دائما ما تبهرنا الطبيعة بقوتها وغموضها حيث تتركنا مفعمين بالدهشة حينما يتم كسر كل ما هو ثابت وما نعتبره أمر حتميّ في الحياة، وذلك استنادًا إلى مقولة العم ألبرت أينشتاين «الواقع هو مجرد وهم حتى وإن كان ثابتًا»، واستغلّ أينشتاين تلك المقولة بحذافيرها، فقد غيّر نظرتنا للفيزياء في بدايات القرن العشرين بوضعه نظريته النسبية الأكثر شهرة والتي يُعد من أهم نتائجها وضع سرعة الضوء كحدٍ للسرعاتِ الكونية، حيث تبلغ سرعته 299,792 كيلومترًا في الثانية الواحدة، واستناداً إلى أينشتاين فإنِّه لا يوجد شيء له كتلة يمكن أن يتحرك أسرع من الضوء.
ولكن كان لعلماء الفيزياء رأيٌ آخر في هذا الشأن، فقد اكتشفوا بضع ظواهر كسرت تلك القاعدة واستطاعت باقتدار أن تتخطى سرعة الضوء، كما أنه تمَّ وضع العديد من النماذج النظرية والتي تفترض وجود طرق معينة لتخطي تلك السرعة.
التشابكات الكمومية
يُعَد التشابك الكمومي هو أول تلك النماذج، حيث وضحه الفيزيائيّ ميتشو كاكو بقوله أنّه إذا كان لدينا إلكترونان قريبان من بعضهما فإنهما ووفقًا لنظرية الكم يهتزان في توافق تام فيما بينهما، ولكن إذا قمنا بهز أحد تلك الإلكترونات فإن الإلكترون الآخر سيشعر بتلك الحركة في التوّ بسرعة تتجاوز سرعة الضوء، ولذلك فقد اعتبر أينشتاين ذلك قصورا حادا في ميكانيكا الكم واعتبر أيضًا أن نقل المعلومات بتلك الطريقة وكسر حاجز الضوء يُعَد غِشَّاً.
من الواضح أنَّ المعلومات تنتقل أسرع من الضوء ولكن في الحقيقة هي لا تنتقل في الفضاء بشكل أسرع من الضوء، لنوضح ذلك بمثال بسيط لكي نحل تلك المعضلة، فلتفترض أن لديك صديقان أحدهما يرتدي الأزرق والآخر يرتدي الوردي، ولكنك لا تعلم من منهما يرتدي الأزرق أو الوردي، فإذا اتجهت نحو أحدها ورأيته يرتدي الأزرق فإنك في الحال (أي أسرع من الضوء) ستدرك أنَّ الآخر هو من يرتدي اللون الوردي.
وبالنسبة إلى الدكتور ميتشو فإنه يقول أنه ربما تستطيع المعلومات أن تنتقل أسرع من الضوء ولكن يبقى لأينشتاين الضحكة الأخيرة، لأن المعلومات التي يمكنها كسر حاجز الضوء تكون عشوائية ولذا فإنه لا فائدة ولا طائل منها من الأساس.
الومضة الضوئية
تحدث تلك الظاهرة يوميا في قلب المفاعلات النووية عندما يتم تعجيل جسم ما إلى حد كسر سرعة الضوء وهذه الظاهرة أيضا معروفة باسم إشعاع شيرينكوف، ويحدث هذا التوهج الأزرق حينما يتم غمر قلب المفاعل بالمياه مما يتسبب في إبطاء سرعة الضوء، في حين أنَّ الإلكترونات تنتقل أسرع وتتخطى حاجز سرعة الضوء، وهذا يخلق نوعًا من الومضات الضوئيّة.
ويكمن مفتاح هذا اللغز في الوسط الذي يتحرك فيه الضوء، ففي الفراغ أو الهواء فإن الضوء يتحرك أسرع ما يمكن ولكنه يبطئ تدريجيًا باختلاف الوسط إذا كان جليدًا أو ماء أو غير ذلك، ولذا نقول فلتنم عينك بسلام ولترقد مرتاح البال يا دكتور أينشتاين.
وأيضًا كما تقول دكتور جيسيكا أورفيج أن إشعاع شيرينكوف يضئ بسبب غمر قلب المفاعل النووي بالماء وذلك لتبريده وبالتالي فإن سرعة الضوء في الماء تقل إلى نسبة 75% في حين أن الإلكترونات تنتج من التفاعلات التي حدثت داخل المفاعل وبالتالي فإنها يمكنها أن تنتقل أسرع من الضوء خلال الماء.
فالأجسام مثل الإلكترونات والتي يمكنها أن تتخطى سرعة الضوء في الماء أو الأوساط الأخرى تتسبب في حدوث ومضة ضوئية تماثل الصدمة الصوتية.
الثقوب الدودية
يشاع في أوساط الخيال العلمي إمكانية السفر عبر النجوم والمجرات بسرعات تفوق سرعة الضوء، ولكن إذا نظرنا بجدية في نظرية النسبية الخاصة للعم أينشتاين فإن السفر عبر النجوم سيصبح ممكنًا علميًا وثابتًا على أرضٍ علمية صلبة.
ويعود الفضل في ذلك إلى نظرية أينشتاين للنسبية العامة حيث دمج بين الزمان والمكان في نسيج واحد أطلق عليه الزمكان الكوني، وتعد الطريقة الوحيدة الممكنة لنا كبشريين للسفر أسرع من الضوء هي تلك النظرية وتعاملها مع الزمكان، وذلك عن طريق ما نُطلق عليه «الثقوب الدودية-warm holes» والتي تتيح التنقل من خلالها في مناطق الكون المختلفة، ولكن يكمن العائق الأكبر هنا في توفير الطاقة اللازمة لفتح تلك الثقوب وأيضًا جهلنا للمخاطر التي سوف تحدث بداخلها بالإضافة إلى أنَّنا لا نملك دليلًا مؤكدًا لوجودها، فقط نعتمد على الافتراضات والنماذج النظرية.
الفجوات أو الثغور
تنص نظرية أينشتاين على أنّ أي جسيم ذو كتلة لا يمكنه أن يتخطى حاجز الضوء عبر نسيج الزمكان، وبناءً على ذلك فإنّ أي شيء آخر ليس له كتلة لربما يكون قادرًا على ذلك مثل مساحة من الفراغ، رغم أنّ النظرية لم تناقش حركة الزمكان نفسه حيث يتمدد ويدفع المواد بعيدًا أسرع من الضوء، ومع ذلك فإنّ المادة لا تتحرك عبر الزمكان ولكن الزمكان هو ما يدفعها.
وعموما فإنَّ كل شيء في هذا الكون يتوسع ويتمدد، ليست حواف الكون هي فقط ما يتمدد ويتوسع ولكن الزمكان نفسه بما يشمله من نجوم وكواكب ومجرات وحتى نحن البشر أنفسنا كل شيء يتمدد بسرعة تتخطى سرعة الضوء.
وأخيرًا نردد دائمًا بأن العلم بحوره واسعة لا نهاية لها ولا يهتم بالثوابت المطلقة، فنحن لا نعرف أيهما أسرع الضوء أم الظلام لا نعلم أيهما جاء أولًا ومن منهم يسبق الآخر، لربما نستطيع الإجابة في يوم ما !! ربما !!
ترجمة وإعداد: آية غانم
المصادر:
http://sc.egyres.com/PbXWK