قد تعتقد أن عنوان المقال به خطأ، وأن المقصود هو أن للبكتيريا عيون، لكن بلى، فالمقصود حقًا هو أن جسم البكتيريا نفسه يعمل كعين.
أعلن علماء الأحياء عن فك لغز حساسية البكتيريا الضئيلة للضوء والحركة تجاهه بأكتشافهم أن الكائن كله يعمل كعين.
لاحظ العلماء في هذا الكائن احادي الخلية أن أشعة الضوء الساقطة عليه تنكسر عند مرورها من مقدمة الخلية المحدبة، لتتركّز على نقطة على سطح نهاية الخلية، وتتحرك الخلية نحو الضوء.
ادهش هذا الاكتشاف الذكي الوسط العلمي كله، فرغم صغر حجم هذا الكائن ]قطره ثلاث ميكروميترات[ إلا أنه يستخدم نفس المبادئ الفيزيائية التي تستخدمها عين الانسان والكاميرا، وهذا الاكتشاف يجعلهم اقدم وأصغر مثال للعدسة الحية في العالم.
البكتيريا الزرقاء (Cyanobacteri) –ومن ضمنها نوع الـ(Synechocystis) المستخدم في الدراسة- تعد من أقدم أشكال الحياة وأكثرها انتشارًا، تعيش تلك البكتيريا في الماء وتحصل على طاقتها من البناء الضوئي (Photosynthesis)، وهذا يفسر حُبهم وانجذابهم للضوء الساطع.
يقول (كونراد مولينو) أحد المشاركين في الدراسة من جامعة (كوين ماري) بلندن: «نحن نعرف أنها تملك طريقة لتحسُّس الضوء بسبب اتجاة حركتها، لكن ضآلة حجمها جعلنا مشوَّشين»، وأضاف: «لقد لاحظناها بالصدفة! فقد كنا نوجه الضوء على الخلايا من اتجاه واحد لنرى حركتها نحو الضوء، وفجأة رأينا الضوء يتركز في نقاط ساطعة على اسطح الخلايا واتضحت تمامًا طريقة عمل الخلايا وقد كان هذا رائعًا حقًا».
التجربة:
بعد ثلاثة قرون من ملاحظة ومراقبة البكتيريا بالميكروسكوبات، من الواضح أن لم يلحظ أحد هذا الاكتشاف من قبل.
لتأكيد ودراسة تفاصيل ميكانيكية رؤية الكائنات الاحادية، عمل مولينو مع زملاء من المملكة المتحدة والمانيا والبرتغال على مجموعة من الاختبارات.
درس الفريق قدرة تركيز رؤية البكتيريا باستخدام انواع مختلفة من الميكروسكوبات، وكذلك استخدموا شعاع ليزر ليحددوا مدى تأثير تركيز الأشعة العالي على سلوك الخلايا، حيث أن الليزر مصدر شديد التركيز.
ثبَّت الباحثون شعاع الليزر على منتصف الشريحة التي تحمل البكتيريا، ووجهوا ايضًا اشعة ضوء عادي من جانب واحد. وكانت الملاحظة هي توجُّه تلك الكائنات الصغيرة في الاتجاه المعتاد أي في اتجاه الضوء العادي، لكن عند اصطدام أو تعرُّض أي فرد منهم لشعاع الليزر كانت حركته تضطرب كما لو كانت مفاجأة له.
يصف البروفيسور مولينو الملاحظة بقوله: «عندما يصطدم الكائن بشعاع الليزر، فانه يقفز مبتعدًا مغيرًا اتجاه حركته».
يقول العلماء أن كل خلية تملك صورة كاملة -360 درجة- لمحيطها، حيث أنها تتعرض للضوء من جميع الجهات بدرجات مختلفة.
عند توجية مصدرَّيْ ضوء على الخلية، تتركز الأشعة على نقطتين على جدار الخلية، وتتحرك الخلية في اتجاه متوسط بين المصدرين، مما يدل على تجميعها وربطها بين المعلومات.
يعتقد الفريق البحثي أن اكتشافه ينطبق على انواع كثيرة من البكتيريا الصغيرة، لكن يجب بذل المزيد من الجهد لمعرفة هل يعمل هذا النظام على البكتيريا الغير كروية الشكل (مثل البكتيريا الزرقاء الطويلة-rod shaped cyanobacteria ) أم لا، واذا كان يعمل فكيف يعمل.
توضح الصورة بالأعلى الصورة التي تكونها الكاميرا وعين الإنسان والبكتيريا التي أجريت عليها الدراسة، الصورة في الكاميرا تتكون معدولة كما هي في الطبيعة وتكون عالية الدقة، وفي عين الانسان تكون الصورة عالية الدقة ايضًا لكنها مقلوبة، أما في البكتيريا فيظهر فيها حدود مصادر الضوء والأجسام بالكاد وتكون الصورة منخفضة الدقة، وتكون مقلوبة ايضًا.
بعض الكائنات احادية الخلية الأكبر في الحجم تستخدم بالفعل تجمّعات من المستقبلات الضوئية التي تدعى بقعة العين مع مكونات خلوية اخرى لتحديد اتجاه الضوء.
قدرة بكتيريا الـ(Synechocystis) على تتبع الضوء متميزة ومثير للانتباه، لأن هذا النوع من البكتيريا شديد الصغر وشديد البساطة، وكان غير مُفَسّر منذ وقت قريب.
وقد علق (جاسبر جيكلي) المسؤول عن مجموعة بحثية في معهد ماكس بلانك للأحياء التطورية في توبنغن بألمانيا، والمتخصص في الـ(Phototaxi) على البحث قائلَا: «لقد كنا غافلين عن هذة الآلية تمامًا، انها مبهرة ومفاجِئة» وأضاف جيكلي «البكتيريا الزرقاء عمرها 2,7 مليار سنة، لذا فآلية رؤيتها أقدم كثيرًا من أي عين حيوانية».
ترجمة: Ahmed A. Saeed
مراجعة لغوية: Ahmed M. Gawish
المصدر:
http://sc.egyres.com/DgOcX