لمدةٍ طويلة كانت عملية إنتاج الحيوانات المنوية قاصرةً فقط على الأعضاء التناسلية للذكور، وقد باءت الكثير من المحاولات لمحاكاة هذه العملية في المختبرات في حالة الإنسان والحيوان بالفشل، حيث ظهر أن عملية إنتاج الحيوانات المنوية تعتمد على ظروفٍ خاصة ونادرة موجودة في الخصية، إلَّا أن فريقٌ من الباحثين الصينيين قد كشفوا عن تقنيةٍ جديدةٍ تمكنوا من خلالها من تحويل نوعٍ خاص من الخلايا الجذعية (stem cells) إلى خلايا شبيهة بالحيوانات المنوية، ثم استخدامها في إخصاب البويضات وإنتاج فئران بحالة صحية جيدة. هذا الاكتشاف قد يساعد الباحثين على دراسة مراحل تطور الحيوانات المنوية في الثدييات بطريقة مباشرة وكذلك سيستحث الجهود لتطوير علاج للعقم عند الذكور في حالة البشر.
وقال الدكتور نيلز جايجسن -وهو مختص في الخلايا الجذعية في معهد «هوبريشت» في هولندا- أن هذا الاكتشاف مذهل، حيث أن هذه أول مرة يتمكن فيها مختبر من سلوك هذا الطريق إلى نهايته والحصول على أدراص (جمع دَرْص: وهو صغير الفأر) على قيد الحياة خارج نطاق الجسد، بالإضافة إلى أن هذه النتائج جاءت بعد محاولات كثيرة غير ناجحة أو غير كاملة، إلَّا أن بعض الباحثين متحفظون عمَّا إذا كان من الممكن إعادة هذه التجربة.
وعلَّق الدكتور كايل أوروينج – مختص في الخلايا الجذعية في جامعة «بيتسبيرغ» في بنسلفانيا – بأن هذا الاكتشاف يمنح الباحثين نظرة كاملة لأول مرة على الانقسام الميوزي الذي من خلاله تتحول الخلايا في كلٍّ من الخصية والمبيض إلى حيوانات منوية وبويضات، وإذا ما نجحت تقنية مشابهة من إنتاج حيوانات منوية في حالة البشر فسيكون أمرًا عظيمًا بالنسبة لبعض الرجال، وخاصةً هؤلاء الذين لا يستطيعون إنتاج حيوانات منوية كاملة وظيفيًا. بعد العلاج الكيميائي هؤلاء الرجال سيصبح بمقدرتهم الحصول على أطفال بيولوجيين إذا ما تم تحويل أو برمجة خلايا جسدية أخرى إلى خلايا جذعية ثم توجيهها لإنتاج حيوانات منوية.
وقال الدكتور جايجسين بأن العديد من المختبرات حاولت إنتاج حيوانات منوية، إلَّا أنه لا يمكن إتمام العملية، حيث أن عملية الانقسام الميوزي لا يمكن حدوثها، ففي عام 2011 تمكن فريق من الباحثين- في جامعة «كيوتو» في اليابان- الذين يعملون على خلايا جذعية جنينية من تحويل هذه الخلايا إلى خلايا أخرى تشبه الخلايا الجنسية الأولية (PGCs) والتي تتطور إلى كلٍّ من الحيوانات المنوية والبويضات، ولكن لإتمام عملية التحول هذه (التحول إلى حيوانات منوية والتي تحتوي على نصف العدد من الكروموسومات التي تحتويها الخلايا الجسدية) فإن هذه الخلايا الجنسية الأولية تم زراعتها في خصية الفأر، وهذا يعني أن الباحثين لم يتمكنوا من إتمام عملية الانقسام الميوزي وهذا يعني أن أي تطبيق مستقبلي لهذه التقنية سيتطلب نقل الخلايا إلى الخصيتين وهو ما قد يؤدي إلى خطر الأورام.
