامة لسوق المال والبورصة أن القواعد التي تحكم إدارة الشركات والتي يتم تطبيقها في مصر تتماشى مع المبادئ الدولية.
وقد شهدت الفترة الأخيرة تطوراً ملحوظاً في مجال تأسيس قواعد حوكمة الشركات والتنمية في مصر وذلك بسبب الإعلان عن إدخال معايير وطرق وقواعد جديدة للتسجيل بما في ذلك الربحية وعدد المساهمين والحد الأدنى من رأس المال بما يتماشى مع المعايير الدولية. كما تطورت قواعد الإفصاح، فبعد أن كانت الشركات مُلزمة بتكوين لجان المراجعة وتعيين الشخص المسؤول عن العلاقات مع المستثمرين، وإنشاء صندوق ضمان التسويات. أصبح من الممكن السماح للمالك المسجَّل للتصويت نيابة عن المالك المستفيد وفقا لتعليماته، وأيضاً السماح بإستخدام نظام التصويت العادي أو التصويت عن طريق البريد الإلكتروني.
المبادرة المصرية لتطبيق القواعد الدولية لحوكمة الشركات:
تلقت مسألة إدارة “حوكمة” الشركات إهتماماً متزايداً في السنوات الأخيرة بسبب زيادة تداخل الاقتصاد المصري في الاقتصاد العالمي من خلال عولمة أسواق رأس المال، والأهمية المتزايدة للدور الذي يلعبه القطاع الخاص في الاقتصاد المصري. فعلى مدى السنوات الماضية، أكدت مصر على تطبيق القواعد الدولية لحوكمة الشركات في القطاعين الخاص والعام، وذلك من خلال إصدار الآتي:
- دليل لقواعد ومعايير حوكمة الشركات بالنسبة للقطاع المشترك- القطاع العام مع الخاص- في جمهورية مصر العربية في أكتوبر 2006.
- دليل مبادئ حوكمة الشركات لشركات القطاع العام في جمهورية مصر العربية في يوليو 2006.
- القواعد التنفيذية لمشروع حوكمة الشركات المدرجة ببورصتي القاهرة والإسكندرية في نوفمبر عام 2006.
أولا: دليل لقواعد ومعايير حوكمة الشركات المساهمة في مصر:
تعتبر هذه المجموعة من قواعد مبادئ حوكمة الشركات في مصر كقواعد مكملة للنصوص التي ترتبط بالشركات المساهمة في قوانينها المختلفة، في لا تُعتبر قواعد آمرة ولا غير ملزمة. وهي القواعد الوحيدة المنظمة للشركات وفقاً للمعايير والأساليب العالمية، والتي تحقق التوازن بين مصالح الأطراف المختلفة، ولذلك هذه القواعد لها طابع إرشادي. ويتم تطبيق هذه القواعد على الشركات المساهمة المقيدة في البورصة. حيث يتم فصل هذه القواعد بين:
- الجمعية العمومية
- مجلس الإدارة
- دائرة الرقابة الداخلية
- مُراجع ومُدقق الحسابات
- لجنة التدقيق والمراجعة
- الإفصاح عن السياسات الاجتماعية
- قواعد لتجنب تضارب المصالح
ثانيا: دليل مبادئ حوكمة شركات القطاع العام في مصر:
تُعتبر هذه المبادئ مكملة للقواعد والأحكام التي تحكم وتنظم هذه الشركات. وتعتبر مبادئ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) لإدارة الشركات المملوكة للدولة هي القواعد التوجيهية المنظمة لمبدأ عمل شركات القطاع العام في مصر. وتتفق هذه المبادئ مع هدف قانون شركات القطاع العام رقم 203 لسنة 1991 والذي نص على تحرير قطاع الأعمال العام من أي قيود قد تعيق قدرتها على التنافس مع القطاع الخاص.
وتنقسم هذه المبادئ إلى ستة مبادئ على النحو التالي:
تأكيد وجود إطار قانوني وتنظيمي فعال لشركات قطاع الأعمال العام
- الدولة لها حق التصرُّف كمالك
- المساواة في المعاملة بين المساهمين (المُلاك)
- تنظيم العلاقات مع الأطراف ذات الاهتمام المشترك
- الشفافية والإفصاح
مسؤوليات مجلس إدارة شركات القطاع العام
ثالثا: مشروع القواعد التنفيذية للشركات المُدرجة في بورصتي القاهرة والإسكندرية:
إنتهت لجنة من الخبراء من إعداد تقرير مفصل يحتوي على مشروع قواعد الحكم التنفيذي لشركات مدرجة في البورصة المصرية. ويُعتبر تطبيق هذه القواعد إلزامي بشكل قاطع ونهائي لجميع الشركات المدرجة في بورصتي القاهرة والإسكندرية للأوراق المالية. وتنطبق هذه القواعد على جميع الشركات المساهمة المُصدِرة للأوراق المالية ومدرجة في البورصة المصرية خلال ستة أشهر من تاريخ صدورها. ويجب على جميع الشركات أن تأخذ بعين الاعتبار هذه القواعد والمعايير الخاصة بحوكمة الشركات وتتبعها في جمهورية مصر العربية، الصادرة عن وزارة الاستثمار في اكتوبر عام 2005. ويتم فصل هذه القواعد بين:
- مجلس الإدارة
- الإفصاح والشفافية لتقديم المعلومات للمساهمين
- تضارب المصالح والتجارة الداخلية
- التحكم الداخلي
- تعيين مدقق ومُراجع للحسابات
وتسعى هذه المقالة إلى تسليط الضوء على بعض الجوانب المتعلقة بحوكمة الشركات في مصر. حيث أن حوكمة الشركات ليس الهدف منها هو إجبار الشركات على احترام مجموعة القواعد وتفسيرها بشكل ضيق وحرفياً، بل هي ثقافة وأسلوب يهدف إلى ضبط العلاقة بين أصحاب الشركة ومديريها وأصحاب المصلحة. ومع ذلك، لوحظ أن التطورات الأخيرة فيما يتعلق بقواعد حوكمة الشركات في جميع أنحاء العالم أصبحت أداة قوية لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر. فمصر ليست استثناء، ومن المتوقع إحداث تطورات أخرى كثيرة في المستقبل.
ترجمة: Amal Hussein
تصميم: Amal Hussein
المصدر:
http://sc.egyres.com/jzIlk