في العشرين من يونيو تحل ذكرى القرار الذي أصدرته ممكلة أسبانيا في عام 1511م / 22 ربيع الأول 917هـ والذي يُلزم العرب والمسلمون الذين ظلوا تحت الحكم الأسباني بعد سقوط الأندلس، والذين تم تسميتهم اصطلاحًا باسم ” الموريسكيون ” بتسليم الكتب العربية الخاصة بهم والتي ورثوها عن آبائهم، كخطوة لمحو الهوية العربية لهؤلاء في حملة تتابعت خطواتها بعد هذا التاريخ لفترة طويلة ، ويأتي السؤال ماذا كسب الأسبان من اضطهاد هؤلاء ؟ .
ربما تتعلق إجابة هذا السؤال بالحياة التي عاشها الموريسكيون في ظل الحكم الأسباني والتي تتلخص في النقاط التالية :-
الحياة السياسية :
كان استيلاء الأسبان على (غرناطة) آخر الممالك العربية في الأندلس عام 1492م بداية لمرحلة جديدة من المحنة التي لاقاها العرب والمسلمون؛ جراء احتفاظهم بهويتهم، وتقاليدهم، ودينهم وحمل لواء هذه الاضطهادات كل من الملكين (فرديناند وإيزابيلا) أضف إليهم حاكم غرناطة الجديد
( تانديلا ) مرورًا بخليفة فرديناند في الحكم وهو حفيده (كارلوس الخامس) الذي تسلم مقاليد الحكم في أسبانيا عام 1522م ، وفي ظل هذه الفترة قام الموريسكيون كنتيجة ورد فعل لهذه المحن التي تتوالى عليهم بالقيام ببعض الثورات ضد الحكم الأسباني ، فكانت الثورة الأولى في
عام 1499م واستمرت لعام 1501م ، ثم الثورة الثانية وهي (ثورة المدن) في (بلنسية) عام 1520م حتى اندلاع الثورة الكبرى عام 1568م والتي شهدت أكبر المواجهات العسكرية بين الجانبين وكان من نتائجها بداية التفكير في طرد الموريسك من أسبانيا .
الحياة الدينية والثقافية :
شملت موجة الاضطهادات التي قام بها الزعماء السابقين بعض القيود، وكبت الحريات الدينية، والثقافية تمثلت في إجبار تحول الموريسكيين عن دينهم بالقوة بجانب إصدار بعض الأوامر الملكية التي تحاول محو الهوية العربية للموريسكيين كذلك القرار الذي أصدره كارلوس الخامس في عام 1525م، والذي يقضي بمنع التحدث باللغة العربية، ولبس الزي العربي بل وأعطي بداية التحرك لمحاكم التفتيش المشهورة؛ لتقوم بعملها في اضطهاد الموريسكيين .
النفي والهجرة :
بعد وفاة كارلوس الخامس تولي أمور أسبانيا ابنه (فيليب الثاني) في عام 1556م ، وقد كان الأخير أشد الحكام ضراوة، وعنف ضد العرب الموريسكيين ، فأمر عام 1566م بتحريم التجارة، والتزين بالثياب العربية، واستعمال اللغة العربية في التحدث وإجبار العرب على تعلم اللغة القشتالية والتحدث بها ، كان ذلك القرار الدافع الأكبر لثورة الموريسكيين الكبرى عام 1568م ، وبعد وفاة فيليب الثاني تولى ابنه (فيليب الثالث) مقاليد الأمور في عام 1598م والذي نجح وبشكل سريع في وضع حد للوجود العربي في أسبانيا؛ وذلك بإتخاذ قرار النفي لكل الموريسكيين الموجودين في أسبانيا بداية من عام 1609م حيث بدأ بترحيلهم على خطوات متتالية كان أول فوج منهم حوالي 150 ألف موريسكي تم نفيهم إلى إفريقيا وخاصة إلى تونس وبلاد المغرب ومنهم من توجه إلى مصر .
— — ماذا كسب الأسبان باضطهاد الموريسكيين ؟
الحقيقة فقد خسر الأسبان بهذه الإجرءات كثيرًا أكثر مما كسبوا، ويمكن تلخيص الدليل على ذلك في النقاط التالية :
- خسر الأسبان عنصرًا اجتماعيًا كثير العدد أثر خروجه على ميزان التشكيل السكاني لعناصر المجتمع الأسباني؛ بسبب ما تمتع به الموريسكيون من زيادة معلات المواليد بشكل ملحوظ .
- خسر الأسبان عنصرًا اقتصاديًا قويًا ، فقد ذكر (مونتغمري وات) أن العنصر العربي كان أكبر العناصر البارزة في الحياة الاقتصادية، وخاصة في مجال الزراعة حتى أن نبلاء أسبانيا الذين كانوا يعتمدون في زراعتهم على مجهود الموريسكيين لما وجدوا هذه الإجراءات العنيفة ضد الموريسكيين كان لهم موقف مضاد للسلطة في أسبانيا موالين للموريسكيين في مطالبهم المشروعة .
- خسر الأسبان عنصرًا حضاريًا استطاع على مدار ثمانية قرون أن يشيد القصور، والقناطر، والجسور، والمدن، والحصون بشكل يرقي إلى التقدم والازدهار الحضاري الذي فقده الأسبان في بداية حكمهم، وعلى مدار أكثر من ثلاثة قرون بعد خروج الموريسكيين من أسبانيا .
- خسر الأسبان بتعصبهم الأعمي تطبيق نظرية التواصل الحضاري، والثقافي التي اعتمدت عليه أوربا في ذلك الوقت؛ من خلال التوقف عن كتابات العرب، والأخذ منها، والبناء عليهاوكان ذلك نتيجة حرق المؤلفات العربية، والكتب القيمة التي طالما اشتهرت الأندلس بها، وبمؤرخيها، وعلماءها .
مصادر المقال :
- محمد عبد الله عنان : نهاية الأندلس ، الهيئة المصرية للكتاب ، 2001م.
- ميكيل دي إيبالثا : الموريسكيون في أسبانيا وفي المنفى ، ترجمة : جمال عبد الرحمن ، المجلس الأعلى للثقافة ، 2005م .
- عادل سعيد بشتاوي : الأندلسيون المواركة ، القاهرة ، 2001م .
- جان بول رو : الإسلام في الغرب ، تعريب : نجده هاجر ، المكتب التجاري للنشر ، لبنان، 1960م
- مونتغمري وات : في تاريخ أسبانيا الإسلامية ، ترجمة : محمد رضا المصري ، 1998م .
#الباحثون_المصريون