وفي هذه الدراسة الجديدة التي أجراها فريقٌ من الباحثين في أكاديمية العلوم في بيكين وكلية الطب في نانجينج في الصين والتي نُشِرَت في مجلة « CELL STEM CELL»، أنه ليس هنالك حاجة إلى عملية زرع الخلايا في الخصية، حيث قام الفريق أولًا باستخدام ما توصل إليه الفريق البحثي في جامعة كيوتو لإنتاج الخلايا الجنسية الأولى من الخلايا الجذعية الجنينية ثم قاموا بخلطها مع خلايا خصيوية تم أخذها من فئران حديثة الولادة تحت ظروف متنوعة تُساعد في عملية النمو حسب ما أشار به Xiao-Yang Zhao رئيس الفريق البحثي ومختص الخلايا الجذعية، وفي النهاية توضع في خليط من الهرمونات الجنسية وعوامل النمو بالإضافة إلى خلاصة الغدة النخامية للأبقار، وكما قالت ماري هاندل الأحيائية في مختبر جاكسون أن الله وحده يعلم ما تحتويه هذه المكونات، ولكن لابد أنها مكونات جيدة تحت الظروف المناسبة، حيث أن الخلايا تبدأ في الانقسام كاشفةً عن كل علامات الانقسام الميوزي كما قالت هاندل التي ساعدت في وضع المعايير لتوثيق هذه العملية. ثم يقوم الباحثون بعد ذلك بحقن هذه الخلايا الشبيهة بالحيوانات المنوية -والتي لا تستطيع السباحة- مباشرةً في البويضات ومن ثم زراعتها في أمهات بديلة، وفي النهاية حصلوا على هذه الفئران.
ومن خلال الإنتاج الكامل للحيوانات المنوية خارج الجسم يستطيع الباحثون أن يقدموا إجابات على أسئلةٍ هامةٍ مثل: ما الذي يحفز حدوث الانقسام الميوزي؟ وكيف تقوم الخلايا الخصيوية بالتوجيه والتحكم في هذا الانقسام؟ وكيف تتمكن الكروموسومات في الخلية من الازدواج والانفصال أثناء الانقسام؟
ما زال التطبيق العملي لهذه الطريقة بعيد، وذلك لأن الخلايا الجنسية في كلٍّ من الفئران والإنسان تتكون تحت ظروف مختلفة وتتطور بطريقة مختلفة، إلا أن إثبات الفكرة مازالت مشجعة، وحسبما قال جورج دالي المختص في الخلايا الجذعية في كلية الطب بهارفارد: بما أنها قد نجحت في الفئران فلا يوجد أي سبب بيولوجي للظن بأنها قد تفشل في الإنسان، ولكن لابد من تحديد الظروف التي تسمح للخلايا بالنمو بطريقة منتظمة.
وتراود البعض الشكوك تجاه هذه النتائج، حيث يقول ميتينوري سايتو مختص في الخلايا الجذعية والذي قاد الفريق المسؤول عن إنتاج الخلايا الجنسية الأولية (PGCs) بأنه متحفظ مما تتضمنه هذه الورقة البحثية من بعض التفاصيل، حيث ورد فيها أن الخلايا تم إنماؤها تحت درجة حراة 37 درجة مئوية وهي بذلك مرتفعة بمقدار 3 درجات مئوية عن الدرجة المثالية، وكذلك فإن هذا الارتفاع من المحتمل أن يعيق عملية تطور الحيوانات المنوية وكما أنه لاحظ أن التصوير التألقي (fluorescence imaging) يظهر غياب نوع من البروتينات الضرورية لهذا النوع من الخلايا الخلايا الجنسية الأوليةPGCs ويُقصد من هذا أن الفريق البحثي ربما لم ينتجوا حقًا خلايا شبيهة بالخلايا الجنسية الأولية التي يحتاجونها لتكوين الحيوانات المنوية، وقد عقَّب Zhao أن إنتاج البروتين في الخلايا كان ثابتًا عند 37 درجة مئوية و34 درجة مئوية.
وسوف ينتظر الباحثون في هذا المجال ما تسفر عنه الاختبارات وإذا ما كانت الفئران الناتجة عن هذه العملية بصحة جيدة وسليمة وراثيًا، وكذلك تجربة هذه العملية على حيوانات أخرى، واستخدام أنواع أخرى من الخلايا مثل الخلايا الجذعية المستخرجة والمحفوظة بالتبريد من الخلايا الخصيوية البالغة كنقطة بداية، ويقول Zhao بأن الفريق حاليًا يعمل على تحسين الظروف المناسبة لإجراء هذه العملية على الخلايا البشرية.
ترجمة: Mohamed Gamal Osman
مراجعة: Mohamed Sayed Elgohary
المصادر: http://sc.egyres.com/v4VFf