حتشبسوت .. المرأة الفرعون (الجزء الأول)
حتشبسوت بمعني (زروة النبيلات أو سيدة الجميلات). ولدت (حتشبسوت) عام 1508 ق.م في وقت كان فيه حكم المصريين يتعاظم؛ فقد تمكن أحمس مؤسس الأسرة الثامنة عشر من طرد (الهكسوس) الغزاة الذين احتلوا الجزء الشمالي من وادي النيل لمئتي عام، وخلفه ابنه (أمنحتب الأول) الذي لم يكن له ولد ليخلفه، ولذا يعتقد أن (تحتمس الأول) الذي كان قائدًا عسكريًا قد مُنح الدم الملكي بحكم زواجه من أميرة فرعونية وهي (أعحمس أو أحمس) .
وقد كانت حتشبسوت هي الطفل الوحيد ل(تحتمس الأول) من زوجته الملكية (اعح مس). عندما توفي الملك (تحتمس الأول) كانت حتشبسوت في الثانية عشر من عمرها فتزوجت من أخيها غير الشرعي (تحتمس الثاني)، والذي كان من إحدى الزوجات الثانويات لتحتمس كان زاوج حتشبسوت من تحتمس الثاني من تقاليد الأسر المصرية الحاكمة؛ وذلك في حالة عدم وجود وريث شرعي من الزوجة الملكية التي ينتقل من خلالها الدم الملكي المقدس. حملت حتشبسوت في عهد (تحتمس الثاني)ألقاب مثل: ابنة الملك، وأخت الملك، وزوجة المعبود أو الملك، والملكة العظمى. بقيت حتشبسوت مع تحتمس الثاني حتى مات بعد خمسة عشر عامًا من الحكم تاركًا إياها أرملة في سن السابعة والعشرين وكانت قد أنجبت منه فتاة سميت (نفرو رع) ، كما أنجب تحتمس الثاني ولد هو (تحتمس الثالث) من إحدى الزوجات الثانويات والتي تدعى ( إيزه أو إيزيس ) .
يجدر الذكر أن البعض اعتقد فيما مضي خطأ؛ وذلك نتيجة تشابه الأسماء بأن (مريت رع حتشبسوت) هي ابنة لحتشبسوت من زوجها تحتمس الثاني، ولكنها لم تحمل لقب (سات نسو) أي ابنة الملك علي أي من أثارها، بل يُعتقد أنها زوجة ملكية مجهولة النسب للملك (تحتمس الثالث)، ويُعتقد أن أمها هي المرضعة الملكية (حوي) والتي حملت لقب عابدة، ولعبت دورًا هامًا في عبادات آمون .
كان (تحتمس الثالث) صغيرًا حينما توفي الملك (تحتمس الثاني) فوُضع تحت وصاية زوجة أبيه (حتشبسوت)، التي أخذت تدير شؤون البلاد باسمه لمدة ثمانِ أو تسع سنوات ثم نجدها بعد ذلك تبعده عن الحكم، وتتخذ الألقاب الخمسة كاملة كأي ملك وهي: اللقب الحوري، واللقب النبتي، واللقب النسوبيتي، ولقب حور نب أو حور الذهبي، ولقب سارع، وهي الألقاب التي لم تحصل عليها سيدة من قبلها، بالإضافة إلى النعوت الأخرى المعتادة مثل: هازمة كل البلاد، وغنيمه آمون،
وصنيعه آمون، كما أطلق عليها لقب (حورس الأنثى). هناك ما يشير إلى أنها كانت تضع ألقاب وأسماء تحتمس الثالث إلى جانب ألقابها وأسمائها، وربما أرادت أن تنال رضا كهنة آمون الذين كانوا فيما يبدو بجانب تحتمس الثالث.
نصت التعاليم الدينية في مصر الفرعونية علي أنه لا يجوز للمرأة القيام بدور الملك، وقد شكل ذلك عائقًا حقيقيًا أمام حتشبسوت، لذا حاولت أن تتقمص شخصية الفرعون؛ لتعزيز شرعية حكمها فنجدها تغير اسمها من حتشبسوت إلى حتشبسو وهو النسخة الذكورية من الاسم، كما كانت ترسم بزي ذكوري، وجسم ذكوري، وملابس الفرعون التقليدية من تنورة طويلة ملكية تدعي (شنديت)، وغطاء الرأس التقليدي المزين بالكوبرا المقدسة، واللحية المستعارة التي كانت
إحدى سمات الحكام المصريين؛ حيث ساد اعتقاد أن الملوك المصريين كانوا دائمًا حليقي اللحية وقد اعتادوا على استخدام اللحية المستعارة، كما كانت تشير لنفسها بضمير المذكر وتحمل نفس القاب الرجال، ويرجع ذلك لعدم وجود كلمات ورموز خاصه تصف المرأة الفرعون، يجدر بالذكر هنا أن حتشبسوت لم تكن تخفي حقيقه أنها أنثى أبدًا في كتاباتها المنقوشة حيث استخدمت علامة التأنيث بشكل متكرر، كما نجدها في أحد نقوش المعابد ترتدي فستانًا طويلًا لكنها تجلس بقدميها
متباعدتين في وضع خاص بالملك، كما تظهر حتشبسوت من خلال تمثال جرانيتي أحمر بجسم امرأة إلا أنها ترتدي غطاء الرأس المزين برأس أفعي الكوبرا.
استطاعت الملكة العظيمة حتشبسوت أن تثبت جدارتها كحاكمة للبلاد فإلى جانب شخصيتها القوية، وخبرتها في إدارة شئون البلاد، وذكائها استعانت بطائفة من الموظفين المخلصين، وكان علي رأسهم (سنموت) وهو الرجل الأول والمسؤول عن كافة المنشآت الملكية في (طيبة) فقد بني لها معبدها العظيم في الدير البحري، وأقام لها مسلتها بالكرنك، كما عهدت إليه حتشبسوت بتربية ابنتها (نفرو رع) التي نجدها ممثلة في العديد من تماثيل (سنموت) حاملًا إياها إما علي ركبتيه أو بين ذراعيه لذا لقب بوالد هذه الأميرة، ومربيها العظيم، وقد وصف (سنموت)
نفسه بأنه أكبر الكبراء في كل البلاد، ورئيس الرؤساء في كل الأقاليم، عثر لسنموت علي مقبرتين: إحداها شيدها عندما كان موظفًا عاديًا وقد تهشمت معظمها، أما مقبرته الثانية فهي تقع قريبًا من المعبد وتتميز برسوم تطابق الرسوم التي كانت وقفًا علي الملوك، ومن أشهر تلك الرسوم رسم فلكي يعد من أقدم خرائط السماء التي عثر عليها بين أثار قدماء المصريين. كانت المكانة التي حظي بها سنموت سببًا في اعتقاد البعض بوجود حالة حب تجمعه مع ملكته.
من موظفي حتشبسوت أيضًا (حابو سنب) وكان الوزير، والقاضي، والرئيس الكبير لكهنة (آمون) ومدير أعمال القصر، وأيضًا (جحوتي) الذي كان حاملًا للختم الملكي ووزيرًا للخزانة، و(نحسي) قائد الأسطول في حملة (بونت) الشهيرة، وغيرهم من الموظفين ذوي الكفاءة، والخبرة.
تميزت الملكة بإشارتها بكثرة في نقوشها إلى طائر (الزقزاق)، وهو عصفور في منطقة النيل كان معروفًا لدي المصريين القدماء باسم (ركهيت) وهو: مصطلح هيروغليفي يترجم عادة ب(عامة الشعب) وكأنها تتبنى النهج الجماهيري في حكمها، وتجدر الإشارة هنا أن عقيدة طائر الزقزاق هي نقيض عقيدة الفراعنة.
المصادر/
http://sc.egyres.com/XYGwy
/ http://sc.egyres.com/6fNTJ
/ كارلو ريو ردا ؛ التاريخ المصور لمصر القديمة، 45، 46
/عبد الحليم نور الدين ؛ عنايات محمد احمد، تاريخ وحضارة مصر القديمة،
121-123
/ محمد علي سعد الله ؛ في تاريخ مصر ، الجزء الاول ، 285-291
/ Aidan Dodson and Dyan Hilton, The Complete Royal Families of Ancient Egy
/ موسوعة تاريخ مصر عبر العصور – تاريخ مصر القديمة؛ الهيئة المصرية
العامة للكتاب، ص 196-206